مواضيع اليوم

في ذكرى قصف هيروشيما...

  الجو صاف، والمدينة تعجّ بالحياة والحركة، والناس في أعمالهم، أو هم في طريقهم إليها في صبيحة ذلك اليوم السادس من آب من العام الخامس والأربعين من القرن الماضي، وقبل سبعةٍ وستين عامًا بالكمال والتمام من يومنا هذا في بلدنا هذا الذي كان يومها يكافح للحصول على حريته واستقلاله من الانتداب البريطاني على فلسطين.. عندما تسللت إلى سماء هذه المدينة اليابانية ( الواقعة على جزيرة (هونشو) وتشرف على خليج (هيروشيما) عاصمة محافظة هيروشيما، وأكبر مدنها) إحدى الطائرات الأمريكية (إينولا جيي) بقيادة الطيار الكولونيل (بول تيبتس) لتسقط قنبلة يورانيوم زنتها أكثر من أربعة أطنان ونصف، واسمها (ليتيل بوي) من ارتفاع مقداره ألف وتسعمائة وثمانون قدمًا على جسر (إيووي) وهو واحد من إحدى وثمانين جسرًا تربط ما بين الفروع السبعة في دلتا نهر (أوتا) وذلك في تمام الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة من صبيحة ذلك اليوم من أواخر ولاية الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة (فرانكلين روزفلت).
صاعقة مذهلة من البرق الخاطف تقدَّر بعشرات الآلاف من الصواعق أومضت في لحظة واحدة، ثم دوّى انفجار هائل، وفجأة ساد المكان ظلام تام.. كل هذا حدث خلال دقيقة واحدة بعد إلقاء تلك القنبلة في الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة، وخلال هذه الدقيقة أيضًا ( أي في الساعة الثامنة وست عشرة دقيقة) كان ستة وستون ألفًا من سكان مدينة هيروشيما قد قتلوا، وكان تسعة وستون ألفًا قد أصيبوا بجراح وحروق شديدة، وكان سكان هذه المدينة البالغ عددهم آنذاك ثلاثمئة وخمسين ألف إنسان يبكون ويصرخون ويهيمون على وجوههم كالأشباح وسط ظلام دامس يلف مدينتهم بعد أن كانت منذ دقائق قليلة تعج بالحياة والحركة..وقد ارتفع عدد قتلى تلك القنبلة إلى مئة وأربعين ألفًا...وبعد ثلاثة أيام فقط، وفي التاسع من شهر آب من ذلك العام ألقى الأمريكيون قنبلة ثانية على (ناغازاكي) بلغ عدد قتلاها خمسة وسبعين ألف ياباني، بدعوى أن اليابانيين لم يستسلموا بعد تلك القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.. وبذلك ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من مئتين وخمسة عشر ألف قتيل.
أنصار ذلك العدوان النووي قالوا إنه كان ضروريًّا لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وتوفير ملايين القتلى على البشرية باستسلام اليابان.. أما معارضوه فقالوا إنه استعراض أمريكي كان الهدف منه إلقاء الرعب في قلوب الناس بهدف السيطرة على هذا العالم، وقالوا إن اليابان كانت في طريقها إلى الهزيمة، ولم يكن الأمر يستدعي قنبلتين نوويتين لإرغام اليابانيين على الاستسلام.
وفي ذكرى قصف هيروشيما وناغازاكي بالسلاح النووي نقول إنه يجب أن تضع البشرية حدًّا لصنع هذا السلاح وتخزينه؛ يجب أن تتخلص البشرية من هذا المخزون الهائل من القنابل النووية التي يكفي بعضها لتدمير هذا العالم.. على الولايات المتحدة وروسيا وكافة دول النادي النووي أن تعمل في الحال من أجل إتلاف مخزونها من كل هذه الأسلحة المدمرة التي تأتي على موارد هذه الدول، وتحرم كثيرًا من الشعوب من حقوقها في المأكل والمشرب والدواء والتعليم والعيش الكريم..
إن القوة الحقيقية هي في أن تكون هذه الدول دول عدل وعدالة وقوانين تضمن التقدم لشعوبها، وتضمن التقدم والازدهار أيضًا لكل شعوب الأرض.. فلقد شبعت هذه الشعوب ظلمًا واضطهادًا وجوعًا وموتًا وشقاءً.. ولقد آن لهذه الشعوب، ولكل شعوب الأرض أن تحيا بسلام، وأمن، وأمان، وتقدم، ورِفاء.. إن القوة الحقيقية هي أن تعمل كل دولة لخير مواطنيها، ولخير البشرية وسلامها أيضًا، وأن تعمل الدول الكبرى من أجل وضع حد لمعاناة الشعوب، بالكفّ عن نهب ثرواتها، واستعبادها، ووضع اليد على مقدّراتها، والتحكم بها، وتركها فريسة للخوف والجوع والمرض والشقاء.
وإذا كانت تلك القنبلة التي ألقيت في مثل هذا اليوم على هيروشيما، وتلك التي ألقيت على ناغازاكي بعد ثلاثة أيام من سابقتها من القنابل البدائية، فكيف ستكون الحال اليوم إذا شهد الكون مواجهة نووية؟ وكم دقيقة ستستمر الحياة على هذا الكوكب بعد مواجهة كهذه؟ أسئلة لا بد من توجهيها إلى كل الشعوب في هذا العالم، وإلى شعوب الدول الصناعية وقادتها، وإلى كل قادة تلك الدول التي تمتلك السلاح النووي، وإلى كل من يعنيه أمر السلام والأمن الدوليين في هذا العالم.
وإذا كانت السيدة اليابانية التي نجت من قصف هيروشيما، وكانت في الثانية عشرة من عمرها آنذاك قد أجريت لها خمس عشرة عملية جراحية لإنقاذها من الحروق، وتحسين صورة وجهها من التشوهات، وإذا كانت الحياة قد كُتبت لتلك المرأة كي تكون شاهدة على تلك اللحظات، وما أعقبها من دقائق وساعات وسنوات ثقال، وحروب طوال.. فكم امرأة من الممكن أن تنجو اليوم.. وكم رجلاً، وكم طفلاً، وكم إنسانًا من الممكن أن ينجو ليكون شاهدًا على عصر زال ليزول بزواله كل شيء، ولتختفي باختفائه الحياة ذاتها في مواجهة مفترضة بين الغرب والشرق؟ وكم شاهدًا على العصر سيبقى في هذه المنطقة المتفجرة من العالم إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها ذات يوم؟؟
في ذكرى قصف هيروشيما في السادس من آب قبل سبعةٍ وستين عامًا، وقصف ناغازاكي في التاسع منه، وفي خضمّ هذه الأزمات المتفجرة التي تفتعلها كل قوى الشر والاستكبار لقهر الشعوب ونهب خبراتها، والسيطرة على بلدانها لا نملك إلا أن نقول إنه قد آن لهذه البشرية المعذبة أن تعمل بقوة للخروج من ظلمة الظلم وظلماته إلى نور الحق والعدل واليقين، ومن بحار الدم إلى واحات السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، وينشر المحبة والوئام والعدالة والإخاء في ربوع هذا العالم.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !