مواضيع اليوم

في بيتنا " جرذان "

محمد شحاتة

2009-05-17 11:18:25

0

ولدتُ مصاباً بشيء اسمه الفوبيا أو الرهاب من الفئران..

والفوبيا - أو الرهاب - تعني الخوف الكامن المزمن الذي أعيش به ويعايشني من ذلك "الكائن الصغير" الذي لا يزيد حجمه –غالبا- عن حجم قبضة يدي ..

ومع ذلك فإن مشاهدتي  العابرة له تثير عندي في الحال مكامن الخوف ونوازع التأهب والاستعداد لحادث خطير جلل .. بمجرد رؤيته فإن هناك قراران متضادان متزامنان بالهرب وبالمواجهة يصدرهما مركز الطوارئ في المخ...

وهذه من الحالات النادرة التي يصدر فيها المخ إشارات مزدوجة متناقضة تحدث اضطراباً في الفكر وتخبطاً في القرار .. فأجدني أفعل الشئ ونقيضه في آن واحد ..

أهاجمه بتراجعي عنه !!... وأهرب منه باندفاعي إليه !!.. 

لا أدري ما سبب هذا الخوف والرهاب عندي ولكنني أستشعر أنني مولود به ...

أو أنه بذرة أسقطتها الحادثات في الحامض النووي لأحد أجدادي القدامي ...

بذرة أعطبت  أحد الجينات ثم تناقلتها الأجيال عبر خلايا اللقاح في الجينات الوراثية حتى وصلتني ..

ولا عجب حينئذ أن أجد أثرها المتفاوت في عائلتي وأسرتي وأولادي ...

نمتلك أراض مساحتها كبيرة إلى حد ما ... نستزرع بعضها قدر جهدنا ..

وجزء منها تركناه بوراً ... وبها عين ماء ..

ولي بيت فيها كبير.. أقيم فيه وأسرتي ومن حولي بيوت أخوتي وعائلتي .. 

ولنا (دار مناسبات) مخصصة لمناسباتنا العائلية السعيدة منها والحزينة وبهذه الدار غرفة كبيرة مفروشة بالسجاد جلبناه لها من أرض الحجاز و جعلناها "مصلى" نؤدي فيه  صلواتنا وعبادتنا ..

في يوم عاصف اصفّرت فيه السماء واصطكت أشجار أراضينا بلفحات الريح المحملة بالأتربة .. ريحٌ صفصفٌ عاتية كانت إعصاراً يكاد يقتلع كل ما في طريقه من شجر وحجر وبشر..

ولكن الله سلّم ..

هدأت الريح وخفتت العاصفة وتوارى الإعصار .. 

ذهبنا لتفقد مخلفات هجمة الريح الشرسة على أراضينا ومراعينا  وبيوتنا ولنحاول إصلاح ما قد فسد ..

الحمد لله .. 

الأضرار رغم جسامتها إلا أنها يمكن تداركها ...

لكننا حين توجهنا إلى دار مناسباتنا كانت الريح قد خلعت أحد أبوابها...

 فوجئنا ... فجعنا ... ذهلنا .. ارتعدنا .. ارتعبنا ...

لا نعلم من أين جاءت !!...

من تحت الأرض ؟؟ أم من شقوق الجدران ؟؟ 

أم أتت من جوف العاصفة التي جاءت وحطتها ثم ألقتها خلفها حين غادرتنا ؟؟

ولماذا في دار مناسباتنا بالذات ؟؟

كانت فئرانَ غريبة مخيفة تتناوع في أحجامها وتتشاكل في خواصها وتتمايز في ألوانها ما بين الأسود والأبيض والأحمر والأصفر والرمادي ...

هنا سَرَتْ في أجسادنا جميعاً -أنا وعائلتي - رِعدة الرهابِ وفوبيا الفزع الكامن بداخلنا ..وانطلقت إشارات المخ المتناقضة والمتضادة والمتعاكسة بلا انقطاع تستفزنا نحو الهجوم المتراجع عنها والهروب المتدافع إليها ..

حملنا كل ما تستطيع أيدينا أن تطوله وتتسلح به ..

أغلقنا عليها باب دار مناسباتنا المفتوح لئلا تخرج إلى باقي أراضينا ..

حاصرناها في تلك الدار  ..  والتففنا حولها حتى لا نمكن لأي منها الخروج وفكرنا كيف نقضي عليها ..

طال التفكير .. طال الوقت ..  طال الزمن ..

نذهب إلى بيوتنا ونعود لنلتقي حول دار مناسباتنا ..  والفئران بداخلها تتكاثر.. ت

سلقت الدار ونظرت من فتحة بسقفها ..

صعقت !! 

لقد دخلت إلى المصلى .. انها تقرض السجادة الموضوعة عند قبلة المصلى..

إنها تقرض حواف السجاد الذي نصلي عليه ..

أين سنصلي الأيام القادمة ؟؟

لا سبيل إلى ذلك إلا في عراء أراضينا الفضاء .. فقد جعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً!!

استحضر أحدنا  من السوق مبيداً حشريا عله يقضي على تلك الفئران المتوحشة ..

تسلل أحدنا وقام برش المبيد عليها ..

نفق بعضها .. بينما طورت البقية الغالبة منها سبل تفادي التأثر بهذا المبيد ..

اقترح أحدُنا أن نشعل فيها النيران فنأتي عليها !!

ولكن كيف ذلك ؟؟ 

 فالنار سوف تأتي على "دار مناسباتنا" العزيزة علينا ..

لا لا لإنه اقتراح مرفوض  ..

حذرَنَا أحدُنا من أن الصمت والركون سيمنح هذه الفئران الفرصة للتكاثر  ومن ثم مغالبتنا ..وربما تنتقل وتنتشر لتسكن بيوتنا و تقضي على زرعنا وتسمم آبارنا ..

اقترح آخر التمهل والانتظار ..

فهذه الفئران مقطوع عليها السبيل ولن تتحمل حصارنا لها طويلاً..

ستصنع لنفسها نفقاً في الأرض وستتسرب منه وستسري فيه وستذوب لأنها لن تطيق سجنها .. ونتخلص منها.. ونستخلص بذلك دار مناسباتنا..

أطرقتُ متسائلاً .. من منا الذي يحاصر الآخر !!!

هل نحن الملتفون حول (دار مناسباتنا) لنمنع هذه الجرذان من مغادرتها تمهيداً للخلوص إلى سبيل يخلصنا منها ؟؟

أم أنها هي التي تحاصرنا جميعاً وتمنعنا من الدخول إلى دار مناسباتنا وتحرمنا من الصلاة في مصلانا ؟؟

إني موقن أننا لن نتركها هكذا .. لن ندعها هكذا ..

يقيني أنها محاصرة في مصيدة العمر..

سننسج من أعمارنا ما نكافحها به ..

سنغزل من أرواحنا لها أكفان الموت ..

سنصنع من رهابنا مصل القضاء عليها .. 

 شيء غريب ..

منذ فترة .. بدأت ألاحظه..

بدأنا جميعأ نلاحظه !!

 إنها إشارات المخ 00

إشارات المخ عندي وعند جميع أهلي بدأت تنتظم وتتوحد في إرسالها !!

خفّتْ حدة التناقضات منها !!..

صارت تتتابع في إرسال إشارات متوحدة متصاعدة في قوتها ..

إشارات قرأتها خلايا جسدي وجاوبتها أعضائي بلا التباس ..

بلا خوف.. بلا فوبيا ..

بلا رهاب .. بلا وجل..

 ذهب الخوف..

ذهبت الفوبيا ..

ذهب الرهاب ..

إشارات تأمرني قائلة ..

         اندفع بلا خوف ..

                 اهجم بلا تراجع..

                           تم اصلاح الجين الوراثي المعطوب 00..  

 

(إلى روح الشهيدة الرضيعة إيمان حجو)

(حتى لا ننسى )

       




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !