هل الطريق للوصول إلى المعلومة والخبر المميز أصبح أمراً صعباً لدى الصحفيين الأردنيين خاصة ما أثير منذ منتصف العام الماضي 2008 بكيفية تعامل الصحفيين مع "الشائعات"، الأمر الذي حدا بنقابة الصحفيين الأردنيين إلى جانب رؤساء الصحف اليومية الكبرى في البلاد بالتشديد على الصحفيين حيال تناولهم لتلك الشائعات خاصة "السياسية" منها.
وأصدر مركز حماية وحرية الصحفيين تقريره السنوي الخاص بحالة الحريات الإعلامية في الأردن عن العام 2008، وكانت أبرز حصيلة التقرير السابق عن العام 2007 موضوع الرقابة الذاتية التي يمارسها الصحفيون على أنفسهم حيث بلغت نحو 93%، وكتب وقتها الدكتور فهد الفانك مقالة ذكر فيها أن النسبة التي جاءت في ذاك التقرير خاطئة، في إشارة إلى أن الصحيح هو 100% من الصحفيين يمارسون الرقابة الذاتية على أنفسهم، وأن الفارق في ألـ 6% هو نتيجة عدم فهم الصحفيين لسؤال الاستطلاع الذي نفذه مركز حماية وحرية الصحفيين آنذاك، وجاءت النسبة الجديدة في تقرير العام 2008 مقاربة إن لم يكن أعلى من ذلك.
عدة مؤسسات إعلامية أصبحت في الفترة الأخيرة تمارس دور الرقيب على العاملين من موظفيها الصحافيين، وهذا لا يعني تقلص فرصة الصحفي باصطياد المعلومات التي تهم الصحافة وتهم المواطنين.
في ذات الوقت، تبدو بقية الاهتمامات في القضايا السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية متشابهة بين مختلف وسائل الإعلام، فتنحصر المعلومات في النهاية حول مواضيع وقضايا محددة مثل ما اهتمت به الصحافة المحلية من قضية مكاتب البورصة وقضايا ارتفاع الأسعار خاصة الارتفاع في أسعار المحروقات وتشعب الحديث حول قضايا تمس مؤسسات المجتمع المدني والإعلام المستقل وأخرى تمس الجانب الرسمي في القضايا السياسية الداخلية في البلاد، فمصادر تلك المعلومات والأخبار هي ذاتها المصادر التي توزع على وسائل الإعلام بياناتها الصحافية وغالباً ما تكون تلك الجهات إما أمنية أو حكومية مثل تصريحات الوزراء أو بيانات ترسلها أحزاب ومؤسسات مدنية وأندية رياضية وتلك تأتي في المرتبة الثانية من الاهتمام، إذا المصادر واحدة وهي عادة وكالة الأنباء الأردنية "بترا" والتلفزيون الأردني الرسمي والناطق الإعلامي باسم الحكومة، فيما يأتي بالمرتبة الثانية الصحف اليومية الكبرى، تليها الصحافة الأسبوعية والإذاعات المحلية.
وأما ما يجده المواطن في عدد من المواقع الإخبارية المحلية على الإنترنت من غير المنشور في الصحافة المطبوعة، دليلاً على حال الحياة الإعلامية الأردنية حالياً، ورغم ذلك فهناك عدة تقارير وتصريحات تفند وجود نسبة عالية من حرية الصحافة بل العكس هناك تحديات لوقف الحد من الحريات الإعلامية من خلال التأكيد على المهنية لتحقيق أعلى قدر ممكن من الحيادية والمصداقية في العمل الصحفي.
ولكن ليس المعنى من الحيادية والموضوعية في الصحافة هو أن تعمل على توقيف إصدار قوانين تدعم البث الإذاعي الحر ونشر المعلومات في إطار أي قضية مدعاة للدولة وللمجتمع، فمعايير حقوق الإنسان تمنع إجراءات توقيف الصحف الحزبية مثلاً عن الصدور أو الطباعة، رغم أن ذاك النوع من الصحافة يتمتع بصفته الانحيازية لصالح الحزب الذي تصدر تلك المطبوعة باسمه.
المشهد الحالي يشير إلى أن القيود التي قد تحيط بحرية الصحافة ليست فقط قانونية أو سلوكية، بل هناك عوامل عديدة أخرى أبرزها سيطرة المناخ العام على الجسم الصحفي، وضعف عدد كبير من الصحفيين للمطالبة بإعطاءهم حرية أفضل لأن ذلك قد يكون مرهوناً بمستوى الحياة المعيشي الذي قد يتكبده هؤلاء نتيجة الدفاع عن حرية الصحافة، والسكوت في تلك اللحظة بالنسبة إليهم هو أفضل المتكلمين، والنسبة الأكبر من الجسم الصحفي في الأردن يعيشون بمستوى معيشي عادي جداً وهناك نسبة عالية من الصحفيين الأردنيين تعيش في مستوى الفقر ونسبة معينة تعيش دون ذاك المستوى، فلا يتمكن هؤلاء من الدفاع عن حرية الصحافة والدفاع عن حقوقهم من أجل تحقيق المهنية المطلوبة.
من جانب آخر، أصبحت للإعلانات التجارية والعلاقات المباشرة مع أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي أدوار قوية داخل الجسم الصحفي، وهذه مشكلة قديمة حديثة، فللحصول المستمر على الإعلانات الصادرة من كبرى شركات المال والأعمال في الأردن، والتي شهدت في العقد الأخير ازدهاراً كبيراً، فالصحيفة حتى تتمكن من الاستمرار عليها الحصول على الإعلانات، وإذا ما استطاع الصحفيون كشف العيوب والسلبيات التي قد تصدر عن بعض الشركات الكبرى فإنهم في تلك الحالة يكونون عاجزين عن نشر الحقيقة للقراء حتى يحصلوا في المقابل على الإعلانات.
وقد ورد في مواثيق شرف صحفية عديدة عدم قبول الهدايا والهبات المقدمة من قبل كبار المسؤولين وأصحاب النفوذ الاقتصادي دون غاية معلنة من تلك الهبة أو الأعطية، ولكن هناك ممن ينجرون وراء الهبات وأحياناً تكون هبات دون مقدمات، حتى وإن كانت هبة صغيرة.
من ناحية أخرى، ما يطلب بعدم نشره مثلاً أثناء اللقاء الصحفي يعد أحد أهم ما يجب على الجمهور معرفته لقياس الواقع المرحلي للمجتمع والوضع الاقتصادي إلا أن سكوت الصحفيين عن النشر عندما يطلب منهم ذلك يكون سكوتا منطقياً، ففي حال قام الصحفي بنشر ما طلب منه أن لا ينشر "Off Record" فقد يتعرض لحظتها لعقاب من رئاسة التحرير وقد يفصل من المؤسسة الصحفية التي يعمل بها، فصاحب التصريح سيقوم بإبلاغ المؤسسة عن هذا الفعل الذي قام به الصحفي وبالتالي فإن الأعطيات وعكسها يصبح أمراً مقيداً ليس فقط في مجال الحصول على المعلومات بل على نشرها أيضاً.
كل القضايا السابقة أصبحت حالياً عبئاً ثقيلاً على كاهل حرية الصحافة في الأردن، فيما تبدو الدعوات المشددة على المهنية لدى الصحفيين كـ"مقص رقيب" يربك الصحفيين أثناء إعدادهم أو تفكيرهم بالمادة الإخبارية، بدل أن تكون العكس.
ومن المؤشرات البارزة كمثال على ذلك، هو ميل رؤساء التحرير لاختيار المواد والتقارير التي يأخذون قرار إعدادها مسبقاً من قبل الصحفيين الذين بالتالي سيقومون بمتابعة ما طلب منهم، وبات تحفيزهم للحصول على المعلومات الخاصة والمميزة ضئيلاً لعدم استجابة الصحفيين لمثل هذا المطلب الذي أصبح في كل تلك الظروف أمراً صعباً، حيث وإن حصل الصحفيون على المعلومات فهم في نهاية المطاف قد لا يستطيعون نشرها، أو أنهم يقررون عدم إنتاجها وتقديمها للنشر لأنها ستكون في نهاية المطاف معتقلة في ملف "الرقابة الذاتية" وأحياناً "المهنية" أو لا أحد يدري من يعتقلها.
الباحث الإعلامي: محمد غنيم
mgnaim@yahoo.com
التعليقات (0)