في معركة ستالينجراد, ولا خطوة للوراء

على أرض الواقع, تعتبر معارك الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية أكبر عملية عسكرية جرت أحداثها خلال الحرب حيث إشترك فيها حوالي ثلاثة ملايين ونصف جندي ألماني بما يعادل 80% من مجموع القوات الألمانية. إن معركة ستالينجراد كانت الأهم من بين معارك الجبهة الشرقية فقد تسببت في إبادة جيش ألماني كامل وهو الجيش الميداني السادس بقيادة المارشال فريدريش باولس وحوصر مائتان وستون ألف جندي ألماني في المدينة قبل الإستسلام النهائي ورفع الراية البيضاء بتاريخ 31\يناير\1943 حيث أسر منهم مائة وسبعة ألاف جندي. إن إجمالي خسائر القوات النازية في معارك الجبهة الشرقية خصوصا ستالينغراد فاقت خسائر ألمانيا في جميع معاركها على الجبهة الغربية وفي أفريقيا. من بين 70 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية فإن 30 مليون قتيل سقطوا في الجبهة الشرقية أغلبهم مدنيون منهم 2 مليون في ستالينغراد بين مدني وعسكري.

وكما أن معارك الجبهة الشرقية خصوصا معركتي ستالينجراد وكورسك كانت من المعارك الفاصلة في تاريخ الحرب العالمية الثانية, معركة كورسك تعتبر أكبر معركة تم فيها إستخدام الدبابات والدروع حتى يومنا هذا, فإن كتب التاريخ خصوصا التي يتم اعتمادها كمناهج دراسية وجامعية تتحدث عن إنزال النورماندي كأهم معركة في تاريخ الحرب العالمية الثانية وأنها المعركة التي غيرت مسار الحرب وتلك كانت مغالطة تاريخية من الواجب تصحيحها. إن أحد أهم الأسباب التي دفعت قيادة قوات الحلفاء لاعتماد خطة الإنزال في النورماندي هي الانتصارات التي حققتها قوات الجيش الأحمر في معارك الجبهة الشرقية فقد أصبحت على أبواب أوروبا مما أثار الفزع داخل القيادة العسكرية لقوات الحلفاء التي وضعت خطة الإنزال في النورماندي موضع التنفيذ.

وخلال معركة ستالينجراد, فقد تم تقديم التضحيات من المدنيين والعسكريين السوفيات على حد سواء. فقد تم تنظيم المدنيين في فرق إخلاء وإسعاف الجرحى ودفن القتلى بينما كانت هناك فرق أخرى مهمتها تأمين إطعام الجنود وإيصال الإمدادات لهم على خطوط الجبهة المختلفة داخل المدينة وخارجها. الخيار الوحيد للمدنيين والعسكريين السوفيات على حد سواء كانت القتال حتى الموت فأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة السوفياتية جوزيف ستالين كانت واضحة:"ولا خطوة للوراء," وعقوبة مخالفة أوامر القائد العام أو الفرار من القتال كانت الإعدام. وأما أسرى الجيش الأحمر ممن يتم إخلاء سبيلهم من قبل القوات الألمانية في إطار صفقات لتبادل الأسرى أو يتمكنون من الفرار والعودة إلى خطوط القتال السوفياتية مما يعرضهم لمحاكمة عسكرية عقوبتها الإعدام أو الحكم بالعمل في معسكرات الغولاغ في الصحراء السيبيرية المتجمدة.

إن البداية كانت في كييف وكيرسك وستالينغراد والنهاية كانت في العاصمة الألمانية برلين. التضحيات التي قدمها المواطنون السوفيات وقوات الجيش الأحمر أنتجت لنا أساطير خلدها التاريخ إلى يومنا هذا: فمن أسطورة القناص فاسيلي زايتسيف وليس إنتهاء بمنزل بافلوف الذي قاوم المدافعون عنه شهرين كاملين القوات النازية مرورا بالنساء القناصات حيث اشتركت النساء إلى جانب الرجال في معارك ستالينجراد والجبهة الشرقية بشكل عام فعملن ليس فقط كممرضات أو في مجال توفير الطعام للجنود بل في أطقم دبابات ومقاتلات وقناصات. إن تأثيرات الإنتصارات الذي حققها الجيش الأحمر في معارك الجبهة الشرقية على وجه العموم ومعركة ستالينجراد على وجه الخصوص قد تجاوزت بتأثيراتها حدود الزمان والمكان في الإتحاد السوفياتي لتمتد على رقعة جغرافية تعادل أوروبا والشرق الأوسط والعالم بأكمله. فلولا تضحيات الجيش الأحمر ومواطني الإتحاد السوفياتي لسيطرة القوات النازية على أراضي القارة الأوروبية بأكملها ولسقطت بريطانيا حيث كان هتلر يخطط للزحف على الوطن العربي عن طريق مصر بهدف السيطرة على قناة السويس وقطع المضيق البحري الأهم بالنسبة لبريطانيا لأنه الطريق الى الهند, درة التاج البريطاني. كما أن هتلر كان يخطط لمهاجمة مدن أمريكية مهمة كمدينة نيويورك بواسطة صواريخ (V2) محمولة على الغواصات. الأطماع النازية لم يكن لها حدود فهي كانت ترغب بالسيطرة على الكرة الأرضية بأكملها حتى أن النظام النازي كان يعمل وبجهود حثيثة على تطوير القنبلة الذرية وهو لم يكن ليتردد في إستخدامها ضد أي من دول الحلفاء أو أي دولة أخرى لا تخضع لرغباته وأطماعه التوسعية.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة

https://science-culture-knowledge.blogspot.com/2019/06/blog-post_60.html

الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة

النهاية