في قلب مقولات ما يسمي هيئة علماء السودان . .
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة يوم الخميس 17/12/2009
أصدرت هيئة علماء السودان في الاسبوع الفائت بياناً أوضحت فيه عدم شرعية المظاهرة التي دعت إليها أحزاب المعارضة وبعض شركاء الحكم في السودان.
وكان الهدف من المسيرة السلمية تسليم مذكرة لأعضاءالبرلمان المعيَن ! وحثهم علي الإسراع في تعديل القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي لسنة 2005 تهيئةً لخلق مناخ صحي يتنافس فيه الجميع بحرية في الانتخابات العامة المزمع عقدها في أبريل (نيسان) القادم.
والغريب في الأمر أنني لم أنزعج عندي قرءاتي للبيان ؛ ذلك أن بعض العلماء يصيرون لقمةً سائقة للحكام في عصور الانحطاط والاستبداد.
وهو موقف قديم متجدد بإختلاف العصور ؛ بدأ منذ إنتهاء عهد الخلافة الراشدة إلي ملكٍ يتوارثه البنين لا المؤهلين، وتحرسه الجيوش لا الشرعية ، وفوق ذلك كله يؤصل له بعض المتمسحين بدهان العلم والدين.
وقد أفتي بعض العلماء في العهد العثماني للخليفة بقتل أخيه الذي ينافسه في الحكم ، بحجة أن بقائه علي قيد الحياة فتنة والفتنة أشد من القتل!!.
إننا لسنا بحاجة إلي تفكيك هذا البيان من منطلق تأصيلي لكوننا نعلم أن الإسلام لا علاقة له بهذه الدعاوي الانتقائية المسيسة.
ولكننا بحاجة إلي مناقشة الأمر من منطلق من يحق له التحدث بإسم الإسلام ، ذلك أن الهيئة لا تعدواعن كونها ممثلاً شرعياً لشريحة ضيقة من السودانيين.
ومن زاويا أخري فإن قضايا السياسة والحكم تقع في دائرة الإجتهاد التي مهما بلغ صواب المجتهد ؛ لا يمكن أن يعطي رأيه قدسية الوحي.
ولهذا نري أن الهيئة أخطأت خطأً فادحاً عندما قالت " لا يجوز لمسلم أن يخرج في مظاهرات ينظمها أعداء الإسلام"
إن الهيئة بهذا الحديث إنما تنصب نفسها بمنصب القدسية التي لا تكون إلا لقطعيات الوحي ، في حين أن لديها خيارات أخري كان من الممكن أن تكون أقل فداحةً مما ذهبت إليه ببيانها.
ثم إذا كانت الهيئة تري أن مظاهرة الإثنين قد تؤدي إلي فتنة ؛ وأن بيانها ياتي في إطار الحرص علي الممتلكات وأرواح المواطنين، أليس الأجدر بها أن توجه هذا البيان إلي الحكومة ؟
أليس الأحري بالهيئة أن توجه بياناً للذين يقودون العربات المدرعة ، ويضربون بالرصاصات المطاطية ، و يقذفون بالقنابل المسيلة للدموع ، والمعطلة للأعصاب بالسماح للمسيرة أن تمر إلي البرلمان؟!
ثم ما موقف الهيئة من الوسائل غير الإنسانية التي تستخدمها الأجهزة الأمنية في قمع المتظاهرين؟ أليس حفظ أرواح المتظاهرين من المقاصد الخمسة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية والتي من بينها حفظ النفس؟
ونضيف إلي هذه الأسئلة تسأولاً آخر للأستاذ فيصل عبد الرحمن عن مدي حرمة البمبان وإستخدام العصا الكهربائية؟
وإذا كان الإمام الصادق المهدي قد دعا إلي تحقيق حول إستخدام الغاذ المسَيل للدموع ؛ فإننا نتضامن مع أستاذ فيصل في الدعوة إلي تحريم إستخدام الغاذ المسَيل للدموع بصورة فقهية ، ولنري هل توافقنا الهيئة في هذا أم لا؟
إن الهيئة بهذا البيان تؤكد لنا أمرين :
الأول : أنها كشفت عن نفسها القناع بأنها تمثل ذراعاً سياسياً للنظام ، وأن مهمتها ليس حرس مشارع الحق والدفاع عنه فقهياً ؛ وإنما تأصيل أفعال النظام المحمودة والمذمومة ، وإيجاد مبررات فقهية لها تسند وجهة نظر الحزب الحاكم.
الثاني : أن الهيئة أصابتها ظاهرة العمي الأخلاقي التي تحدث عنها د/ التجاني عبد القادر عندما صَور موقف الغربيين إزاء حقوق الإنسان ، فهم مع حقوق الإنسان إلا إذا كانت المنتهكة لحقوق الإنسان إسرائيل!.
لقد شاهدت الحلقة التي أقامتها قناة طيبة الفضائية عن هذا الموضوع ، وقد ذكر فيها الشيخان جلال الدين مراد ، وسعد أحمد سعد - وهم أعضاء في الهيئة - كلاماً نسأل الله تعالي أن يسامحهم عليه.
قيل لهم : لماذا لا توجهون نصائحكم للحكام ؟ قالوا : ننصحهم ولكن ليس في وسائل الإعلام!.
قلنا إذاً لماذا تنشرون نصائحكم للمعارضة في وسائل الإعلام ؟ لماذا لا تذهبوا إلي قادة المعارضة وتوجهوا لهم نصائحكم دون نشرها كما فعلتم مع الحكومة؟
أهي إزدواجية المعايير التي يمارسها النظام الدولي الجديد الذي ما برحتم تنتقدوه علي هذا الإسلوب؟!.
قالوا : إننا ببياننا هذا ننبه المواطنيين إلي الإبتعاد عن الأحزاب الفاسدة .
قلنا : حسناً فما الذي يمنعكم من تنبيه المواطنيين إلي الإبتعاد عن الحزب الحاكم ؟ أليس المؤتمر الوطني من الأحزاب الفاسدة سياسياً بإستخدامه للرشاوي وشراء الذمم! ؟ والفاسدة إقتصادياً أيضاً بشهادة المراجع العام عن حكومته التي يشكل فيها أغلبية؟
قالوا : لكن هناك مؤامرة من أعداء الإسلام ! لديها مصلحة في إحداث فتنة في البلاد ، وقد إختاروا لها نفس اليوم - الإثنين - الذي نكَلوا فيه بالمسلمين!.
قلنا : هل لديكم قرائن علي هذا الكلام ، فالمسلم مطالب بالدليل ليثبت صحة ما يقول قال تعالي ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وحقائق الوحي ما برحت تؤكد : ( إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ).
قالوا في سياقٍ آخر : الأحزاب ليس لديها جماهير ؛ ولذلك تريد أن تهرب من الإنتخابات خوفاً من السقوط وهذا هو سبب المظاهرة.
قلنا: إذا كانت الأحزاب ليس لديها قواعد ؛ فما معني السيارات المفخخة ، وما جدوي القنابل المسَيلة للدموع! .
أليس هو الخوف من الشلالات المتدفقة من كوادر الأحزاب وليس جماهير الأحزاب؟
وفي إتجاهٍ أخر قال الأمين العام للهيئة محمد عثمان صالح لسودانيز أون لاين : ( إنهم يتشرفون بالدعوة لكل من يعمل لصالح الإسلام والمسلمين وإصلاح حال البلاد ولا بأس من مساندة أهل الحكم الراشد إذا كانوا علي صواب).
قلنا : وهل أهل الإنقاذ هم أهل الحكم الراشد ؟ وهل من يسبَح ويذبَح يعمل لصالح الإسلام؟ومن يأخذ الفوائد المركبة في البنوك المسماة إسلامية بواقع أكثر من 10% ؛ هل يعمل لصالح المسلمين؟ في حين أن البنوك الإسرائيلية تأخذ من القروض فائدة أقل من 3%.
بل إن إسرائيل تسمح بخروج المسيرات دون إذناً مسبقاً من الأجهزة الأمنية، وهي لا تسعي لتطبيق شرع الله مع أن من يدعَون ذلك يستخدمون من وسائل القمع ما ينافي الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، ما لكم كيف تحكمون!.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، ولذلك فضَلهم الله تعالي علي سائر خلقه ، قال صلي الله عليه وسلم (إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتي الحيتان في الماء ، وفضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر الكواكب).
وذكر بن الجوزي في" صفة الصفوة "عن الفضيل بن عياض . قال : سئل بن المبارك من الناس؟ قال : العلماء .
قال : فمن الملوك ؟ قال الزهَاد . قال : فمن السفلة . قال : الذي يأكل بدينه.
إن في هذا لتبصرةً وذكري لمن كان له قلبٌ أو ألقي السمع وهو شهيد ، وقد كان العلماء الأجلاء في السابق يحرصون ألا تعميهم غشاوة السلطان عن قول الحق .
قال وهب بن منبه لعطاء : ( كان العلماء قبلكم قد إستغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إلي أهل الدنيا ، ولا إلي ما في أيديهم . فكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبةً في علمهم.
فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبةً في الدنيا . فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوه من سوء موضعة عندهم. فإياك يا عطاء وأبواب السلاطين ؛ فإن في أبوابهم فتناً كمبارك الإبل لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله).
إننا بعد هذا التوضيح نوجه الدعوة لهيئة علماء السودان إلي قراءة إتفاقية نيفاشا ، ومشروع الدستور الإنتقالي المجاز في عام 2005.نقول ذلك لأن لغة البيان تشير إلي عدم علم هؤلاء العلماء بمحتويات بنود الإتفاقية والدستور.
ولكن إذا فرضنا أنهم علي علمٍ بهما ، فالأفضل لهؤلاء الأعلام الأجلاء أن يوجهوا نقدهم للدستور وللإتفاقية لأنهما أعطيا الحق لأعداء الإسلام - وفق تعبيرهم – أن يدخلوا البرلمان ؛ وأن يكون لهم الحق في مناقشة وإجازة القوانين ؛ وأن يكون قائدهم هو ولي أمر المسلمين في حين غياب الجنرال البشير.
إن الهيئة إن كان لها رأي فعليها أن تطعن في الفيل لا في ضله!.
التعليقات (0)