ماذا يضير بعضا منا حين الاحتفاء بالنقط المضيئة في تاريخنا العربي والعالمي؟...لا أعتقد أن ثمة ما يقلق أو يستفز هذا البعض الذي يطيب له طمس معالم محطات مشعة وأسماء قوية ساهمت في بناء التاريخ، أو أثرت فيه بشكل عميق...
من هنا يصير الوقوف عند أسماء وازنة من طينة ناجي العلي وغسان كنفاني أمر واجب بالنسبة للمعتنقين لقضايا الإنسان في شموليتها...ومن هنا يصبح تسليط الضوء على أسماء أخرى لازالت تعزف سيمفونية الحياة، وتغني للحرية والحداثة والإبداع الرافض للطابوهات والمقدسات مطلبا ضروريا...
"إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني"
واليوم تحديدا لابد من الوقوف عند ذكرى رحيل رجل ثوري عانق قضايا الإنسان المضطهد في كل مكان، واعتنق قيم الثورة بما هي مجابهة عنيفة للنزعة الأمريكية الطامحة آنذاك للهيمنة على ثروات العالم ومقدراته...
"الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن"
"في زمن المنشورات السرية...في مدن الثورات المغدورة...جيفارا العاشق في صفحات الكتب المشبوهة...يثوي مغموراً بالثلج وبالأزهار الورقية....قالت وارتشفت فنجان القهوة في نهم...سقط الفنجان لقاع البئر المهجور...رأيت نوارس بحر الروم تعود...لترحل نحو مدار السرطان...ونحو الأنهار الأبعد...في أعمدة الصحف الصفراء...يبيع الجزارون لحوم الشعراء المنفيين...العّرافة قالت هذا زمن سقطت فيه الكتب المشبوهة...والفلسفة الجوفاء...دكاكين الواقين...طيورٌ ميتة...فتعالي نمارس موت طيور البحر الأخرى...
"لا يهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمني أن يبقى الوطن"
فوق سرير الحب الممنوع...إنتحب في صمت فالليل طويلٌ...في مدن الثورات المغدورة ...والبحر الأبيض في قبضة بوليس الدول الكبرى...يبحث عن أسماء العشاق المشبوهين...رأيتك في روما في زمن المشورات السرية...بين ذراعي رجل آخر تمضين إليّبكيت، رآني البوليس وحيداًخلف نوافذ ملهى القط الأسود أبكي مخموراً...وورائي خيط من نور يمتد لنافذة أخرى...أشبعني الضابط ضرباً...وجدوا في جيبي صورتها...للباس البحر الأزرق...ترنو للأفق المغسول بنور الغسق الباكي...ونار الليل القادم من مدريد...يبيع الجزارون لحوم الشعراء المنفيين...رأيتك في مبغى هذا العالم...في أحضان رجال وسماء تمضين الليل...بكيت، رآني البوليس وحيداً...في مدن الثورات المغدورة...مجنوناً أتحدث عنك...البوليس رآني..."(عبد الوهاب البياتي)...
"الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء"
واليوم يحاول مطبخ المخابرات المركزية الأمريكية أن يصنع لنا نموذجا معاصرا لزعيم من ورق ويقدمه إلينا في صورة يريد لها أن تكون شبيهة بصورة تشي جيفارا...لكن الفروقات بين الصورتين كثيرة جدا...فالأول رجل يساري تشبع بمبادئ الثورة وقيم الانتصار لقضايا الإنسان المضطهد في كل مكان، خرج من تحت أجنحة العشق المرادف للوجود الإنساني الرافض للاستبداد والظلم والمنتصر للحرية والعدالة والكرامة...بينما خرج الثاني من تحت عباءة المخابرات الأمريكية، التي نجحت في تسخيره منذ حربها ضد الاتحاد السوفييتي بأفغانستان، وإلى الآن، لتنفيذ أجندتها الطامحة إلى الهيمنة على العالم...اغتيل جيفارا بأحد وديان بوليفيا، بينما لا يزال رجل المخابرات الأمريكية يطل علينا بين الفينة والأخرى في إطار برنامج مخابراتي مدروس بحكمة، من خلال تسجيلات صوتية أو أشرطة للفيديو، كي يمنح للوجود الأمريكي بالعراق وأفغانستان مبررات البقاء والاستمرار حتى تثبيت مصالحه الاقتصادية والإستراتيجية وتأمينها من أي خطر مستقبلي...بالأمس كانوا يسابقون الوقت حتى يتمكنوا من قتل تشي جيفارا...واليوم هم يسابقون وقتا مغايرا من أجل الإبقاء على الفزاعة التي أقاموها لتخويف العالم وتهويله...
"إن الطريق مظلم وحالك فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق"
لقد أثبتت الحركات الإسلامية العربية أنها قادرة دائما على التحالف مع الشيطان من أجل القضاء على اليسار العربي والعالمي...حيث التاريخ يشهد لهم بأنهم كانوا دوما حليفا استراتيجيا للأنظمة العربية الاستبدادية التي جابهت الحركات اليسارية بالحديد والنار...وهاهم اليوم يتحالفون مع الشيطان الأمريكي الطامح للهيمنة على العالم...
"لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله"
التعليقات (0)