عبـد الفتـاح الفاتحـي
نبهت اليونيسكو من حدوث مجزرة لغوية في المستقبل قد تأتي على أكثر من نصف مجموع لغات العالم المتبقية، والبالغ مجموعها اليوم ـ6000 لغة الباقية.
تحذير عبرت عنه منظمة اليونسكو في احتفالية 21 فبراير 2011 لليوم العالمي للغة اليوم، بالإعلان عن الأطلس الإلكتروني للغات المهددة بالزوال في العالم، وعرض النتائج الأولى لمشروع تضطلع بتنفيذه الـ «يونيسكو» يرمي إلى تحليل النزعات اللغوية منذ خمسينات القرن المنصرم. ويشهد الاجتماع أيضاً مناقشات في موضوع التعليم الثنائي اللغة ورفد التكنولوجيات الجديدة لهذا التعليم.
يسترعي اليوم الدولي للغة الأم (21 فبراير) الذي يحتفل به هذه السنة تحت شعار «التنوع اللغوي والتكنولوجيات الجديدة» الانتباه إلى أهمية الحفاظ على هذه الثروة الثقافية واللغوية ولتعزيز العمل على صون وتعزيز اللغات والتنوع اللغوي. باعتبار ذلك فرصة لإبراز الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها التكنولوجيات الجديدة من حيث صون اللغات الأم وتوثيقها وترويج استعمالها.
أكدت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في رسالتها، لهذه السنة "أن كل لغة تُعد مصدراً فريداً للمعاني اللازمة لفهم الواقع والتعبير"، واليوم الدولي للّغة الأم هو "فرصة للاعتراف بأهمية هذه اللغات ولتعبئة الدعم لتعدد اللغات والتنوع اللغوي"، داعية إلى تسخير ما أسمته قوة التقدم لحماية رؤى العالم المتنوعة ولتعزيز جميع مصادر المعارف وأشكال التعبير.
ولعلها تقصد بقوة التقدم الداعمة لحماية ونشر اللغات وسائل التواصل الحديثة، وفي هذا الإطار تقوم المنظمة هذه السنة بحملة، عبر الشبكتين الاجتماعيّتين تويتّر وفايسبوك، لحث متصفّحي الإنترنت على تقاسم الخبرات والصور وأفلام الفيديو كأمثلة إيضاحية على إمكانات ترويج التنوع اللغوي التي تنطوي عليها التكنولوجيات الجديدة. بحيث تساهم تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في تعزيز اللغات الأم وتشجيع التنوع اللغوي والتعليم المتعدد اللغات مما يؤدي برأي خبراء اللغة إلى زيادة الوعي بالتقاليد اللغوية والثقافية في العالم وتعزيز التضامن القائم على التفاهم والتسامح والحوار. ففي بيان صدر عشية الاحتفال بهذه المناسبة، أكدت اليونيسكو أن هذه التكنولوجيات تفتح أفقا جديدا لتعزيز التنوع اللغوي مبرزة التزامها بتعزيز تعدد اللغات على الانترنت.
وفي السياق الدعم القوي لفلسفة دعم التعدد اللغوي والتنوع الثقافي نظمت اليونيسكو صباح اليوم الدولي 21 فبراير لسنة 2010 بمقرها الدائم في باريس اجتماعا تحت موضوع: التنوع اللغوي والتكنولوجيات الجديدة" أطره أخصائيون في علم اللغات، وخبراء، وممثلون عن اليونسكو والمنظمة الدولية للفرنكوفونية والاتحاد اللاتيني، وانتهى بتقديم جديد الأطلس الإلكتروني للغات المهددة بالزوال من العالم.
في سياق تفاعل البلدان العربية مع هذا اليوم أصدرت اللجنة الوطنية اللبنانية بياناً أعربت فيه عن مفهومها للغة الأم التي هي العربية، ومما جاء فيه: «تجد اللجنة الوطنية اللبنانية للـ «يونيسكو» في المناسبتين، اليوم الدولي للغة الأم ويوم اللغة العربية، إطاراً مواتياً لإثارة الوعي بأهمية إتقان اللغة العربية كلغة أم تحتضن الإرث الثقافي والإبداعي لأبنائها، وكوسيلة تعبر عن عمق مشاعرهم وإبداعاتهم، وأداة تنطق بإنتاجهم المعرفي والعلمي والأدبي، وقد سبق لها أن انتهجت لهذه الغاية إقامة مؤتمرات وندوات وورش عمل ساهمت جميعها في تسليط الضوء على إشكاليات إتقان اللغة العربية والسبل الكفيلة بمقاربة حلول لها. وها هي اليوم تتوجه إلى الناشئة في المرحلتين المتوسطة والثانوية للفتهم، عبر تنظيم مسابقة مدرسية، إلى حقيقة أن إتقان اللغة، أيّة لغة، يتطلب تكثيف المطالعة وقراءة ما يصدر عنها من مؤلفات متنوعة المضمون والتصنيف.
وقال رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور عبد الكريم خليفة بهذه المناسبة "إن اللغة العربية التي تتفرد من بين لغات العالم بأنها اللغة الحية على استمرار حوالي خمسة عشر قرنا تجد نفسها غريبة في أوطانها، في الوقت الذي نرى فيه الأمم الأخرى التي لا يتعدى الناطقون بلغتها عدة ملايين تدرس جميع العلوم وجميع مراحل التدريس بلغتها القومية مبينا أن اللغة العربية كانت ولعدة قرون لغة العلم والفكر والثقافة.
وأضاف أن اللغة العربية من حيث واقع استعمالها في بلدنا ليست بالمستوى الذي نبغيه ونريده ، مشيرا إلى أن اللغة العربية بعيدة عن التعليم الجامعي وبتنا مع الأسف خلال السنوات العشر الأخيرة نراها غريبة حيث بدأت اللغات الأجنبية تتسلل إلى تدريس العلوم والرياضيات وغيرها لا سيما في المدارس الخاصة.
وأضاف الدكتور خليفة رئيس لجنة النهوض باللغة العربية التي شكلت قبل عام من عدد من العلماء في المملكة ، نحن إمام مشروعات عدة تتمثل بان تكون اللغة العربية هي لغة جميع المعلمين , لان معلم التاريخ والعلوم هو معلم لغة، فما بالك إذا كان معلم اللغة العربية يعلم باللهجة العامية.
وتطرق الدكتور خليفة إلى مشروع الرفد الإعلامي اللغوي الذي تقدم به مجمع اللغة العربية والذي يتضمن إجراء دراسة علمية واقعية للإعلام المرئي والمسموع والمكتوب حول إقحام اللغة العامية على حساب اللغة العربية موضحا أن إقحام اللغة العامية من الإمراض الخطيرة لأنها تمس هوية الأمة وتقدمها.
إن منظمة اليونيسكو وهي تحذر من ممغبة خسارة العالم لمزيد من لغاتها، فإنها تعتبر أن التعليم الجيد، والتدريس باللغات الأم يشكل وسيلة قوية لمحاربة التمييز والوصول إلى السكان المهمشين (...)،مشددة على أن يكون الانطلاق من اللغة الأم لتعلم لغات متعددة ركيزة يعتمد عليها التعليم في القرن الحادي والعشرين.
ومعلوم أن اليونيسكو وضعت استراتيجية متوسطة المدى 2008/2013 بشأن اللغات والتعدد اللغوي تستند إلى ثلاثة مبادئ تتمثل أساسا في التعليم باللغة الأم كوسيلة للنهوض وتحسين نوعية التعليم ومحو الأمية، والتعليم بلغتين أو بعدة لغات، وكذا دعم تعليم اللغات بغية تشجيع التفاهم بين مختلف الشعوب.
ولدعم هذه الاستراتيجية تروج اليونسكو للتنوع اللغوي من خلال سلسة من المشاريع تنفّذها في أنحاء مختلفة من العالم. ففي شيلي، نُشرت نصوص مدرسية بثلاث لغات أصلية: المابوتشه والأيمارا والرابانوي. وفي البرازيل، انطلق عمل توثيقي لسلسلة من اللغات والثقافات الأصلية المهددة بالزوال، في سبيل العمل على صونها. وفي أفريقيا، شُرِع في تنفيذ برنامج لصون ثقافة الباتامّاريبا في منطقة كوتامّاكو (في توغو) من خلال تعليم لغة الديتامّاري في 12 مدرسة محليّة.
وتحتفل اليونسكو وكذا جل دول العالم باليوم العالمي للغة الأم منذ عام 2000 في كل يوم 21 من شهر فبراير إحياء لذكرى الذين قتلوا في 21 فبراير 1952 بمدينة دكا، عاصمة بنغلاديش، في مظاهرة للمطالبة بالاعتراف بلغتهم الأم، البنغالية من أجل تعزيز التعدد اللغوي والتنوع الثقافي.
إنه بذلك مناسبة ذات دلالات كبيرة لزيادة التعبئة والدعم والعمل للحيلولة دون تعرض حوالي سبعة آلاف لغة في العالم للاندثار، والحفاظ على تعدد اللغات والتنوع اللغوي على المستوى الدولي.
الكاتب العام للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)