مواضيع اليوم

في جمهورية الطنافس .. الصمت الرسمي السوري حكمة غير مجدية

حسين جلبي

2011-07-04 22:17:28

0

 لعل الشئ الوحيد الذي يُحسد عليه السيد بشار الأسد اليوم، هو هذه القدرة العجيبة في إظهار قدرٍ كبير من ضبط النفس، فسوريا تحترق أمام عينيه، إن لم نقل يحرقها بيديه، و العالم يغلي كالمرجل من حواليه،

و يضع الخطط لإطفاء الحريق السوري و حصر خسائره، في حين أن الرجل يبدو مستمتعاً بممارسة لعبة عض الأصابع مع شعبه، و يعيش كما يُحب أن يُظهِر ترف الصمت، بإستثناء ممارسة بعض النشاطات الإجتماعية و العلاقات العامة، التي يجري تسريب أخبارها للإعلام، ليشعر الناس بأنه ما زال موجوداً، و بأن الصور التي يحرقونها في الشوارع لا تمس الأصل في شئ.

و قد جاء في الأخبار أمس، أنه بتكليف من الرئيس بشار الأسد، زار السفير السوري في لبنان، الفنان نضال سيجري الذي أجريت له عملية جراحية في مستشفىً في بيروت، ناقلاً إليه إهتمام الرئيس الأسد بالإطمئنان على صحته و تمنياته له بالشفاء العاجل.

و معروفٌ عن الفنان نضال سيجري أنه بطل مسلسل (ضيعة ضايعة)، في الحقيقة لم يتسبب أبطال المسلسل في ضياع قريتهم (أم الطنافس)، فقد ولدو ليجدوها هكذا ضائعة، لكنهم مثل زملاءهم الفنانين أضاعوا فنهم بعدما رضي معظمهم بلعب دور الكومبارس في مسلسل العصابات المسلحة.

إن الحديث هنا عن إهتمام الرئيس بالإطمئنان على صحة هذا الفنان و تمنياته له بالشفاء العاجل، لا يعني عدم إكتراثنا أيضاً بمرضه، و لا يعني كذلك إستنكارنا لهذا السلوك الإنساني بالسؤال عنه مهما كان مصدر السؤال، بل يدفعنا للتأكيد على وجود مشاعر إنسانية مشتركة بين البشر مهما كانت مواقعهم، مثل ذلك ما ذكره صحفي كان معتقلاً في سوريا، من إن المحقق كان منهمكاً في تعذيبه عندما تلقى مكالمة إستنتج الصحفي من الحديث بأن على الطرف طفل، راح المحقق يخاطبه بأرق العبارات الإنسانية، واعداً أياه بأحضار كل ما يطلبه له عندما يعود من العمل، ليقفل الهاتف و يتابع (عمله). و هنا يتوجب علينا شكر السيد الرئيس الذي يجد متسعاً من الوقت لمثل هذه الأمور الهامة حقاً، و لأنه لفت إنتباهنا إلى مرض الفنان سيجري، و إعتذارنا له ـ للفنان ـ لجهلنا ذلك، لأننا في ظل هذه الأوضاع الشاذة التي تعيشها سوريا حالياً، من قتلٍ علني على الهوية الوطنية، لم تعد الفرصة متاحة لنا بسببها لقراءة المجلات الفنية و متابعة أخبار الفنانين، فقد كانت آخر أخبارهم التي تابعناها، بعد قيامهم بلعب أدوارهم الحقيقية على شاشة التلفزيون السوري و ملحقاته، هي خوفهم على الموسم الدرامي بسبب الثورة، و قلقهم الكبير من الخسائر المادية بسبب إحتمال عدم تمكنهم من تسويق مسلسلاتهم، لبروز فنٍّ أكثر واقعية، يطلق فيه رصاص حقيقي و ليس مطاطي، فتسيل من الممثلين القابلين للإستخدام مرة واحدة دماءٌ حقيقية، و يسلمون أراحهم على الهواء مباشرةً، عدا عن المشاهد الغائبة التي يمكن للمشاهد نفسه نسجها، بالبناء على مقاطع الضرب و الدعس و التعذيب الوحشي و المقابر الجماعية، ليصنع في النهاية مسلسله الخاص (حمزة و هاجر)، الذي ضرب الدراما السورية التقليدية بعمق، و التي يأمل رجالها أن تصل إستغاثاتهم إلى السيد بشار الأسد ثانية، فيشتري لحسابه أعمالهم كما فعل قبل أعوام عندما تبين أن هناك مؤامرة خارجية على هذا الفن.

ما يجري اليوم في (جمهورية الطنافس) هو نتيجةٌ لإمتلاء دفتر الديون على آخره، و قد جاء وقت دفع الحساب. لم تعد حكمة (قد تكسب بالصمت أضعاف ما يكسبه الآخرون بالكلام) مجدية، لأن ما دفعه الآخرون، المتكلمون، تقسيطاً، سيدفعه الصامتون دفعةً واحدة، و النتيجة في النهاية واحدة لا تختلف، إلا في معدل فوائد الدين.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !