في ذكرى مجازر فرنسا النووية بالجزائر
مطالبات ..وتلويح بـ "العدالة الدولية"!
في الثالث عشر من فبراير 1960 قامت فرنسا بتجربة نووية على أرض الجزائر فاق ضحاياها 42 ألفا واليوم يثور نقاش حول قانون فرنسي تم تمريره في البرلمان الفرنسي لتعويض الضحايا، لكنه لم يشمل كل الضحايا ، ولم يضع في الحسبان الأرض والحيوان والموارد المائية التي تضررت من الإشعاعات!
بحضور خبراء نوويين وشهود عايشوا الحدث وأساتذة تاريخ وضحايا أحيا جزائريون ذكرى مرور حوالي نصف قرن عن "المجازر النووية" التي ارتكبتها فرنسا في منطقة رفان حيث فجرت قنبلة طاقتها التفجيرية حوالي 70 كيلوطن، أي ما يفوق 7 أضعاف قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، وهي مأساة عرفت باسم "اليربوع الأزرق"، وامتد تأثيرها حتى البلدان الأفريقية المجاورة.
وقد كان تكتم فرنسا الدائم على هذه الجرائم دليلا على شدة بشاعتها. ويكفي الإشارة إلى أن أثار الإشعاعات التي خلفتها يستمر 24 ألف سنة قادمة. ورغم أن فرنسا حاولت بعد توثيق الجريمة ادعاء أنها أخذت كل الاحتياطات الممكنة قبل القيام التفجير غير صحيح فاليوم الذي أجريت فيه شهد رياحا صحراوية حملت الإشعاعات بعيدا، كما أنها لم تقم بتطهير المنطقة من مخلفات التفجير.
وفي مناخ يشهد اتساعا لنطاق ولاية العدالة الدولية يطالب نشطاء جزائريون باعتبار التفجيرات جرائم ضد الإنسانية ومتابعة المسؤولين الفرنسيين أمام العدالة الدولية. والطريق إلى مثل هذه العدالة تعترضه عقبات كثيرة أهمها كون الوقائع المشار إليها سابقة على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كم أن احتمال اللجوء لمحكمة العدل الدولية يتطلب أن تقرر الدولة الجزائرية ذلك وهو أمر مستبعد جدا.
لكن إثارة القضية بهذه القوة وصدور قانون فرنسي يعترف بالجريمة وحق ضحاياها في التعويض سيكون له تأثير على العلاقات الجزائرية الفرنسية، وسيكون له تأثير أكبر على صورة فرنسا في الجزائر. وهي تعاني مشكلات في علاقتها بالجزائر بسبب الاستحقاقات الثقيلة لسنوات احتلالها، فضلا عن منافسة أمريكية شرسة لفرنسا في هذه المنطقة التي تعد منطقة نفوذ فرنسي تاريخيا.
وقد دخلت السينما على خط المعركة السياسية حول التفجيرات فأنتج مؤخرا فيلم يضم شهادات شهادات حية لجنود فرنسيين حول استعمالهم كفئران مخابر خلال التجارب النووية، الفيلم عنوانه "اليربوع الأزرق" وعرض – لأول مرة – مؤخرا بباريس بحضور جمهور غفير بينهم برلمانيون فرنسيون وينتظر عرضه في الجزائر في الرابع والعشرين من فبراير الجاري. وهو يتطرق للتجارب النووية والأضرار التي ألحقتها بالجنود الفرنسيين والسكان المحليين. أحد الشهود (غاستون موريزو) أدلى بشهادته في موقع التفجيرات وقال: لقد كنا 18 شخصا بموقع أول تجربة نووية وقد أمرنا بالبقاء بعين المكان وإدارة ظهورنا للتفجير.
وتضمن الفيلم كذلك شهادات لبعض الضحايا الجزائريين وكثير منهم فقدوا أبصارهم وآخرون أصيبوا بتشوهات وفي الأجيال التالية تم تسجيل عدد كبير وغير طبيعي لأطفال يولدون مشوهين
وفي مواجهة الادعاءات الفرنسية بخلو المكان من السكان واتخاذ الاحتياطات اللازمة كشف شهود عن أن حوالي 000,6 نعش وضعوا في قاعدة رقان لمواجهة احتمال الخسائر البشرية!!
الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية، برينو باريلو أكد أن سلطات الاستعمار الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري بينهم أسرى من جيش التحرير الجزائري "فئران تجارب" في تفجيرات متعددة في عام 1960 ما يمثل أقسى صورة للإبادة والهمجية، فضلا عن مخاطر بيئية تمتد لمساحة 600 كلم مربع، فيما تسببت النفايات وبقايا التفجير في إبادة 60 ألف جزائري بين 1960 إلى 1966.
ومن أخطر ما كشف عنه أن فرنسا استعملت الجزائريين في التجارب النووية دون أن تقوم أصلا بأرشفة أو حفظ هويات الضحايا، خارقة بذلك كل قواعد الحرب وحقوق الإنسان. وبالتالي لم يعد أمام السلطات حاليا أي إمكانية للتعرف على الكثير من الضحايا.
كما أن الجيش الفرنسي غادر قواعده في الصحراء تاركا آلاف الأطنان والمعدات المشعة تحت الرمال لتقضي على الإنسان والحيوان والبيئة وآثارها ستمتد لعدة قرون أخرى. وأجرت فرنسا 17 تفجيرا نوويا بالجزائر، حسب تقديرات فرنسية، علاوة على 40 تفجيرا مصغرا آخر. حسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد تحقيق بسيط أجري عام 1999 ولم ينشر إلا سنة 2006. وتشير دراسات أخرى إلى أن فرنسا أجرت في الجزائر 57 تجربة نووية في ثلاثة مواقع رئيسة منها أربع تجارب سطحية، 13 تجربة في أنفاق و35 تجربة إضافية على مستوى الآبار
جمعية قدامى التجارب النووية الفرنسية قالت إنها خاطبت وزارة الدفاع الفرنسية بشأن الضحايا الجزائريين وردت الوزارة بأنها مسألة جزائرية/ فرنسية ولم تعط معلومات عن ذلك. بالمقابل، طلبت وزارة الدفاع الجزائرية أن تشترط استفادة الضحايا الجزائريين من نفس التعويضات التي يستفيد منها الضحايا الآخرون في حالة ما إذا اعترفت الحكومة الفرنسية بحق الضحايا في الاستفادة من تعويضات، لكن وزارة الدفاع الجزائرية لم ترد!
التعليقات (0)