مواضيع اليوم

في مفهوم الحريات والحقوق الأساسية

د.هايل نصر

2009-03-18 17:42:34

0

      في الوقت الذي تنصب فيه المشانق. ويجري القتل على الهوية. وتوجه الاتهامات من كل الفئات ضد كل الفئات. في الوقت الذي تنتهك حقوق الإنسان في الحياة وفي الممات, يبدو للبعض انه من الترف الفكري التطرق لمفهوم الحريات والحقوق الأساسية, وخاصة إذا ما كان الحديث موجها للعالم العربي.

 

     لأن هناك, في اعتقاد هذا البعض, أولويات يجب النظر إليها والحديث فيها إذا أردنا صلاح تلك المنطقة و الإصلاح فيها ــ الإصلاح على طريقة الحكام العرب, ينزّل بمنحة أو مكرمة, و يأتي على مراحل تطول بطول عمر بعضهم, أ وقد تقصر قليلا, ولكن الوعد بها يبقى قائما في كل الأحوال. و سيأتي ولو بعد عقود !!. وعلى مواطننا أن ينتظر, لأنه ليس الأدرى بوقت الإصلاح, ولا بضرورته ولا بدرجته, ولأنه مجرد مفعول به ينتظر قرار الفاعل ــ فقضيانا الأساسية مازالت لم تحل بعد. والمطلوب من المواطن العربي, الموصوف بالكرم والأريحية, تضحية بسيطة لا تتعدى التضحية بحرياته وحقوقه الأساسية ـ وكانّ إنسانا لا حرية له ولا حقوق, حتى لا نقول لا كرامة و لا آدمية, مواطن قادر على الإسهام في حل قضايا وطنه. وبناء دولة عصرية, تسمى دولة القانون والمؤسسات, غير المسموح له بذكرها أو الإشارة إليها فما بالنا بالمطالبة بها !!!.

 

     ومع ذلك سنتطرق في هذه السطور لمفهوم الحريات والحقوق الأساسية للمواطن ونذّكر بها, في هذا الوقت بالذات, وان ثقل ذلك على قلوب ومسامع ذلك البعض. لأننا نعتبرها أولوية الأولويات التي لا يمكن بدونها بناء الإنسان والوطن بناء سليما قويا. ولنا عبرة بما وصلت إليه أوطاننا اليوم نتيجة عقود من سياسات وممارسات قائمة على إلغاء تلك الحريات والحقوق و قمع كل من يطالب بها, وسحق المواطن وكرامته, واحتقاره و نكران إنسانيته.  

 

     لم يلد الإنسان مع ولادة هؤلاء الحكام. ولم يبدأ التاريخ مع بداية عهودهم, ولا ينتهي بنهايتهم, حتى يستطيعوا أن يعيقوا إلى الأبد تحقيق تطلعات المواطن إلى ممارسة حريات والتمتع بحقوق عرفتها البشرية منذ أقدم العصور. ويكفي أن نستأنس بالتاريخ أولا ونشير إلى عهود ضاربة في القدم, ما قبل الميلاد, إلى الإغريق والرومان, والى المراحل اللاحقة في العصور الوسطى والثورات التي أوجدت الإعلانات والمواثيق التي كرست تلك الحريات وحقوق الإنسان. ثم نتطرق لاحقا إلى ما هو مقرر حاليا للاعتراف بتلك الحريات والحقوق وترسيخها في الدساتير والقوانين, وحمايتها, لأنها بحاجة لحماية دائمة ما دامت علاقة الإنسان بالسلطة قائمة.

 

     بداية المطالبة بالحريات وحقوق الإنسان غير معروف تاريخها. ويمكن أن تكون قد ظهرت مع بداية التفكير المتصل بالسياسة, وبداية العلاقة بين السلطة والفرد. فقد سعى حمو اربي مؤسس بابل قبل 30 قرنا " لإقامة عدالة لمنع الأقوياء من ظلم الضعفاء". وقبل الميلاد بثلاثة قرون كتب Meng-Tseu " الإنسان مهم بشكل مطلق, وشخص صاحب السيادة اقل أهمية منه".

 

     في عهد أتينا, في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد, تأسست الديمقراطية ضمنيا على مفهوم الحرية     Ferrand, H. Petit, fondations et naissances des droits de l’homme, coll. « la librairie des humanités » Paris, 3 t.2004 ). لم تكن الحرية تقوم على الفردانية  individualisme . فقد كانت حرية مدنية وحرية عامة في الوقت نفسه. أي أنها مدنية لأنها تضمن لكل مواطن شخصه وأمواله. وعامة لأنها تضمن له أهلية المشاركة في القضايا العامة. فالإنسان الحر هو المواطن الذي لا يتبع اقتصاديا لأحد غيره. والذي يستطيع أن يهب نفسه لقضايا الحاضرة ( Cité ). وفي المجال الجماعي فان الاستكفاء الذاتي Autarcie  كان يعني الاستقلالية. كما يتضمن حق الجماعة اختيار مصيرها. في ظل علاقة وثيقة بين الحرية والمساواة, المساواة في ممارسة النشاطات العامة المضمونة من قبل القانون, كالمساواة في حق التحدث أمام الجمعيات السياسية ( Assemblées politiques). وينتج عنه أن لكل مواطن الحق في شغل المناصب العامة. ولكن هذه الحريات مرتبطة مباشرة بالواجبات وغير منفصلة عنها. مثل واجب الخضوع للقوانين. واجب الخدمة الوطنية. واجب دفع الضرائب. فالمواطن يتحمل مسؤوليات كبيرة وعديدة. يترتب على التنكر لالتزاماته عقوبات تصل إلى حد الحرمان من الحقوق السياسية.

 

      مع ذلك يشير بعض الكتاب إلى أن الحاضرات القديمة لم تكن تعرف الحريات المدنية. وبأنها ليست نماذج للنظم الليبرالية وان كانت أنظمة ديمقراطية بالمقارنة مع الملكيات الشرقية المطلقة. لأن المواطن اليوناني وحتى الأثيني كان يجهل الحرية الفردية. وكان يخضع للدولة.(  Claude Albert Colliard. Libertés publiques, Dalloz, 6°édition. ). مستشهدين ببعض التفاصيل. ففي كتابه الحاضرة القديمة Cité antique, chap.VIII)   ), يؤكد فيستال دي كولانج  Fustel de Coulanges أن الحياة الخاصة " لم تكن لتفلت من القوة الكاملة للدولة. الكثير من الحاضرات الإغريقية كان يحضر على الرجل أن يبقى عازبا. ولم تكن إسبارطة تعاقب الرجل لمجرد عزوفه عن الزواج, وإنما تعاقبه كذلك إذا تأخر فيه. وكانت الدولة تمارس طغيانها بتدخلها حتى في التفاصيل الصغيرة لحياة الإنسان. ففي لوكرس Locres  كان يعاقب من يشرب الخمر الصافي pur . وفي روما و Milet يحرّم على النساء شربه..وتمنع تشريعات أثينا أن يحمل المسافر معه أكثر من 3 أنواع من الملابس. وتجبر إسبارطة المواطنين على حلق الشوارب ". تفاصيل تدخل في رأينا في دائرة الأعراف والتقاليد ولا تصلح لأن تكون نفيا قاطعا لوجود الحريات الشخصية التي أيدت وجودها غالبية الكتاب في هذا المجال.

 

     المساواة المشار إليها أعلاه مبنية على صفة المواطن كمواطن وليس على طبيعته كانسان. ومن هنا جرى استبعاد النساء والأجانب والعبيد منها. ومع ذلك فإذا لم تكن النساء تتمتعن بحق المشاركة في الحياة العامة, فانه معترف لهن بالحقوق المدنية. وكذلك حقهن في تحويل حق المواطنية لأبنائهن . كما أن الأجانب المقيمين تمتعوا بوضعية تعطي لهم حقوقا معينة مؤسسة على تقاليد الضيافة الموروثة عن الأرستقراطية في تلك العهود. وقد كان للعبيد المعتبرين كسلع في أثينا وضعية اقل قسوة مما كان سائدا في ألاماكن الأخرى. حيث هناك إمكانية الإعتاق من العبودية, والتوصية بحسن معاملة العبيد عند استخدامهم. أرسطو. السياسة. ( Aristote, Politique,1,6,10 ).

 

   أما روما فقد كان مفهوم الحرية فيها, من القرن الخامس إلى القرن الأول قبل الميلاد, يحتل مركزا رئيسيا ( Philippe Ségur, en libertés et droits fondamentaux, Dalloz, 2005 ). وان كانت تميز بين الشعب الذي يعيش في ظل قوانينها وبين الشعب الذي يخضع لحكم الطغاة. وكانت الحرية المرتبطة بشكل وثيق بمفهوم الملكية propriété   تعني حرية التصرف ضمن مجتمع منظم. ولا تعني أن يتصرف كل على طريقته. وتوحي الكلمة نفسها, حرية, عند الرومان, بخاصية التمتع بالحقوق المدنية. وبوضع الشعب المتحرر من الملكية المطلقة. كما لم يكن تصور الحريات العامة على أنها خارج الضمان الأكيد الذي توفره الجمهورية. وحسب سيسرون Cicéron فان الجمهورية هي مجتمع من الرجال متلاحم بفضل اسمنت الحقوق ومزود, بصفتة هذه, بسلطة السيادة. ( de la République, des lois, Flammarion, Paris, 1965 ). ومع ذلك فان الانتساب للمجتمع السياسي كان يتطلب امتلاك صفة المواطنية, المبعد منها النساء والأجانب والعبيد, مع إمكانية اكتساب بعض الأجانب وبعض العبيد, بصفة استثنائية و ضمن شروط صعبة جدا ومحدودة جدا, هذه الصفة. التي تعطي لحاملها حقوقا سياسية ومدنية ـ ذكرنا بعضها في مقال سابق متعلق بالمواطنية منشور في الحوار المتمدن ـ وكانت هذه الحقوق غير مفصولة عن الواجبات. كما أن مفهوم المواطنية كان يلاقي صعوبات في توسيعه أفقيا ليشمل سكان المناطق الخاضعة للفتوحات الرومانية. مما ترتب عليه وجود نوعين من المواطنية: كاملة يتمتع بها الرومان الأصل. ومحدودة مخصصة لسكان المناطق الأخرى. تقتصر على الحقوق المدنية, مع الخضوع الكامل للواجبات الملقاة على عاتقهم. هذا التمييز في حقوق المواطنية واللامساواة قادت إلى اضطرا بات عديدة وحروب نشبت في القرن الأول قبل الميلاد للمطالبة بالمساواة. إلى أن جاء منشور كار كالا

 ( Caracalla )عام 212 بعد الميلاد ليمنح المواطنية لكل الرجال الأحرار في الإمبراطورية.

 

     أما في العصور الوسطى وحسب فيليب سيكير (المرجع السابق) فقد تميزت الحريات العامة بثلاث صفات أساسية: 1ـ اللامساواة. أي انها مقتصرة على فئات من الأفراد أصحاب الامتيازات . 2ـ   الجماعية, أي أنها حريات مشتركة collectives  فلكل فئة في السلم الاجتماعي حرياتها المشتركة الخاصة بها. وهي ليست ملكا للأفراد, منعزلين, فالمجموعات هي التي تؤمنها لهم. وعلى الأفراد الخضوع للاحتياجات العامة. 3 ـ الحماية. أي أنها محمية بتعهد الملك وقسمه. 

 

    في فرنسا اتصف النظام القديم  Ancien Régime, ــ المتمثل, كما كان الحال في أوربا كلها, بنظام الملكية المطلقة ــ  بتقييد الحريات. ومنها حرية التعبير. فقد عوقب, على سبيل المثال, جان حاك روسو  Rousseau (1762 ) لنشره كتاب   ou l’Eduction Emile وأحرقت نسخه في الساحة العامة. وهو من كتب في افتتاحية العقد الاجتماعي ولد الإنسان حرا ومع ذلك فهو مقيد بالأصفاد. وفي القرن السابع عشر كان المكتب الأسود يقوم بمراقبة المراسلات..  ولم تكن الملكيات الخاصة مصونة لان الملك يعتبر " مالك أملاك رعيته". وكان حق الدفاع في القضايا الجزائية مقيدا. والعقوبات تتميز بالقسوة الشديدة. وكان التعذيب يسبق تدخل القاضي الذي يصدر غالبا أحكاما تعسفية. و الكنيسة, وهي مركز سلطة, تحمي هذه التجاوزات وتساهم في تقليص الحريات معززة مصالحها ومركزها طيلة فترة العصور الوسطى. وعليه يمكن اعتبار الحرية الفردية غريبة عن النظام القديم. فمفهوم الحرية المضاد للسلطة كان لا يمكن تصور وجوده.

 

     مفهوم النظام القديم للحريات هو مفهوم العصور الوسطى التي كانت لا تؤمن بقيام المجتمعات على أسس المساواة. و هذا ما عبر عنه شارل لايسو Loyseau Charles نقيب محامي باريس عام 1613 بقوله: لأننا لا يمكن أن نكون متساوين في الشروط فانه, وبالضرورة, لا بد من وجود من يأمر, ووجود من يطيع. والمجتمع مكون من 3 فئات رئيسية: رجال الدين clergés و والنبلاء noblesse  والآخرون tiers état). فالامتيازات المادية والشرفية كلها لرجال الدين والنبلاء الذين يمثلون الأقلية,  في مقابل "الآخرين". وقد كتب  سيوس Siéyèsعام 1789  " من هم هؤلاء الآخرون ؟  هم الجميع. ما لديهم في النظام السياسي؟ لاشيء. ما ذا يطلبون؟ أن يكونوا شيئا ".

 

    في نهاية النظام المذكور بدأت تظهر بعض الحريات العامة. فتأسست الأندية والمجامع العلمية. ولم تعلن حرية التعبير ولكن مع ذلك ظهر العديد من المؤلفات والصحف, واتسعت حرية التنقل والاتصالات. مما ساعد في نشر الأفكار التي تولدت عنها الثورة عام 1789 (Chaussinant Nogaret, le Citoyen des Lumière, éd. Complexe, 1998 ). وإعلانها المشهور: إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أقرته الجمعية التأسيسية في 26 أوت/آب 1789.

 

    في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر والظهور القوي للبرجوازية فرضت النظرية الليبرالية نفسها, التي لم تكن نظرية سياسية فقط وإنما مفهوم اقتصادي لاستثمار وإدارة الإنتاج وتنظيمه في علاقات اجتماعية ناشئة عنه. فقد تصدت هذه النظرية للمفاهيم السائدة في عصر الإقطاع, وأعلنت بان الناس يولدون ويستمرون أحرارا ومتساوين أمام القانون. وقد وضعت في أسس مفاهيمها الحرية السياسية (منظور إليها كحرية تعبير) وفكرة الحرية الاقتصادية ( منظور إليها كحرية التملك). وطور مفكرو الليبرالية مفهوما عن المجتمع يكون فيه الإنسان كفرد منفصل عن بقية الأفراد المتواجدين معه في المجتمع نفسه. و يعتبر التنافس طريقة عامة لإدارة العلاقات القائمة. 

 

     و في فرنسا منذ الثورة والى اليوم لم تعد تنفصل الليبرالية عن المفاهيم الجمهورية. ولابد من الإشارة هنا لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي جاءت به الثورة الفرنسية عام 1789.

 

     سبق هذا الإعلان إعلانات متعددة نذكر منها العهد العظيم ( la Grande Charte ) عام 1215 في إنكلترا أم البرلمانات وأم الحقوق الفردية. حيث تعهد الملك بضمان الحد الأدنى من الحريات. إعلان الحقوق الصادر في دولة فيرجيني الأمريكية والمعتمد في 12 جوان/حزيران 1776.  والذي تلاه, في 4 جويليه/تموز1776 , إعلان الاستقلال للولايات المتحدة الأمريكية  بصياغة توماس جفرسن  Thomas Jefferson و جون ادامس  John Adams مسجلا انتصار الأفكار الليبرالية ونظرية الحقوق الطبيعية بقوله: " خلق الناس متساوون, وقد منحهم  خالقهم حقوقا غير قابلة للتصرف فيها. بين هذه الحقوق: حق الحياة, والحرية, والبحث عن السعادة".

 

    استمدت مفاهيم الحريات والمساواة معانيها السائدة في ذلك الوقت من مصادر نذكر منها :

 ـ المسيحية. وذلك بتأكيدها على أن الناس متساوون أمام الله, وكان هذا مقدمة للمساواة المدنية. وتركيزها على القيمة المقدسة للإنسان الذي خلقه الله على صورته. و على أن الفرد محاط في جانب منه بهالة قدسية محرم على السلطة الاقتراب منها. كما دخلت المناقبية السائدة تلك المفاهيم.

 

ـ  الفلاسفة والمفكرون السياسيون. سواء من استوحى منهم الأفكار المسيحية, أو النظريات العلمانية والعقلانية. مثل نظرية الحقوق الطبيعية, وهي مرتبطة بالفكر المسيحي ( سان توماس داكين Saint Thomas d’Aquin  ). فالطروحات الأساسية كانت ترى : أن أساس السلطة هو الجسم الاجتماعي. السلطة موجودة من قبل الإنسان ولأجله ولأجل حريته.  وإن هناك حقوق سابقة على الدولة, وأسس هذه الحقوق تكمن في الكرامة الإنسانية. فلا السلطة ولا الأشخاص يستطيعون المساس بها دون أن يكون ذلك مخالفا للطبيعة.

 

ـ نظرية العقد الاجتماعي. كان يرى بعض مروجي هذه النظرية , ومنهم  هوبس Hobbes  1651 , أن المخاطر في الحالة الطبيعية قادت الناس لهجر هذه الحالة والتوجه نحو السلطة. وحسب لوك  Loche فان  العقد الاجتماعي نفسه يحدد مقدار التنازل الذي يقدمه الأفراد فيما يتعلق بحقوقهم الأساسية ((Essai sur le gouvernement 1680  . أما جان جاك روسو J.J. Rousseau فقد أعلن أن الإرادة العامة التي يساهم كل فرد فيها بنصيب متساو هي التي تقرر التضحيات ومقدار التنازلات المفروضة من اجل الحرية ( Contrat social 1761 ). وقد بين مونتيسكيو Montesquieu  مبادئ الحكم المعتدل الضامن للحرية ( L’Esprit des lois 1748).

 

     كل هذا ساهم في بناء التقاليد الإنسانية في الغرب ( اندريه هوريو A. Hauriou ). وانعكس لاحقا في الإعلانات الصادرة فيما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية.

 

      جاء إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن المشار إليه أعلاه بعد الفوران الذي بدأ أواخر عهد النظام القديم ( C. Fauré, la déclaration des droits de l’homme de 1789, coll. Paris 1992 ). وان كانت الإعلانات الأنكلوـ سكسونية السابقة عليه قد تميزت بالبراغماتية pragmatique   , فان الإعلان الفرنسي تميز بطابعه الإيديولوجي.

 

  نصت مادته الأولى على أن الناس أحرار ومتساوون.  وأنهم يتمتعون بحقوق طبيعية غير قابلة للتصرف بها : الحرية. الملكية. الأمن. ومقاومة الاضطهاد. (المادة 2). ونصت المادة الرابعة على أن القانون هو التعبير عن الإرادة الجماعية, يحدد وحده حدود الحريات ونطاقها.

 

     وقد خصص مكانة أساسية للحرية, وهي حرية تفترض استقلالية فردية في مواجهة السلطة. و كذلك لفكرة المساواة. ولكن هذه المساواة التي كانت المبدأ المحرك للثورة عام 1789, لم تكن بعد إلا مساواة أمام القانون, ولم تشمل النساء. وبقي العبيد في المستعمرات يخضعون لقانون كولبير Colbert الذي يجيز معاملتهم كعبيد.

 

    بعد ثورة 1789 عرفت فرنسا تطورا مهما في مجال التصنيع, رغم ظهور أزمات وهزات عديدة. وبدا أن الميكاينزم الاقتصادي السائد غير قادر وحده على تنشيط الإنتاج والعمل. ولهذا كان من الضروري دعوة الدولة للتدخل.

 

     ضمن هذه الظروف لم تعد الحرية تظهر وكأنها حرية فردية للتصرف,  وإنما متصلة بشكل وثيق بالمساعدات القادمة من الدولة   prestations étatiques وبتنظيم كامل للهياكل الاقتصادية والاجتماعية. وان المطالبة بالديمقراطية السياسية, بشكلها الذي جاءت به ثورة 1789, لم تعد تكفي وحدها, إذ أصبح من الضروري المطالبة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية. مما أعطى مفهوما جديدا ذو محتوى اجتماعي لحقوق الإنسان.

 

     هذا المفهوم برز في مقدمة دستور 1946 المكونة من إعلان تمهيدي يؤكد أن الحقوق المقدسة وغير القابلة للتصرف فيها مرتبطة بشكل وثيق بالطبيعة الإنسانية. وأكدت على حقوق وحريات الإنسان الواردة في إعلان عام 1789, ودمجت هذا الإعلان في الدستور المذكور لإعطائه القيمة الدستورية.  كما أضافت المقدمة إلى المبادئ المعلنة عام 1789 مبادئ جديدة اقتصادية واجتماعية. و أضافت لحقوق الإنسان المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات, معترفة لها بحقوق مساوية لحقوق الرجل". و أخذ دستور عام 1958, الذي مازال ساري المفعول, هذه الصيغة.

 

    وفي مجال حق اللجوء دخلت المادة 120 من دستور 1793 التي تنص على أن " الشعب الفرنسي يمنح ملجأ للأجانب المبعدين عن أوطانهم بسبب قضية الحرية. ويرفض إعطائه للطغاة", مقدمة دستور 1946 لتصبح " لكل إنسان مضطهد بسبب نشاطه في مجال الحرية حق اللجوء على أراضي الجمهورية".

 

  اخذ دستور 1958 الإعلانات الأساسية السابق ذكرها تحت صيغة " الشعب الفرنسي يعلن تعلقه بحقوق الإنسان وبمبادئ السيادة القومية كما جاءت في إعلان 1789, المؤكد عليها في دستور 1948 ".

 

     ولم يعد هذا الدستور مكون من مبادئ عامة غامضة فلسفية وسياسية ولكنه أصبح مكون من مجموعة قواعد قانونية ملزمة للجسم الاجتماعي والسياسي بمجموعه.

 

    وفي الجهة الأخرى, و مع ظهور الدول الشيوعية عملت هذه الأخيرة على تضمين دساتيرها إعلانات الحقوق الناشئة عن الليبرالية السياسية ولكنها أعطتها معنى جديدا. فاحتوت جميع تلك الدساتير على عناوين "حقوق وواجبات المواطنين". وعلى عنوانين أخرى مثل "النظام الاجتماعي" أو "التنظيم الاقتصادي والاجتماعي". وأعطت لتلك الحقوق أبعادا أكثر عمقا واختلافا عن تلك التي كرستها إعلانات البلدان الغربية والتي سقنا مثالا لها الإعلانات والدساتير الفرنسية.

 

       المفهوم الماركسي للقضايا السياسية ظهر قبل كل شيء على أنه نظرية ثورية في التنظيم الاجتماعي. وفلسفة معارضة للرأسمالية وللصيغ الليبرالية.

 

     فالماركسية تنظر للملكية نظرة مختلفة عن النظرة الليبرالية. إذ تعتبر الإنتاج ملكية للمنتجين. وعليه يقرر المنظرون الماركسيون التقليديون أن الملكية يجب أن تكون جماعية وليست فردية. فالدولة تحل محل الأفراد الخاصين, وتنظم وتدبر كل العلاقات الاجتماعية. وهي التي تنوب عن المجموعات المنتجة وتلغي كل تفاوت وعدم مساواة بينهم, وهي التي تؤمن توزيع الأموال والثروات, بما يوفر للأكثر فقرا شروطا معيشية لائقة.  فالدولة وهي المالك الحقيقي لوسائل الإنتاج, مسؤولة عن الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة prolétariat .

 

   و فيما يتعلق بالحريات فمن الطبيعي أن تعكس النصوص الماركسية المفهوم الماركسي للحرية ولحقوق الإنسان. فالمبادئ الاجتماعية والاشتراكية في دساتير الدول الشيوعية هي مبادئ الاشتراكية المختلفة عن إعلانات الحقوق البرجوازية.  فدستور الاتحاد السوفيتي الأخير يجعل ملكية وسائل الإنتاج كاملة في يد الدولة. وحدد مبادئ الملكية, فهي ملكية اشتراكية تظهر إما بصيغة ملكية الدولة وإما بالملكية التعاونية. أما الملكية الفردية فهي محدودة جدا ومقيدة. في حين كانت الملكية في دساتير دول الديمقراطيات الشعبية, الأقل تقدما في السير في طريق الاشتراكية, اقل تقييدا مما هي عليه في الاتحاد السوفيتي, ولكنها لا تصل بطبيعة الحال إلى ما هي عليه في الدول الرأسمالية, فالدستور يضمنها وينظم حق الميراث.

 

   أما حقوق وواجبات المواطن, فيبدو انه لا يوجد اختلاف جذري, على مستوى النصوص, في إعلانات الحقوق الصادرة عن الدول الرأسمالية أو الشيوعية فيما يتعلق بتصنيف الحريات التقليدية, فكلا النموذجين أعلن حرية المعتقد, والحرية الدينية, وحرية وسائل التعبير والتفكير, حرية الجمعيات, الحرية الشخصية وحرمة السكن. ومبدأ المساواة. إلى جانب هذه الحريات التقليدية كانت الدساتير الاشتراكية تقر الحقوق الاجتماعية بمساعدة الدولة.

 

     وقد أعلنت الماركسية أن مفهومها للحرية يختلف عن مفهوم الثورة الفرنسية لها والقائم على أساس الفردانية   individualisme . معتبرة إياها حريات الأغنياء في الأنظمة الرأسمالية. ولأن الحريات الفردية قيد على سلطة الدولة من قبل الأفراد فيجب إذن تحديدها وعدم التوسع بها. فالنظام في المجال الجماعي يرفض مفهوم الحقوق الفردية المنافسة للسلطة الخاصة بالدولة étatique. وعلى الحريات الفردية أن لا تكون إلا وسائل توصل للمصلحة العامة للمجموع masse. فمنذ البداية أعلن دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1926 أن الحريات الفردية تمنح للفرد ليس من واقع ولادته كانسان فقط ولكن بهدف جعله يشغل وظيفة اجتماعية. ( Malitzky. Le droit public soviétique, Kharkov, 1926, p.14 ). وكان الاتحاد السوفيتي, والدول الاشتراكية الأخرى يعلنون بأنهم ديمقراطيات حقيقية. وأن الحريات التي ينادون بها ويطبقونها هي حريات حقيقية وليست وهمية قائمة على فلسفات غامضة و متعارضة. و يقدم كتابهم أمثلة على ذلك بقولهم ما معنى حرية الصحافة إذا كان من يريد التعبير عن آرائه في الدول الرأسمالية لا يجد الوسيلة لفعل ذلك, لعدم مقدرته على امتلاك الوسائل المطلوبة, كالمطبعة والورق.. في حين أن العمال ومنظماتهم في الدول الاشتراكية يمتلكون تلك الوسائل, كمخزنات الورق, والمطابع, وكل الأدوات اللازمة. وعليه فالحرية هنا واقعية ومادية.  ويقر الكتاب في الدول الغربية الديمقراطية بوجود جزء من الحقيقة في هذا الطرح ( Claude-Albert Colliard, op.cit. ).

 

   ومن هنا كان الماركسيون ينادون بوجوب قلب النظام الرأسمالي الفاسد لإقامة المجتمع الشيوعي. فالإنسان في هذا المجتمع سيكون حرا بشكل كامل. لأن الدولة كوسيلة اضطهاد ستنتهي. كما سينتهي العوز والفقر المعمم واللامساواة والحروب وستتحقق المساواة ورفاهية البشر جميعا. ويعرض دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1977 في فصله السابع الحقوق والواجبات الأساسية للمواطنين, طبقا للطروحات الماركسية. فيضع في المقدمة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (حق العمل حق الضمان الاجتماعي الحق في الثقافة). وبعدها تأتي حرية التعبير والتجمع والتظاهر وتشكيل الجمعيات وأخيرا الحرية الشخصية. وتبين المادة 50 أن الحريات الفكرية والجمعيات تعلن طبقا لمصالح العمال و تعزيز النظام الاشتراكي.

 

   إعلانات الدول الماركسية كانت تؤكد على أن الحريات هي "حريات التصرف" وهذه الحريات تلزم  الدولة على وضع الوسائل المادية اللازمة تحت تصرف الأفراد لممارستها. لذلك اعتمدت التقنية السوفيتية في صياغة المواد المتعلقة بالحريات بتقسيم كل مادة إلى جزأين الأول يذكر نوع الحرية. والثاني كيفية تأمينها. فمثلا تؤكد على " حق العمل", في الفقرة الأولى من المادة, وتعلن, في الفقرة الثانية, أنه " مؤمن من قبل المنظمة الاجتماعية للاقتصاد الوطني, لأبعاد أية إمكانية لحدوث أزمة اقتصادية, وللقضاء على البطالة".

 

   وكان يجري التأكيد دائما على أن الحريات لا يمكن أن تمارس ضد النظام القائم. فالمادة 52 من دستور بولونيا لعام 1952 نصت على أن " التعسف في حرية المعتقد لأهداف معاكسة لمصالح الجمهورية البولونية يعاقب عليه قانونيا". فالحريات يجب أن تمارس ضمن الاتجاه المحدد في النظام الاجتماعي والسياسي.

 

   من العودة لدستور الاتحاد السوفيتي يمكن فهم نظام الحريات على أنها وظائف وليست حقوقا. فهي غير موجودة كحقوق في يد الأفراد إلا إذا كانت في خدمة تحقيق وتأكيد المجتمع الشيوعي. فالحرية في النظام الشيوعي هي إمكانية العمل لتقدم النظام الاجتماعي من اجل تحقيق المجتمع الشيوعي المستقبلي.

وعليه يرفض المفهوم السوفيتي كليا نظرية الحقوق الطبيعية الفردية.  وينتج عن ذلك أن هذه الحريات مقيدة وموجهة. وهي لا تحمل الاختيار بين السلوكيات المختلفة أو المفروضة. فالخيار دائما محدود بمواقف مطابقة للنظام.

 

      بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية لا نجد اليوم اختلافا كبيرا في بعض ما تطرحه الأحزاب الشيوعية عما كان سائدا في تلك الفترة, فيما يتعلق بمفهوم الحريات. ففي مقال منشور في صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي   l’Humanitéبتاريخ 31 مارس/آذار 2006 جاء أن ما يميز المجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض هي طريقة إنتاج السلع وتبادلها. فيما تتميز الرأسمالية بسلب العامل المجبر على بيع قوة عمله للحصول على معيشته ومعيشة عائلته. فمفهوم الحرية بناء إنساني وهو مختلف عند القديس توماس داكين Saint Tomas d’Aquin, عما هو عليه عند روبيسبيير Robespierre  . وغيرهم "...ويعود للحزب الشيوعي الفرنسي رسم الخطوط الرئيسية لما يجب أن تكون عليه الحرية المتجددة. التي تدمج في هذا المفهوم كل ما حمله النضال الطبقي والتحرر. فلا توجد حرية دون توفر سكن, دون مكان في المجتمع, دون حق التعبير والتصرف, دون الحق في الثقافة. الحرية المطلوب خلقها هي التي تقوم على تحقيق ثلاثية: الفرد,المواطن ,المجتمع . فالرأسمالية طورت قوى العمل لتجعل مجموعة من الرجال, الأفراد, التي تملكها تعرض للخطر معيشة الملايين من البشر في العالم اجمع".

 

    أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة القائم أصله في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تعلن أن من أهداف المنظمة الدولية " تطوير وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية". وكذلك في المادة 68 من الميثاق نفسه, التي كلفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتشكيل لجان " للمسائل الاقتصادية والاجتماعية ولتقدم حقوق الإنسان". وقد قدمت لجنة حقوق الإنسان المكلفة بذلك مشروعا تم التصويت عليه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 وتم قبوله بموافقة 40 عضوا وامتناع 8 عن التصويت ( الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية وافريقيا الجنوبية والمملكة العربية السعودية).

 

    وقد ضم الإعلان 4 مجموعات من الأحكام : في المجموعة الأولى أعلنت الحقوق الشخصية للفرد (حقه في الحياة. حقه في الحرية الشخصية وفي الأمن الشخصي). في المجموعة الثانية عرضت حقوق الفرد في مواجهة المجموعات collectivités  (حق الجنسية, حق اللجوء لكل شخص مضطهد ما عدا الأشخاص الملاحقين بجرائم القانون العام  crime de droit commun . حق حرية التنقل وحق الإقامة في الداخل أو الخارج. حق الملكية..). المجموعة الثالثة مخصصة للحريات العامة والحقوق السياسية. (حرية التفكير. حرية المعتقد. والحرية الدينية. حرية الرأي والتعبير. حق التجمع وإقامة الجمعيات. مبدأ الانتخاب, أي حق كل إنسان بان يشارك في الشؤون العامة). المجموعة الرابعة أكدت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ( حق العمل. حق تشكيل النقابات. الحق في الثقافة..). وليس هنا المجال للتوسع في مساهمات الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات.

 

    في 4 نوفمبر 1950 تم توقيع الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان من قبل الحكومات الأوروبية أعضاء المجلس الأوروبي. الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. تتصف هذه الاتفاقية بخاصتين أساسيتين. الأولى: أنها لا تعلن إلا الحريات الفردية التقليدية ( فلم تشير إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. التي ظهرت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المشار إليه أعلاه تحت تأثير الدول الاشتراكية بشكل خاص). الثانية: هي النص على تنظيم الضمان القانوني لهذه الحقوق.

 

   أما فيما يتعلق بالمسالة المعقدة والمتعلقة بالقيمة القانونية لإعلانات الحقوق التي اشرنا إلى بعضها, هناك نظريات قانونية متعددة ومتناقضة لا نستطيع التعرض لها في مقالة مخصصة لصحيفة. ونحيل الراغب في الإطلاع عليها,على المراجع القانونية المتخصصة. ونذكر له على سبيل المثال R. Chapus. De la valeur juridique des principes généraux du Droit et des autres règles jurisprudentielles du Droit administratif, Dalloz 1966.  و Reviro, les principes fondamentaux reconnus par les lois de la République, Dalloz, 1972. .

 

 ومن المفيد في رأينا الإشارة هنا إلى بعض ما نصت عليه دساتير بعض الدول الغربية, ودساتير بعض الدول العربية فيما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية. مكتفيين بذكر عدد منها ليتناسب مع حجم هذه المقال المحدود. ولا نعتقد إننا نضيف شيئا للقارئ فان هذه الحريات والحقوق معروفة له وان اختلف تصنيفها وعرضها.

 

ـ القانون الأساسي للجمهورية الفدرالية الألمانية  (23 /5/ 1949 ).

تحت عنوان الحقوق الأساسية جاء في المادة  1 : كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. السلطات العامة بأكملها مجبرة على احترامها وحمايتها. ـ الشعب الألماني يعترف للإنسان, بصفته هذه, بحقوق متعذر المساس بها, كأساس لكل مجتمع إنساني في السلم والعدالة في العالم.ـ الحقوق الأساسية المشار إليها لاحقا تلزم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالنظر إليها على أنها قوانين واجبة التطبيق مباشرة.

ونصت المادة الثانية على حرية التصرف والحرية الشخصية. وأعلنت المادة 2 المساواة أمام القانون فاعتبرت الفقرة الأولى أن الناس متساوون أمام القانون. الرجال والنساء سواسية أمام القانون. وعلى الدولة إلغاء كل المزايا الموجودة لصالح احد الجنسين مقابل الجنس الآخر, فلا يستطيع احد ادعاء التمايز على أساس الجنس, أو لأصوله, أو عرقه, أو لغته, أو وطنه, أو أصله, أو أرائه الدينية أو السياسية. (الفقرة 2 و3 من نفس المادة). وتفصل المادة الرابعة حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية والعبادات. حرية التعبير والنشر مصانة كتابية كانت أم شفهية أو بالتصوير, والوصول إلى المعلومات, وعدم إعاقة الوصول إلى المصادر التي يجب تكون متوفر للجميع. حرية الصحافة والإعلام, الإذاعة والتلفزيون والسينما, مضمونة (المادة 5 ). التعليم بمجموعه يوضع تحت رقابة الدولة (المادة 7). حرية التجمع (المادة 8 ). حرية إنشاء الجمعيات ( المادة 9 ).

 

ـ دستور الجمهورية الإيطالية (27/12/1947).

     الجزء الأول من الدستور يشمل, تحت عنوان حقوق وواجبات المواطنين, أربعة عنوانين. العنوان الأول مخصص للعلاقات المدينة. (المواد 13 لإلى 28 ). والثاني العلاقات العرقيةـ الاجتماعية ( المواد 29 إلى 34 ). والثالث العلاقات الاقتصادية (35 إلى 47 ). والرابع ا لعلاقات السياسية ( مادة 48 إلى 54 ).

 

ـ دستور الجمهورية الاسبانية ( 27/12/1978 ).

خصص الدستور الباب الثاني من العنوان الأول للحقوق والحريات فأعلنت المادة 14 المساواة بين الأسبان أمام القانون دون أي تمييز قائم على الولادة, والعرق. والجنس. والدين, والرأي, أو لأي سبب آخر أو ظروف شخصية أو اجتماعية. وعرض الفصل الأول من الباب المذكور الحقوق الأساسية والحريات العامة ( المادة 15 إلى 29 ). والفصل الثاني حقوق وواجبات المواطنين ( المادة 30 إلى 38 ). والباب 4 ضمانات الحريات والحقوق الأساسية ( المواد 53 إلى 54).

 

    والواقع انه في القرن الواحد والعشرين ومع تغير الظروف فان النضال من اجل الحريات باق وان تغيرت أساليبه وتغير جوهر العديد من الحريات نفسها. و حتى تدريسها في الجامعات الفرنسية, على سبيل المثال, لم يعد كما كان قبل 10 سنوات ( جاك روبير وجان ديفار. حقوق الإنسان والحريات الأساسية).

 

   وفي مجال التطبيق يجب أن يكون النضال من اجل الحريات والحقوق الأساسية مستمرا مهما كانت الدولة وأينما وجدت. وأن لا ننخدع بأنه بمجرد تطبيق الديمقراطية فان تلك الحريات والحقوق تكون مضمونة الممارسة وتتوفر على الحماية بشكل تلقائي وأكيد. ففي دولة كفرنسا وبعد كل ما اشرنا إليه أعلاه نرى رئيس جمهوريتها السابق فرنسوا متران يعلن ما يعتبره نفسه انتهاكا للحقوق والحريات في دولة من اكبر الدول الديمقراطية, كما تدعي على الأقل, يذكر في خطابه في 30 نوفمبر/تشرين ثاني 1990 بمناسبة الاحتفال بمرور 200 سنة على محكمة النقض: " هل أنا بحاجة للتذكير بأنه قبل 10 سنوات بأننا كنا البلد الوحيد في أوروبا الغربية الذي يطبق عقوبة الإعدام؟ البلد الديمقراطي الوحيد الذي يقيم محكمة استثناء مكونة في جزء منها من قضاة عسكريين يحاكمون مدنيين في وقت السلم لجرائم تتعلق بأمن الدولة وبإجراءات استثنائية دون ضمانات القانون العام؟ وكنا البلد الكبير الوحيد الموقع على الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الذي ينكر على مواطنيه التقدم بالدعاوى أمام اللجنة الأوربية  والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟.

و يضيف قائلا " في خلال سنوات عدنا وتداركنا هذا التأخر .. فألغيت عقوبة الإعدام التي كان يستنكرها رجال المحبة والمفكرين, وبذلك حققنا أمنية كانت عزيزة على قلوب كوندورسه Condorcet  و فيكتور هيجو Hugo . و جان جوراس J. Jaurès و كامو Camus. وألغينا المحاكم السياسية والعسكرية التي كان آباؤنا يستنكرونها. ورفع الحضر الذي كان يعيق المواطنين عن التقدم بدعواهم أمام المحاكم الأوربية في ستراسبورغ  Strasbourg  . . وقمنا بتحرير قانون جزائي جديد. وأقول دون خوف من أن يكذبني احد: انه منذ الثورة الفرنسية عام 1789 لم تعرف الحريات في المجال القضائي تقدما مماثلا كما تعرفه حاليا".

 

وأخيرا نرى  من المفيد الإشارة للحالة العربية, وما جاء  في دساتير بعض الدول العربية فيما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية.  

 

ـ  دستور جمهورية مصر العربية:

نص دستور جمهورية مصر العربية في الباب الثالث على : الحريات والحقوق والواجبات العامة. فجاء في المادة 40 على أن المواطنين " لدى القانون سواء". " وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة", واعتلت المادة 41 أن " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس, وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع, ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة, وذلك وفقا لأحكام القانون". وحرمت المادة 44 دخول المساكن وتفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون. ولحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون (المادة 45). حرية الرأي مكفولة (مادة 47). وأكدت المادة 48 على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الأعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة...أما الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية و لا المدنية عنها بالتقادم, وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع غليه الاعتداء. (المادة 57).  

 

 

ـ دستور المملكة المغربية.

جاء في دستور المملكة المغربية تحت عنوان أحكام عامة, المبادئ الأساسية. بان الدستور يضمن للمواطنين: ـ حرية التجول والاستقرار بجميع أرجاء المملكة. ـ حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع, ـ حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم, ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون ( الفصل التاسع).

لا يلقى القبض على احد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون. المنزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون. (الفصل 11).

 

ـ الدستور اللبناني.

أشار الدستور اللبناني في فصله الثاني تحت عنوان : في اللبنانيين وحقوقهم ووجباتهم إلى ما يلي:

المادة 7. كل اللبنانيين سواء أمام القانون. وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية, ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فوارق بينهم.

وأعلنت المادة 8 أن الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون, ولا يمكن أن يقبض على احد أو يحبس أو يوقف إلا وفقا لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون.

أما المادة 9 فقد أكدت على أن " حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأييدها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها, على أن لا يكون فيه إخلال في النظام العام. وهي تضمن أيضا للأهليين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.

كما أن حرية إبداء الرأي قولا وكتابة, وحرية الطباعة, وحرية الاجتماع, وحرية تأليف الجمعيات مكفولة ضمن دائرة القانون ( المادة 13 ).

 

      ولا نريد التطرق للدساتير العربية الأخرى, ولكن نسجل انه:

ـ من الثابت أن هذه الدول استوردت نصوصا جاهزة في الحرية والحقوق الأساسية من الدول الديمقراطية الغربية لتزين بها دساتيرها وتبقيها عنوانين ميتة وحبرا على ورق.

 

ـ ومن الثابت إنها استوردت أيضا من تلك الدول, ومن غيرها, وسائل وطرق قمع تلك الحريات والحقوق, وقمع واضطهاد كل المطالبين بها أو المشيرين إليها, وطبقتها إضافة للموجد عندها, بشكل واسع ويومي ومناف لكل القيم الإنسانية والأخلاق والأعراف المحلية والدولية, وتفننت في تطويرها وتعديلها لتتلاءم مع جسد المواطن العربي ونفسيته ومعنوياته, وكل تقارير منظمات حقوق الإنسان تشهد بهذا الإبداع.

 

ـ ولكن من غير الثابت معرفة أي الاستيرادين كان الأسبق. نصوص الحريات والحقوق الأساسية أم أدواة قمعها؟.

 

     ولا نجد أخيرا لوصف الحالة العربية اصدق مما جاء في إعلان حقوق الإنسان والمواطن بان كل مجتمع لا تكون فيه الحقوق مضمونة, وفصل السلطات محدد, لا يستطيع الادعاء بوجود دستور لديه.

 د. هايل نصر.

 

 

 

 

            

 

 

 

   

 

   

 

 

   

  

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات