في قصور الخلفاء ، صورة أخرى... طاوس واعظا ..
1- كان تأثير الوعاظ على الخلفاء ضعيفا لأنهم لم ينجحوا في حملهم على إتباع نصائحهم ، ولا يمكن أن نعتبر الوعاظ جلساء ملازمين لهم لأنهم لم يرغبوا في ذلك لزهدهم في حياة القصور واستنكارهم لما يجري داخل جدرانها ، وكانت مكانتهم الدينية حصانة تحميهم من بطش أصحاب السلطان .
وقد قال طاوس لسليمان بن عبد الملك ذات يوم :
هل تدري يا أمير المؤمنين من اشد الناس عذابا يوم القيامة ؟
قال سليمان : قل .
فقال طاوس : اشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه فجار في حكمه ، فاستلقى سليمان على سريره وهو يبكي ، فما زال يبكي حتى قام عنه جلساؤه .
2- وكان هشام بن عبد الملك يقرب احد نساك الشام إليه ويطلب موعظته ، كما كان يبحث عن واعظ يرافقه في طريق الحج ، ولما احضر طاوس ودخل عليه ، خلع نعله بإزاء بساطه ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ، ولم يكنه وجلس قربه ، ولما سأله عما فعل ، أحسن الإجابة ولما طلب هشام موعظته قال طاوس :
سمعت من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( أن في جهنم حيات كالتلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ) ثم قام وهرب .
3- وكان عمرو بن عبيد يدخل على أبي جعفر المنصور ويعظه ، وكان مثالا لزهد الوعاظ في عطايا السلطان ، وكان صديقه وصاحبه قبل الخلافة ، فدخل عليه فقربه وأجلسه ثم قال له :
عظني .
فوعظه بموعظة منها : إن الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك ، فأحذرك ليلة تمخض بيوم لا ليلة بعده ) فلما أراد النهوض قال أبي جعفر المنصور :
قد أمرنا لك بعشرة الالف درهم .
قال عمرو : لا حاجة لي فيها .
قال : والله تأخذها
قال : والله لا أخذها .
وكان المهدي ولد المنصور حاضرا فقال :
يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت ؟
فالتفت عمرو الى المنصور وقال : من هذا الفتى ؟
قال المنصور : هذا المهدي ولدي وولي عهدي .
فقال عمرو :أما لقد ألبسته ما هو لباس الأبرار وسميته باسم ما استحقه ومهدت له أمرا أمتع ما يكون به اشغل ما يكون عنه . ثم التفت عمرو الى المهدي وقال :
نعم ابن أخي إذا حلف أبوك أحنثه عمك لان أباك أقوى على الكفارات من عمك .
فقال له المنصور : هل من حاجة .
قال عمرو : لا تبعث إلي حتى آتيك .
قتال : إذا لا تلقني
قال هي حاجتي ومضى .. فاتبعه المنصور طرفه وقال شعرا :
كلكلم يمشي رويدا ................... كلكلم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
من كتاب المسامرة
التعليقات (0)