في يوليوز 2002، عندما نصب الملك محمد السادس أعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، نشرت جريدة " الصحيفة " ( التي قلبت المشهد الإعلامي في المغرب حينها رأسا على عقب) صورة لأحد الأعضاء و هو يصافح الملك بيده، وأرفقتها بصورة أخرى يظهر فيها الجنيرال " أوفقير " و هو يقبل يد الملك الراحل الحسن الثاني. و المقارنة بين الحالتين تحمل كثيرا من المعاني و الدلالات. و كان عدد من أعضاء المعهد قد صافحوا الملك دون تقبيل يده في نفس اللقاء. و قتها حجب مقص الرقيب في تلفزتينا " الوطنيتين " تلك الصور لأن الحدث كان جللا بمقاييس تلك المرحلة. و كانت هي المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز البروتوكول الرسمي الخاص بالسلام على جلالة الملك. و منذ تلك اللحظة تغيرت كثير من الأمور و بات مشهد مصافحة الملك دون تقبيل يده يتكرر بين الفينة و الأخرى دون أن يثير أي نقاش يذكر.
طقس تقبيل يد الملك عاد إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، وذلك في إطار الحراك السياسي و الإجتماعي الذي أطلقه " الفيسبوك المغربي " عبر حركة 20 فبراير، وما تلاه من تداعيات كان أبرزها خطاب 09 مارس التاريخي بشأن التعديل الدستوري. لذلك فإن ارتفاع الأصوات المطالبة بإلغاء هذا الطقس البروتوكولي يأتي في سياق الصدمة المفاجئة التي يعيشها المغاربة، و التي سقطت معها كثير من الطابوهات و الخطوط الحمراء. و الواقع أن مثل هذا النقاش يؤشر للتغيير الذي بدأ المغرب يعرفه فعليا. و هو التغيير الذي ليس بمنأى عن أصداء المحيط الإقليمي " العربي" الذي يتميز بالغليان في أكثر من بلد. غير أن اللحظة التي يعيشها المغرب هي بالتأكيد فريدة من نوعها بالمقارنة مع هذا السياق الإقليمي. و النقاش المطروح حاليا حول كثير من الأمور التي كانت حتى وقت قريب تندرج في خانة الممنوعات، يأتي ضمن مناخ عام عبرت فيه المؤسسة الملكية عن فهم متطلبات هذه اللحظة و عن رغبتها في الإصلاح. غير أن هذه المرحلة تتطلب ضرورة ترتيب الأولويات حتى لا تضيع المضامين في تفاصيل نقاشات لا تقدم و لا تؤخر. أعني أن مختلف مكونات المجتمع المغربي مدعوة اليوم إلى فتح نقاش عمومي عقلاني و هادئ حول مرتكزات التعديل الدستوري المرتقب و آليات الوصول إلى دستور يرتضيه المغاربة لأنفسهم. و عندما يتحقق هذا المطلب فإن كثيرا من الأمور ستتغير في المغرب الجديد.
إن الجدل حول تقبيل يد الملك ينبغي أن لا يطغى على النقاش الحقيقي الذي يجب الخوض فيه بكل مسؤولية، لأن منتظرات المغاربة تتجاوز الشكليات و تتعلق بالشأن اليومي الذي يمثل الهاجس المشترك لأبناء هذا الشعب. ثم إن طقس تقبيل الملك لا يستند إلى أي قرار تشريعي ملزم، بل هو عادة استثمرها المخزن لتصبح شكلا من أشكال الهيبة التي يفرضها شخص الملك. لكنها في العمق لا تنسلخ عن الإطار السوسيوثقافي للمجتمع المغربي، لأن تقبيل اليد يعتبر عرفا تقليديا توارثه المغاربة تحت عنوان الإحترام الذي تفرضه الأبوة ( الإبن و الأب ) أو فارق السن ( الصغير و الكبير ) أو المكانة " العلمية " ( التلميذ و الفقيه) أو الرمزية الروحية ( المريد و الشيخ )... و من تم فإن هذا الطقس ليس غريبا عن الثقافة الإجتماعية السائدة، بالرغم من أنه اتخذ أبعادا تجاوزت هذا المستوى التقليدي عندما أصبح جزءا من البروتوكول الرسمي المتوارث في اللقاءات الملكية ... لكننا رأينا خلال السنوات الأخيرة عددا من الأفراد الذين يصافحون الملك محمد السادس دون تقبيل يده، و هذا ينسجم مع المناخ العام الذي أصبحت فيه كثير من العادات و التقاليد الإجتماعية تتوارى تدريجيا أمام زحف ثقافة التحرر و العولمة. و المهم في الموضوع أنه لم يتخذ في حق أي أحد من الذين خالفوا البروتوكول المعتاد في السلام على الملك أي إجراء عقابي من أي نوع. و في هذا مؤشر واضح على أن الملك لا يولي اهتماما كبيرا لهذه الجزئية، لأن احترام شخص الملك لا يتوقف على الإبقاء على هذا السلوك أو إلغائه ...
إن متطلبات الواقع الجديد تفرض استثمار المرحلة للتحليق بالمغرب إلى آفاق ديموقراطية حقيقية من خلال الإنخراط المسؤول في أوراش الإصلاح السياسي، وليس عبر توجيه اهتمام الرأي العام إلى نقاشات ليست لها علاقة مع قائمة أولوياته و هواجسه الحقيقية. محمد مغوتي.
التعليقات (0)