أرجو من السادة القراء التمعن في هذه المقالة التي لا تستهدف التشهير بأحد أو الاعتداء على عواطف الآخرين, ولكن الكاتب يريد أن يلقى الضوء في نظرة سريعة على موضوع الاعمار الماضي,ويفصح عن بعض من تجربة شخصية تمت معايشتها في مراحل اعمار سابقه.
عاشت غزة في منتصف تسعينيات القرن الماضي فترة اعمار استمرت عدة سنوات,وقد شارك فيها القطاع الخاص بأمواله, والقطاع العام بأموال حصل عليها الشعب الفلسطيني من الدول المانحة, والتي تم تدمير معظمها في نفس الفترة على أيدي الجيش الاسرائيلى.
ولا يعرف بالضبط المبالغ التي حصل عليها الشعب الفلسطيني لهذا الغرض,ولكن المبلغ يحوم حول ال 20 مليار دولار في مدة 10 سنوات. وقد استفادت من هذه المبالغ صناعة البناء, خاصة قطاعات البنية التحتية بشتى أقسامها,حيث تم التركيز على بناء الوزارات وتحسين قطاع البنية التحتية مثل الطرق,والمدارس, ورياض الأطفال والمستشفيات, وشبكات المياه, والعديد من المنشآت الأخرى, مثل إنشاء المطار,والمطاحن..وغيرها, وقد تزامن هذا الاعمار, مع تنفيذ برامج تدريب متنوعة, وبناء المؤسسات,والكوادر الحكومية , وكوادر القطاع الخاص ,والمنظمات غير الحكومية.
وقد شاركت العديد من المؤسسات الدولية, والاقليميه والمحلية في الاعمار,وهذا أمر جميل وطبيعي ,لكن ما كان يلفت الانتباه إبان تلك الفترة,هو التكلفة المادية لهذه المشاريع, ومن هو المستفيد آنذاك من كل هذه الكعكة التي تبرعت بها أيادي الصالحين, فعلى سبيل المثال لا الحصر أشرفت مؤسسة دولية محترمة مقيمة في قطاع غزة,على مجموعة مهمة من مشاريع البنية التحتية, ومشاريع تدريب الكفاءات البشرية مقابل مبالغ ماليه خيالية, فقد كانت تستقطع من قيمه كل مشروع تحصل علية 35% بدل خدمات, وقدرت أرباح المقاول من نفس المشروع بحوالي 30%,كما قدرت نسبة الهدر بطرق مختلفة بحوالي 10%, وما تبقى من نسبة المشروع قدر بحوالي 25% هي القيمة الفعلية للمشروع المنفذ على الأرض.وهذا أمر جنوني لا يمكن لعاقل أن يقبله ان تذهب غالبية الاموال المخصصة لاعادة الاعمار والتي تبرعت بها جهات دولية ومانحين لجيوب لمؤسسات دولية تسحوذ عليها على حساب المتضررين.
وفى سياق تدريب الكفاءات,والاستعانة بالخبرات من الخارج ,فقد استنزف هذا القطاع أموالا هائلة , من خلال مرتبات خيالية تقاضاها الخبراء الدوليين, لم يحصلوا عليها في بلدانهم ,ولم يحلموا بها يوما.
وعند التحضير لمرحلة إعادة اعمار قادمة , ربما خلال الأسابيع, أو الأشهر القادمة,يجب الاستفادة من الخبرات المحلية, فهي تكفى دون شك لإعادة الاعمار, ويقترح الكاتب أن تناط إعادة الاعمار بالشخص المتضرر نفسه , أي يتم تعويض الشخص المتضرر عن قيمة الضرر الذي الم به, ويشرف هو على أعادة البناء أو على الصيانة أو غيرها, مما سوف يتيح الفرصة للمقاولين الصغار من دخول سوق العمل,وتترك المشروعات الإستراتيجية للشركات المتخصصة على أن يتم تسعير وحدات البناء حسب الأسعار المحلية, وهذا ما سوف تقبل به الشركات الدولية والإقليمية نظرا للركود الاقتصادي العميق فئ السوق الدولية.
أما فيما يتعلق بالتدريب, وتطوير الكفاءات المحلية, فالخبرات المحلية نفسها لديها القدرة على عمل تدريب جاد تستفيد منة الفئات الشابة, وما يتطلبه سوق العمل,والقطاعات المتنوعة الأخرى.
وما شد الانتباه خلال فترة الاعمار التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي, أن هناك فئة عالمية متخصصة في التحايل والالتفاف بشتى الطرق والوسائل الشيطانية للوصول إلى أموال إعادة الاعمار ووضعها في جيوبهم.
د.كامل خالد الشامي
أستاذ جامعي وكاتب مقيم في قطاع غزة
shamikamil@yahoo.com
مواضيع اليوم
التعليقات (0)