في مفهوم الحداثة الإسلامية ؟
رغم مرور أكثر من قرنين منذ أن غزا بونابرت مصر سنة 1798م..‘ فان سؤال ‹‹ كيف نتقدم؟›› لا يزال يطرح بأشكال متعددة..؟ فمنذ تلك الغزوة بدأ المسلمون يفركون عيونهم بعد نوم عميق..! كان سببا في إخراجهم من حلبة التنافس الحضاري والثقافي لزمن طويل و أغرى بقية الأمم بالتطاول
و محاولة بسط الهيمنة عليهم .. وقد اختلفت المقاربات الفكرية وتنوعت في كيفية امتلاك منابع القوة والقدرة على الفعل وصنع أحداث التاريخ مرة أخرى كما كان أجدادنا يفعلون منذ انبلاج فجر الإسلام العظيم .! فالمسلمون كانوا :﴿ خير امة أخرجت للناس﴾ و قد امتلكوا ناصية الأمم لردح طويل من الزمن وقادوها بالنور الذي انزله الله على أمة الإسلام رحمة للبشرية كافة..! لقد أضحت قضية ما صار يعرف بـ"الحداثة " قضية محورية مزمنة في تاريخ المجتمع العربي الإسلامي الحديث، ولم تتوضح الحلول المقنعة لجميع الأطراف إلى حد الآن..؟؟
وفيما يلي سأحاول تقديم مقاربة لقضية "الحداثة الإسلامية"عساي أساهم ولو بلبنة في المضي قدما للحسم في هذه القضية الشائكة...! فماذا نقصد "بالحداثة "تحديدا ؟
ما نعنيه بالحداثة هو: ‹‹ ذلك الصراع المحتدم بين الأمم من أجل أن تكون أمة "هي الأقوى والأغنى والأربى من بقية الأمم".. وأن تمتلك تلك الأمة: "القدرة المبدعة على التغيير الذاتي والتطوير المستمر نحو الأفضل لجميع الهياكل المسيرة لدواليب مجتمعها و مؤسساته، ويحصل أهلها على الأمن من الإعتداءات، مطمئنة ..‘ و مستقرة لا يخاف أهلها ولا يضايقهم شيء..﴿ يأتيها رزقها رغدا من كل مكان﴾...!
وعلى النقيض من ذلك فان الأمة المتخلفة/غير الحداثية ..، هي تلك الأمة التي يعيش أفرادها الجوع والحرمان والفزع والهلع ويشتد ألمهم علي مر الزمان.. و تنتكس حالهم، كما يكثر التطاحن الإجتماعي والصراع الطبقي بين أفرادها!! و تزداد قابليتهم للتقليد و الإستعمار يوما بعد يوم ..!! فهل من سبيل لبناء "حداثة إسلامية" جديدة ؟
لقد احتاجت الشعوب التي استطاعت تشييد حضارة وقيادة الأمم في مرحلة زمنية معينة وتتوفر على معاني الحداثة التي حددناها آنفا إلى : ‹‹ فكرة إنسانية سامية›› تأخذ بالألباب وتبهر العقول وتثير العواطف الإنسانية وتحرك الحواس الناعسة...! فلقد حمل العرب المسلمون فكرة ‹‹إخراج الناس من الظلمات إلي النور››... ورفع الغرب شعار ‹‹ تخليص الإنسان من القصور الذي كبلته به الكنيسة بوصايتها عليه والدعوة إلى الحرية والأخوة والمساواة ››.. ووعد الإشتراكيون أتباعهم ب‹‹ إيجاد جنة أرضية للعمال المسحوقين››...!
وهكذا احتاجت هذه الحضارات الثلاث: (الإسلامية والغربية والاشتراكية)إلى : ‹‹ فكرة إنسانية سامية›› لتجلب إليها الأنصار وتضمهم إلي صفوفها وتجعلهم مستعدين للنضال والتضحية في سبيل إنزال هذه ‹‹الفكرة السامية›› إلي الواقع المعيش ليحيا في ظلها الناس، بل وكان أنصار هذه الفكرة يغزون أو يفتحون أو يستعمرون الأصقاع باسم هذه ‹‹ الفكرة الإنسانية السامية››... ولقد مثلت ‹‹ﺍلحداثة›› دائما قطيعة تامة و مفصلية بين عهدين، عهد الظلمات والمظالم والتخلف وعجز الإنسان عن الفعل الإيجابي والغيبوبة التاريخية، وبين عهد جديد يتحرر فيه هذا الإنسان من سلطة التراث والتبعية والتقليد الأعمى لهذا الطرف أو ذاك.. وامتلاك زمام النفس والمبادرة وكسر القيود و الأغلال ـ بمختلف تشكلاتها التي تكبله.... وتمنعه من التحاور مباشرة مع واقعه، واختيار أنجع الطرق والوسائل والتقنيات لتجاوز الموروث سواء أكان هذا الموروث ينتمي إلي حضارة الأجداد أو حضارات الأمم الأخرى، قديما كان أو حديثا..!؟
فالإنسان‹‹الحداثي›› هو ذاك الذي يمتلك القدرة الفائقة و المبدعة علي الإستفادة من الموروث الإنساني في جميع الميادين.. متحررا من كل ما يعيقه عن الإضافة والإبداع والتجاوز ومزيد بسط سلطته وهيمنته على الكون والحياة و الإستفادة من التسخير الإلاهي لكل ما في الكون.. والإرتقاء بأخيه الإنسان إلى السيادة المطلقة على كل شيء في هذا الكون الشاسع، حتى يتفرغ بعد ذلك لعبادة خالق الكون والحياة، فالإنسان سيد وحيد لهذا الكون والله رب وحيد للإنسان، فلا يخضعن هذا الإنسان لسلطة أخرى مهما كان مصدرها...! سوى لسلطة الله خالق الكون والحياة والإنسان...! وهو(الإنسان) في كدح متواصل حتى يلتقي بالملإ الأعلى.. وقد أفرغ جميع شحناته وطاقاته وقدراته في هذه الأرض التي قبل أن يكون سيدا عليها وعبدا لخالقها وحاملا لأمانة الله في الأرض:﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا﴾.
لقد ابتلي المسلمون قديما وحديثا بمن حول أحداث التاريخ وتجارب المسلمين السابقة و التي كانت وليدة ظروفهم الحضارية و العلمية و المعيشية.. إلي صنم / عائق معرفي يتعبدون في محرابه..!؟ مرددا قول العرب القدامى في مواجهتهم للإسلام
:﴿ ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين﴾ و﴿إنا وجدنا آبائنا علي امة وإنا على أثارهم مقتدون ﴾ متناسين إلتزامهم بتوحيد الله والخضوع لربوبيته بما يعني عدم خضوعهم إلاّ لأوامر الله ونواهيه و الإلتزام بثوابته و بصائره المفصلة تفصيلا بينا والسير على هدي القرآن العظيم لكونه يشتمل على المنهج الأزلي الذي عبده الله لعباده المتقين!؟ وقد حالت هذه المواقف المتخلفة بيننا وبين الحداثة الحق والتقدم السليم ورؤية ما يدور حولنا من أحداث متجددة ووقائع حياتية معاصرة تفرض علينا حلولا أخرى غير التي ارتآها أجدادنا في "ميدان المعاملات" لتغيرالظروف
و الملابسات ! وكل هذا يتطلب اجتهادا وإعمالا للعقل لاستنباط الحلول الملائمة للمشكلات المعيشية والحياتية و العلمية و الإنسانية و مختلف التحديات التي تواجهنا في حياتنا الدنيا..! وتعيق بلداننا عن النهوض والتقدم وتحقيق العزة والشهادة على بقية الأمم والشعوب بسبب ما نمتلكه من ثوابت إلاهية
و معايير ربانية واضحة لكل أنواع السلوك البشري السليم ..! تهبنا القدرة على معرفة السلوك القويم في مختلف دروب الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وغيرها...!
كما ابتلينا بمن اتخذ منجزات الغرب وحضارته صنما/عائقا معرفيا يعتقل عقلنا ويمنعنا من فهم متطلبات حياتنا وتحقيق سيادتنا على حاضرنا ومستقبلنا. وقد حال كل ذلك بيننا وبين الإعتماد على النفس لتحقيق إنجازاتنا الحضارية الخاصة بنا حتى نكون أهلا لقيادة مسيرة العالم من جديد...! إن ما نملكه من ثوابت إلاهية و بصائر عقلانية في جميع ميادين الحياة يعطينا الحق في قيادة الشعوب – إن نحن آمنا واستمسكنا بها- والتصدر لتوجيهها نحو الخير والفضيلة حتى نكمل رسالة من ابتعثه الله رحمة للناس كافة..! إن الإبداع الحضاري والإبتكار والتقدم مرهون إلي حد كبير بثقة الإنسان في صحة مبادئه واعتقاده في تفوقها على جميع المبادئ الأخرى – كما المحنا من قبل- ، وإن ما نتج عن الحضارة الغربية إلي حد الآن من تعميق للهوة بين الفقراء والأغنياء ومن احتجاجات عالمية عن ‹‹الكيل بمكيالين و اختلاف المعايير
و اضطرابها حد التناقض ›› وما نراه ونسمعه من تطاحن رهيب وتقاتل على الحكم والمسؤولية باسم الديمقراطية الغربية..! وعدم استقرار للمجتمعات الغربية نفسها، وانتشار للظلم والعنصرية والحروب المدمرة واستفراد أقلية بالثروات الكونية... كل ذلك يجعل من إقناع الأمة الإسلامية بصحة هذه المبادئ والقيم و المعايير الغربية أمرا متعذرا إن لم يكن مستحيلا لتعارضها مع فطرة الإنسان السوي، خاصة وهي الوارثة للقرآن العظيم/ الميزان الحق للسلوك الإنساني...‘ والذي لم يثبت إلي حد اليوم أنه يحتوي على آية واحدة من شأنها أن تعرقل التطور أو تقف في وجه الإبداع الحضاري و التقدم الاجتماعي و الإنساني في مختلف الميادين الحياتية، لأن هذه الآيات والبصائر لم تعالج مطلقا متغيرات الحياة البشرية وإنما نصت جميعها علي الثوابت والحقائق الأزلية التي فطر الله الكون والحياة عليها منذ خلقهما الله و التي تتطابق تطابقا كليا مع حقائق الكون والحياة والإنسان .. وهي معادلات و قوانين أزلية مطلقة .. تخترق الزمان والمكان... قد سطرت ﴿ الطريق المستقيم﴾ المعبدة التي تصلح لان يسلكها الإنسان السوي إذا ما أراد حياة إنسانية راقية لا تشوبها الشوائب .! ولقد تركت هذه الآيات/الثوابت حرية الإبداع والإجتهاد و التطبيق العملي في كل المتغيرات المعيشية النسبية التي يمكن أن تطرأ على حياة الإنسان بشرط استلهامه هذه الحقائق الأزلية في اجتهاداته المعيشية المختلفة و معاملاته اليومية و ليست "العبادية" : إذ العبادات كان قد وضحها رسولنا الأكرم صلى الله عليه و سلم و نحن ملزمون جميعا بان نصلي و نعبد ربنا كما كان صلى الله عليه و سلم يعبد ربه : ففي قضية العلم مثلا نجد النص القرآني لم يحدد مطلقا الوسائل والأساليب التي يمكن أن يتبعها الإنسان لتحصيل العلم واختراق الآفاق وتحقيق الاكتشافات لأنها متغيرة بتغير الزمان والمكان وبحسب اجتهاد الإنسان وحاجاته و تفاعلاته مع مجتمعه و حضارته ، لكنها أجمعت كلها على ضرورة طلب العلم وجعله مفتاحا لكل ما يفيد الإنسان في دينه ودنياه وهي حقيقة أزلية لا شك في ذلك، وفي السياسة نص القرآن على وجوب الشورى في جميع ما يهم شؤون المسلمين الخاصة والعامة وحث المسلمين على العدل واجتناب الهوى والحكم بما أنزل الله في كتابه العزيز وعدم التمييز بين الناس واعتماد المعايير الإلاهية في تقييم سلوك الإنسان ومختلف مكتسباته دون غيرها من المعايير البشرية النسبية المتحيزة بطبعها:﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون﴾(سورة المائدة الآية 8 )، و قد حرمت بصائر الله الأزلية الفساد في الأرض أو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق أو جعل ثروات البلاد - التي هي ملك لله في الأصل- دولة بين الأغنياء دون سائر خلق الله...‘ وقد دعا القرآن إلى اشتراك المسلمين جميعا في تحمل المسؤولية وتكوين: ﴿أمّة﴾ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتبع ما أوحى الله به إلى محمد صلى الله عليه وسلم / قدوة كل من أسلم وجهه لله رب العالمين، خلال مرحلتين: مرحلة الدعوة(المرحلة المكية) ومرحلة الدولة(المرحلة المدنية ).. وهكذا دواليك.... ودور الإنسان أن يعتمد هذه الثوابت والبصائر المعلنة لإستنباط المؤسسات الكفيلة بإنزالها إلي حيز الواقع المعيش حتى ينعم الناس - جميع الناس- برحمة الله ويأمنوا على حياتهم وأرزاقهم ومكتسباتهم ويمتلكوا القدرة علي الإضافة والإبداع ويواصلوا أداء رسالتهم في الحياة..! يقول الله عز وجل :﴿ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ﴾ (سورة الكهف الآية عدد 109 ) فما الذي أصابنا في العصر الحديث حتى صرنا عاجزين عن استنباط ما يلزمنا من حلول لإصلاح معيشتنا و الإرتقاء بها انطلاقا من آيات الله التي لا تنفذ معانيها أبدا .. وصرنا نتخبط خبطا عشواء معرضين عن نور الله!؟ لقد صارت شعوبنا الإسلامية تعيش ضنكا مؤلما في حياتها و قد تداعت علينا الأمم من كل حدب و صوب .. و نحن نقف عاجزين عن حماية شعوبنا و أنفسنا من المستنقع المظلم الذي انحدرنا فيه بسبب إعراضنا عن نور الله و"صراطه المستقيم" المعبد لجميع البشر منذ الأزل!؟
إن اقتحام أمتنا الإسلامية لعصر العولمة باقتدار وجدارة وامتياز، رهين لشروط وقرائن لأبد من استحضارها جميعا حتى نفوز بقصب السبق في جميع الميادين الحضارية وننقذ أنفسنا و أمتنا و العالم من حولنا :
إذ لابد من استعمال عقولنا وحواسنا نحن لمواجهة مشكلاتنا الحياتية، واستنباط ما يلائمنا من حلول لمختلف مشكلاتنا بما يتوافق مع مصلحتنا حاضرا ومستقبلا ‘ مستنيرين في ذلك بكتاب الله و بصائره، بدلا من استنساخ الحلول القادمة من وراء البحار وإسقاطها على شعوبنا المسلمة والكف عن استعارة عقول ‹‹الآخرين /الأعداء›› وطرق تفكيرهم ومناهجهم في بحث المشكلات العالقة... و أن نكف عن تقديس ماضينا الحضاري و تراثنا الإسلامي و عبادة الآباء و الأجداد و التحرر من عباءتهم و أن ننظر إلى هذا التراث بوصفه تجربة حضارية نسبية قد عبرت عن تفاعل آباءنا مع عصرهم و مجتمعهم ارتكازا على بصائر القرآن الأزلية لا غير. و من حقنا نحن في العصر الحديث أن نصنع تجربتنا الخاصة بنا ارتكازا على الثوابت القرآنية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها على عكس تراث الآباء والأجداد
و تجاربهم ،إذ بفضل هذا التراث و هيمنته علينا صرنا دراويش نحيى خارج إطار الزمان و المكان حتى صارت أعراضنا و خيراتنا نهبا لكل من هب و دب !!؟
لا بد من استحضار الواقع المعيش بكل تجلياته وتعقيداته.. ولا فائدة من ستر أمراضنا مهما كان الداء مستحكما بدعوى الحفاظ على أسرارنا وعيوبنا حتى لا يستغلها الأعداء !!؟ إن منطق التستر على الآفات التي تكدر صفو حياتنا السياسية والثقافية
و الاجتماعية والعلمية وغيرها قد زاد الطين بلة حتى صارت الجراثيم تصول وتجول وترتع حيثما شاءت وتعفن ما قدرت على اقتحامه من حياتنا حتى بدا لنا العلاج متعذرا لشدة ما فتكت بنا الأمراض وألحقته في نفوسنا من أذى وفي أجسادنا من جراح مثخنة...!؟ وكل هذا يتطلب وقفة حازمة صادقة خالية من العقد لنواجهه بصبر وثبات وننقذ حياتنا مهما تطلب ذلك من تضحيات...!
لا بد عند بحثنا لمجمل قضايانا أن نعود إلي ثوابتنا القيمية والحضارية و معاييرنا الإسلامية و موازيننا الربانية والتي يمكن اختزالها في آيات القرآن أساسا مستعينين في فك المستغلق من هذه الثوابت ـ إذا شئنا ـ بإنجازات كل الحضارات الإنسانية بدون استثناء دون إن يعيقنا ذلك عن المضي قدما في طريق بناء الحضارة الإسلامية الجديدة المتفوقة .. مستفيدين مما يمكن الإستفادة منه ودون الإرتهان لتلك الإنجازات قديمها وحديثها...!
إن أخذ كل هذه الشروط والإعتبارات لمواجهة كل مشكلاتنا الحياتية والحضارية و السياسية والمعيشية ، من شأنه أن يعيد لنا القدرة علي الفعل والتحفز أكثر على الإنجاز واختراق الأفاق و تحقيق العزة و الأمن وبلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا وتقدما حتى نكون أهلا لقيادة مسيرة البشرية من جديد.
مقال مقتبس من كتابي : نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه + مشروع بناء حضارة بديلة ، الصادر بتونس عام 2009
بقلم : محمد بن سالم بن عمر - كاتب و ناقد تونسي
mohamhamedsalembenamor21@yahoo.fr
التعليقات (0)