في فضل سور وآيات من القرآن الكريم
(حلقة 1)
"بسم الله الرحمن الرحيم"
مصعب المشرّف:
غرة رمضان 1435هـ
"بسم الله الرحمن الرحيم" هي آية من آي الذكر الحكيم وردت على رأي بعض العلماء مرة واحدة عند قوله عز وجل في مُحكَم تنزيله:(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) 30 النمل.
وهناك من العلماء من يقرنها كآية من آيات سورة الفاتحة . وترقمها معظم المصاحف على إعتبار أنها الآية رقم (1) من سورة الفاتحة.... ويستدلون على ذلك بأن سورة الفاتحة إنما تشتمل على سبع آيات وهي المقصودة بـ "السبع المثانى"...... وذلك عن أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال:"الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثانى والقرآن العظيم ، وهي أم لكتاب ، وفاتحة الكتاب".
وتحمل آية "بسم الله الرحمن الرحيم" من الفضل والبركة الكثير العميم . وتأتي للمسلم الذي يرددها بثمرات لا تعد ولا تحصى وفق ما بينه أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ، وتتبعها العلماء الأجلاء بالشرح والتفصيل بما لا يخفى على أحد ....
وعن إبن عباس ، أن ذي النورين عثمان رضي الله عنهم أجمعين؛ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال: (هو إسم من أسماء الله ، وما بينه وبين إسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضهما من القرب).
وقد روي عن بُرَيْدَةَ عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري وهي "بسم الله الرحمن الرحيم"].
وفي بعض اقوال السلف الصالح نورد قول إبن مسعود رضي الله عنه :(من اراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم". فيجعل الله منها جُـنّـةً من كل كل واحد ).
ويعتبر قول إبن مسعود أعلاه إجتهاد من الصحابي الجليل . ويجدر بالذكر أن عدد حروف آية "بسم الله الرحمن الرحيم" هو 19 حرفاً... والله أعلم.
وعن أسامة بن عمير عن أبيه رضي الله عنهما قال: (كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعثر بالنبي . فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته. فإذا قلت : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ تصاغر حتى يصير مثل الذباب.
ويستحب قول بسم الله في أول كل شيئ . ويقولون : "كل أمر لايبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم.
ويأجذم هنا بمعنى "ناقص".
ومنهم من قال بوجوب قول بسم الله مُطلقاً في أول كل شيء .. وذلك لقول أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا وضوء لمن لم يذكر إسم الله عليه ] حديث حسن.
ويستحب قول بسم الله عند الأكل . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيبه عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما [قل بسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ].
والشاهد أنه (يستحب) عند الجمهور ؛ ويجب عند (البعض) من العلماء إفتتاح كل شيء من كلام وحركة وجلسة ، وقيام وقعود وفعل بقول "بسم الله" أو "بسم الله الرحمن الرحيم".
وهناك من يقول بأن قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" 786 مرًة دفعة واحدة يوميا تجلب الرزق ..... ولا نمضي هنا قبل أن نوضح أن الرزق المقصود دائماً إنما هو الرزق بمعناه الواسع .. فالصحة والعافية والستر رزق .. والزوجة الصالحة والزوج الصالح رزق .. وبر الأبناء والأحفاد رزق .. وهكذا.
والرزق بمعناه الواسع إذن ليس مقتصراً على المال من ورق وذهب وفضة كما قد يتبادر إلى ذهن البعض .. ويصدق ذلك القول المأثور "إن الله يرزق الدودة في الحجر" ....
وواقع الأمر فإن رزق المخلوق يكون مكتوباً في السماء قبل مولده ويتنزل على صاحبة على النحو الذي يمن عليه به مسبب الأسباب ... . وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله (وفي السماء رزقكم وما توعدون). 22 الذرايات.
ولكن وكما يقال ؛ فإن المخلوق (يسعى) لرزقه . فيعمل ويكد ويجتهد ويأخذ بالأسباب كي يسهل الله عليه تحصيل هذا الرزق ؛ فلا يشقى لتحصيله شقاءاً لا يحسده عليه أحد.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :
هل يعتبر المال الحرام مثلاً رزقاً؟
واقع الأمر أن الرزق إنما المقصود به هو كل حلال يحصل عليه الإنسان من رب الأسباب وخالقها ... وكل ما جاء من حرام فلا مكان له في خانة رزق الله ... لأن الله عز وجل لا يرزق أحداً حرام ....
وربما أدرك الإنسان هذه الحقيقة ، فنرى حتى المجرمين واللصوص وسارقي المال العام حين يؤنبهم ضميرهم لبضع ثواني ما بين حين وآخر يتعللون بقولهم : "الشيطان شاطر" ... والشيطان منهم بريء .. فهو عديم الحيلة وأضعف ما يكون في مواجهة عباد الله المخلصين... وبالتالي فإنهم هم الذين فتحوا للشيطان المنافذ ، وألأبواب على مصراعيها.
وفي كتاب الله الكريم ؛ وردت "بسم الله" كذلك في قوله عز وجل: "وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" 41 هود.
وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: (البسملة تيجان السور).... فأخذ البعض من قوله هذا أن البسملة ليست بآية من سورة الفاتحة ولا غيرها من السور . وبذلك أخذ الإمام مالك.
وهناك رأي ثاني أخذ بأن البسملة آية من كل سورة . ولكن هذا الرأي غير راجح لدى الجمهور.
والراي الثالث أخذ بأن البسملة آية من سورة الفاتحة ، وترد قولاً في سائر السور .. وأبرز من أخذ بهذا الرأي هو الإمام الشافعي . وقد احتج في ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرءوا "بسم الله الرحمن الرحيم" إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم أحد أياتها] . وهذا الحديث مرفوع رفعه عبد الحميد بن جعفر . ورواته ثقاة . وقد وثقه الإمام أحمد بن حنبل.
المراجع:
1) تفسير الطبري.
2) تفسير إبن كثير.
التعليقات (0)