في رثاء فقيد العلم والدعوة والتحقيق الشيخ الدكتور عبدالعظيم الديب..
تَركْتَ فَراغاً لَيْسَ يملَؤٌهُ الغَيْرُ
وطَيْرُكَ في التِّحليقِ كانَ هُوَ الطَّيْرُ
وصَبْرُكَ في قَهْر المَصاعِبِ فائق
وسَيْرُكَ فيهِ.. لا يُضارِعُهُ سَيْرُ
وَهَبْتَ "الجُوَيِنْيَّ" الإمامَ أَعَزَّ ما
مَلَكْتَ.. أَلا وَهْوَ الشَّبيبَةُ والعُمْرُ
وأَحْيَيْتَ ما خَطَّتْ يَراعَتُهُ.. وَما
طَوَى عَنُ عُيونِ الخَلْقِ مِنْ علْمِهِ الدَّهْرُ
وَها هُوَ حَيٌّ بَيْنَنا.. باهِرُ السَّنا
كما يَزْدَهي نَجْم تٌلَألْأ.. أَوْ بَدْرُ
وأَطْلَقْتَ في عِلْمِ الشَّريعَةِ خَيْلَهُ
عِتاقاً.. وفي شَتّى الفُنونِ هُوَ البَحْرُ
ثِمارُ اللَّيالي السّاهِراتِ تأَلَّقّتْ
نَفائِسُها.. وهي الّلآلئُ وَالدُّرُّ
وفي كُلِّ مّيْدانٍ يّخوضُ غمِارَهُ
يُضيءُ على دُنيا الأنَام لَهُ سِفْرُ
لهُ السِّبْقُ.. تَصنيفاً وحُسْنَ دِرايَةٍ
وإتْقانَ صُنْعٍ.. لا يَزيغُ لَهُ فِكْرُ
وَحَظُّكَ منْ تلكَ الخَصائِصِ خَصْلَةٌ
فأنتَ بها الثَّبْتُ المُعَلِّمُ والحَبْرُ
وآثَرْتَهُ.. إذْ رُحْتَ تُحيْي تُراثَهُ
ويا حَبَّذا أنَّ المِدادَ هُوَ التِّبْرُ
وذلك منْ أجْلِ الإمامِ وعلْمِهِ
وبالحَرَمَيْنِ.. النَّثْرُ يَشْرُفُ والشِّعْرُ
فكيف بِمَنْ نالَ الإمامَةَ فيهما
وظُلَّلَهُ التّقْديسُ والطُّهْرُ والذّكْرُ
نفَضْتَ غُبارا عنْ كُنوزٍ ثمَينَةٍ
وأوْضَحْتَ.. حتّى بانَ مِنْ عُسْرِها اليُسْرُ
لكَ الصَّدَقاتُ الجارياتُ بنَفْعِها
وإنَّ الذي عِنْدَ الإلَهِ هُوَ الذُّخْرُ
وَحَسْبُكَ في النّاسِ الشُّهودُ ذَوو التُّقَى
هُمُ الأَهْلُ والأَصْحابُ والصَّفْوّةُ الغُرُّ
وَجيلٌ تَلَقَّى العِلْمَ منْكَ هدايَةً
وأنتَ الأَبُ الحاني.. وقُدْوَتُهُ البَرُّ
إذا سُئلوا فاضَتْ عليكَ مَحامِدٌ
وأَلْسِنَةٌ يَجْري بها الـمَدْحُ والفَخْرُ
حَمَلْتَ هُمومَ الدّينِ.. والأُمَّة التي
إليهِ انْتَمَتْ.. والهَمُّ بينَ الحَشا جَمْرُ
وَيارُبَّ هَمٍّ يَصْطَلي المرءُ نارَهُ
يَذوبُ لهُ مِنْ حَرِّ جَمْرتِهِ الصَّخْرُ
وكنتَ الذي بُركانُه يَقْذِفُ اللَّظَى
بغيرِ هِياجٍ حينَ يَنْزِفُهُ الصَّدْرُ
ومِنْ خَلْفِهِ حِسٌّ رَقيقٌ وَمُرْهَفٌ
وقَلْبٌ تَوَلىّ نَهْشَهُ الدّاءُ والضُّرُّ
وتَعْصِرُهُ الأَهْوالُ يُدْميهِ وَقْعُها
ولَمْ يَنْجُ مِنْ أَوطانِ أُمَّتِهِ شِبْرُ
ولَوْلا احْتِسابٌ ضاقَ ذَرْعاً بِهَمِّهِ
عَزيزٌ كَريمُ الطَّبْع.. أّوْ نابِهٌ حُرُّ
وتلكَ دلالاتُ الكَرامَةِ والرِّضَا
مِنَ اللهِ.. عُقْباها السَّعادَةُ والخَيْرُ
لكَ اللهُ.. كَمْ عانَيْتَ والجسْمُ قَدْ ذَوَى
عَليلاً.. وعنْدَ الجَنْي يُسْتَعَذبُ الـمُرُّ
وذِكْراكَ لا تَخْبو.. وشأْنُكَ عِنْدَنا
كَبيرٌ.. وكَمْ أَثْنَى سِوايَ وهمْ كُثْرُ
وشَمسُكَ إنْ غابَتْ فَمَطْلَعُها غَداً
بِجنّاتِ عَدْنٍ حيثُ يُحْتَسَبُ الأَجْرُ
كأَنّي أَرىَ وَجْهٌ الجُوَيْنيِّ مُقْبِلاً
لِلُقْياكَ مَسْروراً.. يَهُشُّ ويَفْتَرُّ
يَخِفُّ إلى اسْتِقبالِ مَنْ حَلَّ ثاوياً
على الرَّحْبِ تّحدوهُ المحَبَّةُ والبِشْرُ
يُناديكَ "ياعَبْدَالعَظيمِ" ويَكْتَسي
مُحَيّاكَ نوراً.. ما لِرَوْعَتِهِ حَصْرُ
وَتُثْني على الرَّبِّ الكريمِ وفَضْلِهِ
وأَنتَ تُناجِيه "لَكَ الحَمْدُ والشكْرُ"
الدوحة 23 محرم 1431هـ / 9 يناير 2010م
التعليقات (0)