مواضيع اليوم

في مفوم الثقافة الإسلامية ؟؟

محمد بن عمر

2010-05-28 10:00:04

0

في مفهوم الثقافة الإسلامية

اشتقت كلمة الثقافة من ثقف يثقف، وثقف العود بمعنى سواه وهذبه وبذلك يصبح معنى كلمة ثقافة كل ما من شانه تهذيب سلوك البشر والرقي به من حالة الحيوانية إلى مدارج الإنسانية الفاضلة .. إن الثقافة لها أهمية قصوى لدى الكائن البشري‘ فهي لا تخرج عن كونها تهذيب لخصائص الإنسان الطبيعية، وتشذيب لخصاله المتوحشة، وتغيير لما جبلته عليه فطرته الحيوانية تغييرا يستوي بالتدريج هوية ثقافية .. وإذ تعلو الثقافة بالكائن البشري عن منازل التوحش، فإنها تكسبه خصائص جديدة يؤصلها فيه تراكمها وتصاعدها، فتغير لديه جوهره الطبيعي الغريزي المتوحش، ويكون التغيير تهذيبا وتشذيبا من جهة وتعديلا وتبديلا من جهة أخرى. فالثقافة تهذب، على سبيل الذكر، غريزة التناسل وحب البقاء، فتنقلها بالتشذيب والتثقيف من طور التوحش الغريزي إلى طور الثقافة المكتسبة التي تقيدها بمؤسسة الزواج مثلا و قوانينه المعلومة، وتحسنها باختلاجات الوجدان وصنائع العقل...

كما تعكس الثقافة ـ بمفهومها الأنتروبولوجي ـ خصوصية المجتمع والقيم التي يتبناها والمفاهيم التي ينظر من خلالها إلى الحياة والكيفية التي يتعامل بها الفرد مع نفسه ومع بقية الأطراف الإجتماعية .. كما تعكس مواقف تلك المجموعة البشرية من الكون والحياة والعالم وما بلغوه من ارتفاع فكري ورقي حضاري ونماء ذوقي .. وازدهار الثقافة أو تطورها متوقف إلي حد كبير علي ما يسود بين أفراد المجتمع وجماعاته من حوار بناء وتنافس نزيه في مختلف ميادين الحياة ودروبها ومشكلاتها، بما يعنيه من تنوع في وجهات النظر وترك الفرصة أمام جميع الفرقاء ليدلي كل واحد بدلوه دون إقصاء . وهذا لن يحدث ما لم يلتزم كل صاحب رأي بأدب النقاش والإختلاف، جاعلا نصب عينيه أن غايته من بذل الجهد الفكري هو تقدم بلاد الإسلام وعزتها وتحصينها ضد كل الأدواء التي يمكن أن تعرضها للخطر، عندها، يصبح اختلافنا رحمة تنشر ظلالها الوارفة وثمارها اليانعة علي الجميع فنختار الرأي الأصوب والأقرب لمصلحتنا حاضرا ومستقبلا، مـتـعـاونين ومتحفزين دوما إلي ما هو خير وأحسن، ونرتقي في جو من التسامح والتعاون والتكامل.

لقد احتاجت الأمم الناهضة دائما إلى بلورة فكرية - ثقافية في شخصيتها وقيمها ومعاييرها .. اذ لكل شعب من شعوب الدنيا معاييره المميزة و سماته وشخصيته المتفردة . ومهمة المفكر أو المصلح في أية امة من الأمم هي البحث عن هذه السمات والخصائص بغية اكتشاف ما فيها من عناصر أصيلة لتقريبها واخذ الصالح منها. وما يمكن أن يكون فيها من شوائب دخيلة ومن ثم يعمل عل حذفها واستبعادها. وهي مهمة صعبة وعسيرة وتحتاج إلى كثير من الإرادة والمسؤولية .. وإذا ما أردنا النهوض من كبوتنا الحضارية فلا بد لنا أن نجعل من الثقافة الإسلامية والثوابت الإلاهية ركيزة أساسية من ركائز التغيير ودعامة صلبة للمجتمع المدني الذي ننشده وحافزا لكل نهضة وإبداع حضاري .. فلا تقدم ولا تطور لمجتمع بشري بدون ثقافة ناضجة ومتحفزة لاختراق الآفاق واعتلاء أعلى القمم .. تستنفر كافة قوى الإنسان وطاقاته وقدراته على البذل والعطاء والمشاركة الفعالة في تحريك هياكل المجتمع والمساهمة في بناء لبناته وتأسيس كيانه ونحت ملامحه..


إن كل مجتمع ينشد الرقي والإزدهار لا بد له من ثقافة مميزة يتخذها ركيزة ودعامة صلبة للإنطلاق والإقلاع الحضاري وإلا فانه سيضيع في متاهات الطريق. ويفقد توازنه على الفعل وتحبط أعماله ومجهودا ته وينتكس إلى الوراء.

فما هي أبرز الخصائص التي نريدها لثقافتنا...؟ وما هي حدودها...؟

إن الثقافة التي نريد، لها مواصفات وقرائن وهي تلك التي لها القدرة الكاملة علي تلبية حاجياتنا العضوية والغرائزية، وتتوفر علي قدر من الإنسجام مع شخصيتنا الحضارية والعقائدية والمفاهيم القرآنية ومعاييرنا الإسلامية وتستجيب لطموحاتنا الفكرية والروحية بحيث تصل بالفرد والمجموعة إلى الإنسجام والتوازن المادي والمعنوي، وتحفزهم لبلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا ومواجهة تحديات:« الأخر/ العدو» على كافة الأصعدة: الثقافية والسياسية والإقتصادية والعسكرية .. ولا قيمة لثقافة تطلب من الإنسان أن يعيش مسكينا ومحروما من ملذات الدنيا وطيباتها التي أحلها الله لعباده:« قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ».. ولا قيمة لثقافة تكبت غرائز الإنسان الطبيعية أو تطلب منه تأجيل تلبيتها إلى وقت يصل فيه إلى حافة القبر.. أو تعطل طاقاته ومواهبه أو تحد من طموحه ورنوه إلى أعلى القمم .. كما نرفض ثقافة تطمس شخصيتنا وتميزنا، وتسعى إلي دمجنا وصهرنا إلي حد الذوبان في «الأخر/ العدو» لتحيلنا في النهاية إلي إذناب ليس لهم حول ولا قوة.

ويمكننا أن نجمل مرتكزات الثقافة الإسلامية التي نريد في النقاط التالية:

الإيمان بالله خالق و رب وحيد للكون والإنسان والحياة ‘ الجدير بالطاعة والخضوع وإتباع أوامره ..(اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق.) (سورة العلق الآية 1و2).

القرآن الكريم الكتاب الوحيد الذي يحتوي على الحقائق الأزلية و القوانين السرمدية المتطابقة مع الواقع في الكون والإنسان والحياة والمجتمع والمتماهية مع فطرة الخلق الصحيحة التي فطر الله الكون عليها منذ الخلق الأول للحياة .. كما أنه من خلق الله الذي خلق كل شيء.. لذلك فهو معجز عن الإتيان بمثله: إذ الخلق كلهم﴿ الإنس و الجن و الملائكة..﴾ عاجزون عن الخلق بداهة .. وهو الكتاب الوحيد الذي يستمد منه المسلم في أي زمان و أي مكان كافة معاييره وموازينه لجميع سلوكيات البشر و كافة مفاهيمه لمختلف ميادين الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، داخليا وخارجيا.. لأنه من عند الله العزيز الحكيم : « ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ».

 

لا بد من العودة إلى التأسي والإقتباس من المرحلة التاريخية التي تم فيها ميلاد المجتمع الإسلامي الأول، فلهذه الفترة قدسيتها وعصمتها لأن رعاية الله كانت مستمرة، وتسديد الوحي كان مرافقا لكل خطوة وخلجة نفس، وهذا لن يتأتى لأية مرحلة تاريخية أخرى من حياة الأمة المسلمة. فالسيرة النبوية تشكل بالنسبة لنا أنموذج الإقتداء الوحيد الذي يجب أن يحتذى والمعالم ووسائل الإيضاح العملي لآيات القرآن المجيد للإهتداء على ضوئها والسير طبقا لتعاليمها، إن تلك القدسية لا يمكن أن تكون لأية فترة ماضية أو حاضرة أو مستقبلة..

بناء الإنسان المؤمن بالله الذي يستلهم في علاقاته بالكون والإنسان والحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الثوابت القرآنية ويستمد منها مفاهيمه وإن تلك الثوابت هي حقائق أزلية قد سارت على هداها كل المجتمعاتالقدوة في الصلاح والتطور وقيادة الشعوب من لدن نوح عليه السلام .. إلى محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم قدوة جميع المؤمنين في العالم. فالسيرة النبوية تشكل لنا أنموذج الإقتداء الوحيد الذي يجب أن يحتذى والمعالم ووسائل الإيضاح لآيات القرآن المجيد-المكي والمدني- للإهتداء على ضوئها والسير طبقا لتعاليمها.فهي المعين الذي يمد المسلمين في العصر الحديث بدروس العبر وضوابط النصر والظفر. يقول الله عز وجل: « شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه...» (سورة الشورى الآية 13).

هناك صنفان من البشر لا ثالث لهما في الثقافة الإسلامية والمفهوم القرآني :مؤمن وكافر. مؤمن متبع لهدى الله قد اختار أن يتخذ من الله ربا ومن الإسلام دينا يخضع لشريعته و لكل معايير القرآن بملء إرادته. وكافر معرض عن ذكر الله وآياته قد اتخذ أربابا أخرى من دون الله. فمنذ هبوط آدم إلى الأرض خاطبه ربه قائلا: « فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا...» (سورة طه الآيات 123- 124).

هذه حدود ومرتكزات للثقافة التي ننشدها لا بد من استحضارها دائما ونحن نرنو إلى مستقبل أفضل، جاعلين نصب أعيننا انتمائنا الحضاري إلى" خير امة أخرجت للناس" وقد أنزل الله عليها القرآن لتكون رحمة للعالمين. وشاهدة عليهم و قائدة لمسيرتهم دنيا وآخرة.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !