لكي تحقق شعبية وتاييد، عليك ان تحقق مكاسب سياسية، ولكي تحقق مكاسب سياسية، عليك ان تحقق مكاسب ميدانية، ولكن بعض المكاسب الميدانية تقتضي الخروج عن المبادئ او القيم او الدين، فكيف يمكنك الجمع بين كل هذه الاشياء معا؟ وخصوصا الخروج عن الدين، وانت من اتيت الامة بعباءة الدين؟
قد يبدو الامر صعبا من الوهلة الاولى، ولكن لو ايقنا ان لكل شيء حلا، سوف نعرف ان مشكلة الخروج عن الدين، يمكن حلها بسهولة، وذلك بتزوير الحقائق، خصوصا ان المكاسب والانجازات العظيمة التي تحققت وسوف تتحقق يمكنها ان تنسي الناس هذه المسالة، خصوصا ان الشخص العادي مبعد عن التفقه في هذه الامور لقصوره واعتماده الكامل على ما يقوله له الفقهاء.
قبل ان يتهجم علي المتفلسفون، كما يحدث دائما، احب ان اوضح انني هنا لست في صدد الحديث عن الدور الكبير الذي لعبته ومازالت تلعبه العمليات الانتحارية، والانجازات العظيمة التي تحققت و تتحقق بواسطتها. فهذا ما لا يستطيع ان ينكره انسان. ولكني هنا في صدد كشف الكذب والخداع والتضليل الذي يمارسه رجال الدين، في اعطاء الشرعية الدينية لهذه العمليات.
لقد خدع هؤلاء العلماء المسلمين، واوهموهم بان الذي يقوم بتفخيخ نفسه وتفجيرها في العدو شهيد. واول من اخترع هذه البدعة هم المسلمون الشيعة، فكانت البداية في لبنان، فكان اول انتحاري استطاعت هذه الجماعات تجنيده هو احمد قصير، ففي الحادي عشر من اكتوبر عام 1982، استطاع احمد قصير ان يدخل بسيارته المفخخة الى مقر قيادة الجيش الاسرائيلي في صور واستطاع ان يقتل عشرات من الضباط والجنود الاسرائيليين وعشرات من الاسرى الفلسطينيين واللبنانيين في المبنى، لقد كان للعملية اثرا كبيرا جدا على الاسرائيليين، فلقد تفاجأوا بها لانها لم تكن تكن متوقعة، وهذا هو شأن اي تكتيك جديد.
بعد النجاح الواسع الذي حققته العمليات الانتحارية في لبنان، ونتائجها المذهلة التي اجبرت القوات الاسرائيلية فيما بعد على الانسحاب والاندحار، طاب الامر للمسلمين السنة، وخصوصا التكفيريين، فاستخدموها هم ايضا كسلاح فعال وليومنا هذا.
لقد استطاع هؤلاء الشيوخ من كافة المذاهب، ان يخدعوا الضحايا، بايهامهم بان ما يقومون به يعد استشهادا، اي انهم سيذهبون الى الجنة، لانهم يقاتلون في سبيل الله، ومن يقاتل في سبيل الله يكون مكانه مع الانبياء والرسل. ولكن الحقيقة غير ذلك تماما. وكعادتهم في الغوص في كتب التاريخ والسيرة، خرجوا علينا بالتقنية الحربية التي استعملها المسلمون وغير المسلمين قديما والمسماة بالانغماس والتي اشاد بها الرسول في بعض الاحاديث المنقولة. والانغماس هو ان يقوم احد المقاتلين بالهجوم بسيفه وبطريقة سريعة جدا غالبا ما يكون على ظهر حصان، ويقوم بقتل الاعداء بطريقة عشوائية، وقد لا يستطيع هذا الفارس الهرب فيقتله الاعداء، وحاولوا تشبيه هذه الظاهرة بالعمليات الانتحارية، مع انها لا تشبهها لا من بعيد ولا من قريب، ففي الانغماس يقتل الشخص من قبل اشخاص آخرين وليس بسلاحه الشخصي.
لقد تغاضى هؤلاء الشيوخ وعن عمد، عن اية مهمة في القران وهي الاية 151 من سورة الانعام التي تقول:(قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون )، لم تكن هذه هي الاية الوحيد بل هناك عدة آيات يحملن نفس المعنى.
وتاويل الاية هو ان قتل النفس سواء كان من الشخص نفسه او شخص آخر غير جائز الى بالحق، ولقد اتفق جميع الفقهاء ـ ولاول مرة ـ على ان المراد بالحق هنا هو اقامة الحد، وهذه الحدود هي القتل بالقتل، وحد الردة، ورجم المحصن، وعدا هذه الثلاثة لا يعتبر حقا.
فالانتحاري يقتل نفسا واحدة على الاقل بغير حق، وهي نفسه، وبهذا يكون قد خالف امر الله، والذي يخالف امر الله، يكون مصيره جهنم، فهل ينفع انسان شيء لو ذهب الى جهنم؟ وهل يقدم احد هؤلاء على الانتحار، فيما لو اطلعه الفقهاء على هذه الحقيقة، قبل التفخيخ؟
مادامت المسالة تصب لمصلحة رجال الدين، تجدهم يقلبون الاسود ابيض والحرام حلالا، ولو كانت ليست في مصلحتهم فستجدهم يفعلون العكس.
التعليقات (0)