مواضيع اليوم

في ذكرى تنحي عبد الناصر عن الحكم!!

  بعد أن حقق التحالف الإسرائيلي الغربي أهدافه من حرب حزيران، وبعد أن تمكن هذا التحالف من توجيه تلك الضربة المؤلمة لقيادة جمال عبد الناصر، وبعد تلك الصدمة المرعبة التي أصابت الدنيا كلها نتيجة تلك الهزيمة، لم يكن أمام جمال عبد الناصر إلا أن يبكي، وهو يعلن تنحيه عن الحكم، ويعلن في مرارة أنه المسئول عما جرى، وأنه يتحمل كامل المسئولية عن نتائج حرب حزيران.. جماهير الشعب العربي في مصر، وفي فلسطين، وفي كل أرض العرب خرجت في يومي الجمعة والسبت التاسع والعاشر من حزيران عام سبعة وستين وتسعمائة وألف باكية منتحبة في ليل الهزيمة تطالب الرئيس جمال عبد الناصر بالعدول عن التنحي، والعودة في الحال لممارسة مهام الحكم... لا زلت أذكر جيّدًا خروج الناس هنا في نابلس في ليل الجمعة، بينما كان الظلام الدامس يلف كل شيء لانقطاع التيار الكهربائي.. وهم يبكون ويصرخون، ويناشدون عبد الناصر أن يعدل عن استقالته، وأن يعود لقيادة الأمة العربية من جديد نحو النصر، ونحو تحقيق أهداف الأمة العربية.. لقد كانت ساعات رهيبة تلك التي زحفت فيها كل جماهير الأمة العربية من محيطها إلى خليجها تجدد البيعة لعبد الناصر، وتناشده أن يعود إلى قيادتها من جديد.

    في يوم الأحد/الحادي عشر من حزيران/ استجاب عبد الناصر لنداءات الأمة متخذًا كثيرًا من الإجراءات لإعادة بناء القوات المصرية المسلحة، ورفع روح الجند المعنوية، ومواساة الأمة في مصابها، ومعاهدتها على إزالة آثار العدوان، والتمسك بكافة حقوق الشعب العربي الفلسطيني في بلاده فلسطين، والعمل بكل عزم وإصرار على إحقاق هذه الحقوق، وعلى تحقيق أهداف أمة العرب من محيطها إلى خليجها... وكانت حرب الاستنزاف.. وكانت تضحيات جيش مصر من جديد.. وكانت وفاة عبد الناصر في الثامن والعشرين من أيلول من العام سبعين وتسعمائة وألف.. وكانت بعد ذلك بسنوات ثلاث حرب العاشر من رمضان التي تمكن فيها جيش مصر في السادس من تشرين الأول من العام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف من عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف الحصين، والتقدم في سيناء شمالاً نحو جنوب فلسطين.

    ما أشبه الليلة بالبارحة!! وما أشبه هذه الأيام بتلك!! فلئن خرج الفلسطينيون والعرب وكثير من الناس في هذا العالم في مثل هذه الأيام يبكون وينتحبون؛ فإنهم في هذه الأيام أيضًا يبكون وينتحبون.. ولئن كانوا في مثل هذه الأيام من عام "النكسة" ذاك يائسين بائسين محبطين لا يصدقون ما يجري ويدور في بلادهم من أحداث وحوادث ونكبات جديدة ، فإنهم لكذلك في هذه الأيام أيضًا لا يصدّقون ما يدور في اليمن، وفي ليبيا، وفي البحرين، وفي القطر العربي السوري، وفي مصر وتونس أيضًا، وفي أرض فلسطين كل فلسطين، وفي العراق العربي، وفي أفغانستان وباكستان، وفي كل أرض العرب، وكل أراضي المسلمين!!.. ولئن كانوا في مثل هذه الأيام من عام المذلة ذاك، ومن عام النكبة الذي سبقه ببضعة عشر عامًا يلطمون الخدود، ويشقون الجيوب؛ فإنهم اليوم أيضًا يلطمونها ويشقونها، بل إن كثيرًا من شبابهم وفتيانهم وشيوخهم يعيشون الضَّياع والتمزق والألم المُمِضّ.. ولئن بكى كثيرٌ من الفلسطينيين، وكثير من العرب، وكثير من المسلمين في هذه الأيام، ولئن هزتهم الفواجع والكوارث، وصور الضحايا، وأخبار هذه الصراعات التي تُدمي هذا الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه في هذه الأيام  التي تشبه تلك؛ فإنهم لا يفعلون ذلك مطالبين عبد الناصر بالعودة إلى الحكم.. وإنما لهذا الصراع الدامي الذي يغشى كل الساحات، ويعصف بكل الأوطان، ولهذه النكبات والصدمات التي حلت بكل العرب، وبكل المسلمين بشكلٍ غير مسبوق، ولهذه الفتن التي تهدد هذا الوطن العربي بمزيدٍ من الكوارث والنكبات، وبمزيدٍ من  التمزق والتفرق والتشتت والانهيار، وبمزيدٍ من الفوضى التي لا يستفيد منها إلا أعداء العروبة والإسلام.

    ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه هذه الأيام بتلك التي تقابلها من عام الرمادة والمهانة ذاك! فالضعف هو الضعف.. والعجز هو العجز.. والدسيسة، والتناحر، والتنابذ، والتدابر، والقطيعة، والخصام، والاقتتال والاحتراب سيد الموقف.. وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!! ولئن أدى ذاك التحالف الذي استهدف مصر واستهدف جمال عبد الناصر في حرب حزيران، فيما أدى إليه إلى هزيمة مصر، وهزيمة عبد الناصر.. ولئن تمكن أولئك المتحالفون من اغتيال جمال عبد الناصر فيما بعد، لأنه رفض الهزيمة، ولأنه أصر على استرداد الأرض المحتلة، ولأنه القائل إن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، ولأنه الذي أعلنها مدوية على رؤوس الأشهاد: سنحررها شبرًا شبرًا.. ولئن فقد العرب برحيل عبد الناصر قائدًا عربيًّا عروبيَّا مخلصًا بنى مصر العربية، ونشر الوعي، والحماسة الوطنية، ومناهضة الاستعمار في كل الأرض العربية، وبشر بالمشروع العربي فوق كل أرض العرب.. ولئن كثر في تلك الأيام السوداء من تاريخنا الحديث أعداء عبد الناصر، فإن الوفاء لذكرى هذا الرجل يستدعي الثناء عليه، والترحم على ذكراه، وضرورة السير على خطاه: أرض العرب للعرب.. لا عاش بيننا جبانٌ، ولا عاش بيننا متآمر!! يستدعي الوفاء لعبد الناصر، وذكرى عبد الناصر أن يبكيه الفلسطينيون، وأن يبكيه السوريون، وأن يبكيه كل العرب الشرفاء الذين رفضوا، ويرفضون، وسيرفضون كل مشاريع الغرب على أرض العرب.

   في ذكرى التاسع والعاشر من حزيران، وفي ذكرى استجابة عبد الناصر لنداءات العرب، وعودته إلى الحكم في الحادي عشر منه نقول: إن كل ما يجري على الأرض العربية اليوم من حوادث وأحداث ليدل دلالة قاطعة على أن المعركة بين أمة العرب والغرب لم تتوقف، وأنها مستمرة: فالغرب يريدها أمة ضعيفة ممزقةً تابعة له، سائرة في فلكه، والعرب يريدونها أمة قوية عزيزة مرهوبة الجانب مستقلة لا تعرف الخضوع لغير الله.. إن كل هذا الذي يجري يؤكد من جديد حاجة هذه الأمة العربية لرجلٍ حديديٍّ صُلب يبني أمجاد العروبة، ويقارع الطغيان والاستعمار وأعوان الاستعمار، والاستبداد والاستعباد، وكل محاولات الغرب لفرض سيطرته وهيمنته على أرض العرب، وكل محاولات الغرب لتمزيق هذا الوطن العربي، وتفتيته، والقضاء المُبرم على كل آمال العرب وطموحاتهم، وأهدافهم في الوحدة والحرية والتحرر والاستقلال.

   وفي ذكرى التاسع والعاشر والحادي عشر من حزيران نجدد العهد والوفاء لكل القادة العرب  الشرفاء في كافة أقطارهم وأمصارهم.. ونجدد العهد والوفاء لقائد العروبة الفذّ جمال عبد الناصر، ولفكره القومي العربي الوحدوي التقدمي الذي لا يهادن، ولا يساوم، ولا يحني هامته إلا لله




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !