في ذكرى رحيل عبد الناصر..وقفة من نوع اخر..!
صادفت يوم الاثنين الفائت الذكرى التاسعة والثلاثون لرحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر, ففي الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 توقف قلب قائد الأمة من المحيط الى الخليج عن الخفقان..توقف قلبه حزنا على ما جرى بين الأشقاء الأردنيين والفلسطينيين فيما يعرف بأحداث"أيلول الأسود"..توقف هذا القلب بعد أن تمكن حامله من وضع حد للصراع بينهم..رحل عنا بعد أن أمتناه بالسكتة السياسية قبل أن نميته بالسكتة القلبية.
ومن أقواله الخالدة بعد النكسة:"أنا عارف مدى الغضب، ومدى المفاجأة اللى أصابتنا جميعا بعد النكسة، وبعد اللى حصل، وعارف ان الشعب العربى فى مصرغاضب، وحزين لأن جيشه نال هزيمة غير مستحقة، ولأن سيناء تم إحتلالها، بس أنا بدى أقول لكم حاجة الرئيس تيتو، بعت لى رسالة جت له من ليفى أشكول رئيس وزراء إسرائيل، بيطلب فيها أنه يقابلنى فى أى مكان فى العالم، لنتحدث، ولكى نصل لحل، وبيقول انه مش هيتعامل معى معاملة منتصر مع مهزوم ، وان إسرائيل مستعدة ترد لنا سيناء من غير شروط مذلة، إلا شرط واحد بس، إن مصر تبقى دولة محايدة يعنى لا قومية عربية، ولا عروبة، ولا وحدة عربية نبقى فى حالنا، ومالناش دعوة بإسرائيل ولا نحاربها، إسرائيل قتلت الفلسطينيين ، واحنا مالنا ، إسرائيل ضربت سوريا ، احنا محايدين ، ضربت الأردن ، ولبنان ، مصر مالهاش دعوة ، ما تفتحش بقها ، ولا تتكلم..يعنى خدوا سيناء ، وطلقوا العروبة والقومية والوحدة، ونبيع نفسنا للشيطان.
أنا طبعا قولت للرئيس تيتو الكلام ده مرفوض، القدس، والضفة، والجولان، وسيناء، يرجعوا مع بعض..إحنا مسئولين عن إستعادة كل الأراضى العربية، احنا مسئولين عن حل مأساة شعبنا العربى فى فلسطين
مش هنقبل شروط ، ومش هنخرج من عروبتنا، ومش هنساوم على دم، وأرض العرب..لن تقبل الجمهورية العربية أبدا حل جزئى, معركتنا واحدة، وعدونا واحد، وهدفنا واحد، تحرير أرضنا كلها بالقوة،
حبيت أنقل لكم الموضوع ده علشان تعرفوا ان المشكلة مش سيناء بس..الأمريكان واليهود ضربونا فى 67 عشان يساومونا بسيناء على عروبتنا ، وعلى شرفنا ، وعلى قوميتنا".
نعم انها أقوال خالدة قالها عبد الناصر وكأنه كان على علم بما سيحدث في مصر خاصة والعالم العربي برمته عامة, كيف لا وهو القائد الذي قالوا له يا ناصر ان كل العالم ضدك, فأجابهم وأنا ضد العالم..لقد تمكن من خلفوه وبنجاح باهر بهدم كل ما بناه..نجحوا في تحطيم ما جاء في أقواله الخالدة, والناظر لما يجري اليوم في مصر سيجد أن هذا البلد العربي قد فقد دوره الريادي النضالي, بل انه أصبح كأصغر قطر عربي لا حول له ولا قوة..فمن توقيع اتفاقية العار"كامب ديفيد" مع الصهاينة غاب دور مصر وتم تهميشها وهذا ما أراده الصهاينة, والرابح الوحيد من توقيع هذه الاتفاقية وما لحق بها من اتفاقيات سلام كاذب مع الأردن والفلسطينيين هو الكيان الصهيوني.
الوحدة العربية يا ناصر اليوم هي أمر في عداد المستحيلات, كلما فكرنا فيها لحظة ابتعدنا عنها سنوات عديدة..مصر فقدت هيبتها, أبناء مصر..أبناؤك يا قائدنا"غلابة" يموتون جوعا, تفتك بهم الأمراض, ويفتك بهم ما هو أمر..يفتك بهم القهر والعذاب..النظام يا ناصر غارق في الهرولة وراء التطبيع مقابل حفنة من الدولارات هو المنتفع الوحيد منها.
القدس يا ناصر تهود وأقصاها يغتصب وقيامتها تناجي المسيح..القدس تخلى عنها أقرب الناس اليها أو من يظنون أنهم كذلك, فلم تعد تعنيهم..انها تصرخ بأعلى صوتها"أولاد القحبة..ان حظيرة خنزير أطهر من أطهركم"..فهل نلومها على استعمالها لهذه الكلمات التي لا يحب سماعها من تصرخ في وجوههم؟..القدس يا معلمنا أصبحت في نظر البعض"يروشاليم", الذين أصبحوا يعلموننا قول"شالوم" التي تعني سلام, انه السلام المصطنع الذي وقع عليه من خلفك ومن جاء بعده..انه سلام الشجعان..هذا السلام الذي غمر رؤوسنا بالأرض وأذلنا..فما أحقرنا يا ناصر.
لقد كنا نقول:نعم لفلسطين التاريخية من بحرها الى نهرها..ومن بعد ذلك أصبحنا نطالب بدولة في حدود حزيران وعاصمتها القدس الشريف..وبعد أن خجلنا من ميثاقنا الوطني, قمنا بشطب كل بنوده التي تدعو الى القضاء على "اسرائيل", كيف لا وقد أصبحت جارتنا المدللة, ومنحناها أكثر من ثلاثة أرباع مساحة أرضنا التاريخية..ومرت الأعوام وقلنا يكفينا محمية في الضفة وأخرى في غزة, وأما القدس فعليها السلام, فهي عاصمة جارتنا"الأبدية"..ونعدك يا ناصر بأن لا نغضب نتنياهو وسنقبل بمحمية فلسطينية منزوعة السلاح والاقتصاد والهواء كذلك..فما الفرق بيننا وبين اخواننا اليهود, انهم عاشوا في نفس الظروف"الغيتوهات" ولسنا بأحسن منهم.. ولا مانع لدينا أن نتقبل فكرة الوطن البديل لكي لا يغضب ليبرمان والداد, فالضفة الشرقية لنهر الأردن لنا وهناك سنقيم دولتنا.
قلنا ونصحنا المفاوضين الفلسطينيين بأن المفاوضات عبثية مع الصهاينة ولكنهم لم يكترثوا لأقوالنا ونصيحتنا, بل استمروا وخذلونا, والأنكى أن يقوم كبيرهم بكتابة كتاب يدعي فيه بأن الحياة مفاوضات..ففاوضوا وعين الله ترعاكم, ولكن على ماذا تفاوضوا وقد بعتم الأرض والعرض وقلتم وداعا يا لاجئين ووداعا يا حق العودة..هذه هي فلسطين يا ناصر, فلسطين التي دافعت عنها بالروح والجسد..فلسطين اليوم تم تقسيمها, فهي"فلس" و"طين", جزء يباع بفلس وجزء اخر يدفن في الطين.
الضفة الغربية تسيطر عليها حركة فتح يا ناصر..انها محمية"دايتونية" محتلة بأكملها, وغزة تسيطر عليها حماس بعد تحريرها..انها امارة اسلامية محاصرة برا وبحرا وجوا..أبا خالد:لقد كنا نحلم في وطن ولكننا نجحنا في الوصول الى اثنين, مع علمين ونشيدين ووزيرين لكل وزارة..ولكن وطنيتنا أجبرتنا على أن يكون لنا منتخب وطني واحد لكرة القدم, ومع ذلك نجاهد من أجل الوصول الى منتخبين.
غزة يا أبا خالد هوجمت من قبل الصهاينة مستخدمين كافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا..وزير خارجية مصر يا ناصر والذي يحرس حدود"اسرائيل" هدد بتكسير عظام الفلسطينيين الذين يقتحمون المعابر..انهم أرادوا اقتحامها هربا من الة البطش الصهيونية..أرادوا الوصول الى مصر لتلقي العلاج, ولم يكن هدفهم القدوم للهو في ملاهي وبارات القاهرة..وفي نفس الوقت فان الصهاينة يشعرون وكأنهم في "موطنهم" عند وصولهم الى مصر, فهم شعب الله المختار ومرحب بهم حتى وان هددوا بقصف السد العالي.
أكثر من أربعة عقود مرت ولا يزال الجولان محتلا يا ناصر..سوريا تخترق وتضرب من قبل الكيان العبري, والجواب هو الجواب:نعرف متى سنرد..سنرد في الزمان والمكان المناسبين, لكن لا الزمان حان ولا المكان سمح..فمتى الرد ومتى يتم تحرير الجولان؟..والنهاية ستكون كما مع سيناء..لكم الجولان ولنا أن تقوموا بحمايتنا والدفاع عن حدودنا كما فعلت شقيقتكم الكبرى مصر..ولا نستغرب ذلك أبدا.
لقد قامت المقاومة اللبنانية بتحرير الجزء الأكبر من الجنوب اللبناني..انها مقاومة شرسة مؤمنة أجبرت العدو على الهروب قبل أن يلاقي حتفه..فقمنا باتهامها وكعادتنا بأنها مقاومة عميلة هدفها تمزيق الصف اللبناني ووحدة لبنان..ومتى كان لبنان موحدا متماسكا, فالسني ضد السني وكلاهما ضد الشيعي والمسيحي..والمسيحيون ضد بعضهم البعض وهم جميعا ضد الاخرين وووو..لبنان عبارة عن طوائف وكل طائفة دولة ذات كيان ولا كيان للبنان.
الأردن أجرى حساباته ووقع اتفاقية وادي عربة للسلام مع الصهاينة, وذريعته أن مصر الدولة الأكبر فعلت ذلك قبله, ومنظمة التحرير كانت تجري محادثات سرية ومن ثم علنية مع العدو الصهيوني, ومن هنا جاءت مخاوفه بأن يتفق الفلسطينيون والصهاينة على حسابه, لذلك أسرع هو أيضا بتوقيع اتفاقية سلام بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية..تسابق وهرولة وتطبيع ودول عربية أخرى تسير في نفس الفلك والمخفي أعظم..وسلام على العرب والعروبة.
بلاد الرافدين..مهد الحضارة والعلوم أصبحت يا ناصر تعيش في العصور الحجرية, فقد تامر واتحد الجميع لانهاء وجود العراق, والسبب أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويهدد أمن المنطقة بل العالم بأسره..انها أعذار لا أول لها ولا اخر..لا وجود لأسلحة الدمار, والمهم أن العراق اختفى واختفت معه الحضارة..ولكن الأحرار نهضوا بمقاومتهم للاحتلال وها هو منتظر الزيدي الصحفي العراقي الشاب يلطخ وجه عدو الشعوب بوش بحذائه قائلا له:"هذه قبلة الوداع يا كلب"..هذا هو مصير كل احتلال, فهو زائل بارادة الشعوب. لقد فقدنا المروءة يا عبد الناصر, فبكت ولما سألوها ما خطبها؟, أجابت:كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا..انهم ماتوا ولكنها بقيت على قيد الحياة بانتظار من يعيد لها كرامتها, وها هم أشبال قلسطين وقدسها ينتفضون من جديد..وها هو شبل القدس الذي لم يتجاوز عمره العاشرة يصرخ في وجه الجندي الصهيوني ويدفعه أمام باب المغاربة..نعم, لقد حدث ذلك بالأمس, وهذه علامة ودليل لا يقبل الشك بأن من يحمي القدس هم أشبالها وأطفالها ونسائها وشيوخها, وليس أصحاب الملابس والأحذية الايطالية الفاخرة, ولا أصحاب العمائم الذين رقصوا مع بوش في وقت كانت فيه غزة تودع الشهيد تلو الشهيد.
قائدنا ومعلمنا, في مثل هذه الأيام ولكن قبل تسع سنوات انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية..انطلقت نتيجة لقيام الصهيوني شارون"بطل" مجازر صبرا وشاتيلا باقتحام ساحات المسجد الأقصى, فهبت الجماهير الفلسطينية المقدسية ومعها اخواننا الأبطال من فلسطينيي الاحتلال الأول..هبوا جميعا ليقولوا"كلنا فداك يا أقصى", ومن هنا نقول للاخوة الفلسطينيين المتناحرين ولجميع الشعوب العربية والاسلامية ان الأقصى والقدس في خطر, ولا توجد قوة على وجه الأرض بامكانها أن توحدكم, فهل القدس ومقدساتها المغتصبة بامكانها أن تكون عنوان وحدتكم؟, هذا ما ستجيب عليه المرحلة المقبلة, املا ألا تكون طويلة, والا سنندم جميعا وحينها لا ينفع الندم.
معارك قاصمة خاضها هذا العملاق الأسمر"عبد الناصر" المنحوت من طمي النيل حتي وجد نفسه حزينا.. فمات بالسكتة السياسية قبل أن يموت بالسكتة القلبية..ولم يهدأ الأعداء بموته..فقد راحوا يمثلون بسمعته.. وبدأت عملية الاغتيال الثاني له..الاغتيال المعنوي لإزالة كل ما آمن به..وما سعي جاهدا لتحقيقه..ومنذ أن توفي وحتي الآن ومحاولات تحطيم شخصيته مستمرة..فالزهور التي تنبت في الصخور يجب أن تسحق كاملة.
في ذكرى رحيلك يا ناصر نقول, لن ننثني يا سنوات الجمر, واننا حتما لمنتصرون.
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة
التعليقات (0)