مواضيع اليوم

في بيت العنكبوت بُلهـاء

مصعب المشرّف

2012-03-07 16:53:29

0

في بيت العنكبوت بُلَهَاء


إلتقط البعض العرب في المنتديات والمواقع الألكترونية خبرا أوردته البي بي سي عن أن عالما يابانيا يدعى " شيغيوشي أوساكي" قد جمع آلاف من خيوط العنكبوت . فصنع منها أوتارا قام بتركيبها على آلة الكمنجة الموسيقية ؛ في تجربة قال الياباني شيغيوشي أنها جعلت آلة الكمنجة تصدر صوتا أجمل وأنعم عند العزف عليها مقارنة بالأصوات الموسيقية التي تصدر عن الكمنجة ذات الأوتار العادية التقليدية بشتى أنواعها.
وإلى هنا يظل هذا خبرا عاديا لا يختلف عن غيره من أخبار الإبتكارات اليومية التي تكتشف مالدى خلق الله من إمكانيات وأسرار أودعها فيها . فتحاول الإستفادة منها لمصلحة إستمرار الحياة على هذه الأرض كما أراد لها الله عز وجل ..
متانة خيوط العنكبوت ليست بالأمر الجديد في عالم اليوم الحديث .. وهذه ليست المرة الأولى التي يعرف الناس .. عامة الناس ... مدى متانة خيوط العنكبوت ... ولكن البعض لأنه لا يعلم يظن أنه (حين يعلم) وحده العالم .. ومن هنا تجيء حالة البلاهة والبلهاء في الساحة الدينية المعادية للعقيدة الإسلامية بوجه خاص.
كان الذي إسترعى الإنتباه واستدعى التوقف أن البلهاء في الساحات العربية والصليبية ؛ سارعوا بالإلتقاط والقفز والتنطيط والتعري وخلع ورقة التوت. وإعتبار هذا الإختراع الذي جرى بتجميع الآلاف من خيوط العنكبوت دليل على عدم صواب الآية رقم 41 من سورة العنكبوت عند قوله عز وجل: "مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون".
من الخطل والخطأ الجسيم بمكان أن يسعى البعض لتفسير آيات القرآن الكريم دون تمكن من اللغة العربية على أقل تقدير.
وبداية نؤكد أن العلم الحديث قد أثبت منذ سنوات طويلة أن (نسيج) العنكبوت هو من أقوى أنواع النسيج الطبيعي . وتزيد صلابته على صلابة الحديد الصلب . بل وأن بيت العنكبوت (المسكن) هو من أقوى البيوت لجهة متانة ودقة النسج المقاوم للرياح ولقدرته على الإمساك بالعديد من الفرائس التي يعتاش عليها العنكبوت مثل الذباب والبعوض وغيرها من حشرات صغيرة .
وفي بحث شهير للدكتورة وسيمة الحوطي بعنوان "الحشرات في القرآن والأحاديث النبوية والتراث الشعبي الكويتي" ... أوردت:- [ أن خيوط العنكبوت الحريرية تتكون من بروتين يتم تصنيعه في غدد الحرير. والحرير المنتج قوي جداً ومتانته أشد من متانة الحديد الصلب . وهو قابل للتمدد لضعفي طوله قبل أن ينقطع . وهو يعد من أقوى أنواع الألياف الطبيعية على الإطلاق. وشبكة العنكبوت من القوة بمكان حتى إنها تستطيع إيقاف نحلة يزيد حجمها عن حجم العنكبوت مرات عديدة وهي تطير بسرعة 32كلم في الساعة بدون أن تتأثر أو تتمزق]

وهناك شركة كندية تستغل منذ عام 2002م نسيج العنكبوت في صناعة الخيوط الطبية وحبالاً لصيد الأسماك وألبسة واقية من الرصاص .
ومنذ قديم من الزمان يستخدم الصيادون في جزر السلمون خيوط العنكبوت لصناعة شباك صيد الأسماك القوية.

إذن فإن نتائج بحث الياباني شيغيوشي ليست بالجديد .. ولكن الجديد فقط أن البعض في عالمنا العربي ؛ لم يسمع بمتانة خيوط العنكبوت إلا هذا الشهر مارس من عام 2012م للأسف.

ثم أن الواجب عند تفسير القرآن الكريم أن يكون المفسر عالما بأصول وقواعد ومعاني وآداب وتراكيب اللغة العربية كما أسلفنا ...... ولأجل ذلك يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)

كلمة "أولياء" التي وردت في الآية رقم 41 من سورة العنكبوت تعني في اللغة العربية الأحباب والأصدقاء والأنصار أو المناصرين. وهي علاقة لاتكون إلا بين كائنات حية..... وهذه الكلمة لم تأتي من فراغ أو لمجرد شغل مساحة إنشائية في هذه الآية الكريمة كما يتخيل البعض ممن يقرأ القرآن بطرف لسانه دون أن يتدبر معانيه وحقيقة أنه نسيج متكامل جامع مترابط من البداية إلى النهاية.

و"البيت" في اللغة يعني به المسكن . ويعنى به زوجة الرجل وأطفاله. وكذلك يعنى به القبر .. إلخ (أنظر معاجم اللغة).

إذن نحن هنا بإزاء كلمتين : "أولياء" و "بيت" .... وبينهما "من دون الله" و "العنكبوت اتخذت بيتا".
من حيث (المسكن) يعتبر بيت العنكبوت أقوى المساكن مقارنة بمقتضيات حياة العنكبوت مالم يتدخل حيوان أضخم فيمزقه بقوته الجسمانية كالفيل والأسد والدب . أو الإنسان مثلا يهدمه أو يمزيقه بما لديه من أدوات وتقنيات وآلات وتكنولوجيا نتاج العقل الذي منحه له الله عز وجل.

ومن ثم فإن الذي قصدته الآية الكريمة رقم 41 من سورة العنكبوت (بالوهن) إنما هو معيشة العنكبوت وعلاقته الكائنة الأسرية الإجتماعية حالة كونها اتخذت مسكنا لتأسيس أسرة.

وواقع الأمر أن هناك ما يقارب ألــــ 30,000 نوع من العناكب متفاوتة الأحجام والأشكال . والإنثى فيها أكبر حجما من الذكر وأقوى منه. وجميعها يغلب عليها نمط المعيشة الفردية والشراسة والعدوانية والعداء لبعضها ولغيرها . وحين ينجبر العنكبوت للعيش في جماعات . فإنما يكون ذلك لغرض المصلحة ليس إلا . فإذا انقضت المصلحة حدث القتل والغدر بين أفراد الأسرة الواحدة قبل الأغراب.
ومن هنا جاء قوله تعالى في السياق القرآني اللغوي المحكم : مابين كلمتي (اولياء) من جهة و (بيتا) من جهة ..... ومن ثم يمكن إعادة تقسيم الآية إلى ثلاثة أجزاء هي :

(مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء) و (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) و (وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).

والمعنى أن الإنسان الذي يبتعد عن الله . ولايتخذه نصيرا وحبيبا له بإتباع أوامره وإجتناب نواهيه ومحارمه واللجوء إليه في الملمات . ويذهب يبحث عن أحباب ومناصرين غير الله . فإنما مثله كمثل من يبني علاقته على المصلحة العاجلة المؤقتة التي يتخذها العنكبوت في علاقته الأسرية التي تتسم بأنها (هذه العلاقة) ضعيفة لا تستمر وتنقضي بإنقضاء المصلحة بل وتكون خاتمتها الغدر ونكران الجميل) ......

وكثيرون هم من يفعل ذلك في الدنيا ونشاهدهم يوميا .... فمنهم على سبيل المثال من يعصى الله ويتلهى عن الصلاة والعبادة . ويذهب يتخذ الندامى لشرب الخمر وشلل ممارسة الزنا ولعب القمار وسرقة المال العام . ولكنها تبقى علاقات واهية ما أن تنقضي المصلحة أو الحاجة حتى يتفرقون باسرع مما إجتمعوا.... وكذلك لو أفلس أو زال نفوذ أحدهم فإن البقية (من أحباب البارحة) يسارعون بالإبتعاد عنه كأنه كلب أجرب...... هذا على سبيل المثال لا الحصر .

ولكن كيف هي الحياة الأسرية لدى معظم العناكب وتواصلها الإجتماعي المفسر لهذا الضعف وضربه مثلا بمن يتخذ أولياء من دون الله عز وجل التي قصدتها الآية الكريمة كما اسلفنا ؟

واقع الحال أن الزوجين من العناكب يلتقيان وقت التزاوج فقط . وعند انتهاء عملية التلقيح تقتل الأنثى الذكر وتتغذى عليه فترة الحضانة .. أو ربما غادر الذكر عش الأنثى خوفاً من أن تقوم بقتله. وأكثر إناث العنكبوت قتلا لزوجها هي تلك المعروفة بمسمى "الأرملة السوداء" .

وهناك بعض أنواع العناكب تترك الأنثى الذكر ليعيش في البيت بعد عملية التلقيح ليقوم الأبناء بقتله وأكله لاحقا بعد أن يخرجوا من البيض. ويشتد عودهم.

وهناك أنواع أخرى تقوم الأنثى بتغذية صغارها حتى إذا اشتد عودهم قتلوها وأكلوها هي .
وفي أنواع آخرى يقتل الصغار أمهم ويأكلونها أول ما يشتد عودهم ثم بتفرقون عن بعضهم أيدي سبأ بأسرع ما يمكن.

إن مثل هكذا (علاقات أسرية) وبناء إجتماعي هش ممزق لدى العنكبوت قائم على المصلحة المادية المؤقتة . وينتهي بالغدر مع الزوج أو تحريض الأم للأبناء بقتل ابيهم وأكله ثم إقدام الأبناء فيما بعد على قتل أمهم وأكلها داخل هذا البيت إنما تجعله بالفعل أوهن بيوت المخلوقات قاطبة.

وصدق الله عز وجل حين قال في الآية رقم (43) من سورة العنكبوت :

( وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ )

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات