مواضيع اليوم

في الوصاية على الدين.

محمد مغوتي

2010-03-22 10:49:57

0

                                              في الوصاية على الدين.
     أقرأ في كثير من تعليقات المدونين وغيرهم من الذين يتصفحون " مدونات ايلاف " سوء فهم كبير كلما تعلق الأمر بآراء تتناول الفكر الديني بالتحليل و النقاش. وهو ما دفعني الى توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذا الموضوع لسببين، أولهما أنني جزء من هذه المعمعة، فقد تعرضت لهجوم عنيف من طرف بعض الاخوة الذين فهموا بعض الآراء التي عبرت عنها في مواضيع سابقة فهما خاطئا ( من وجهة نظري طبعا)، فاعتبروا تلك الأفكار تجنيا على الدين الاسلامي. أما السبب الثاني وهو الأكثر الحاحا، فيتجلى في رغبة خاصة في فتح نقاش عقلاني وهادئ بين المهتمين بهذا الشأن. وما سيأتي في هذه الورقة انما يعبر عن موقف شخصي قابل للنقاش دون أن يكون فيه أي تجن على أحد، ودون أية مصادرة للحق الطبيعي لكل فرد في التعبير عن آرائه بكل حرية واستقلالية.
      ان العائق الحقيقي الذي يحول دون بلوغ عتبة التناول المسؤول للفكر الديني بين أوساط من يهمهم الأمر هو وضع المواقف التي تتناول هذا الموضوع في اطار الأقاويل الجدلية. وهو وضع من الطبيعي أن لا ينتهي بجديد يذكر، لأن الخطاب الجدلي يتأسس على قوة الاقناع والتأثير بغض النظر عن الوسيلة المعتمدة في ذلك. وهكذا ينحصر النقاش حول حضور الدين في المجتمع بين قطبين يتحاوران بتطرف. وهو مايفقد ذلك الحوار مصداقيته. ويظل مراوحا لمنطوق المثل العربي القائل : " أسمع جعجعة ولا أرى طحينا "... وهذه حقيقة تشهد عليها مساحة الاهتمام الذي حظي به الموضوع منذ ما يسمى ب "عصر النهضة" الى اليوم. فقد كتبت آلاف المؤلفات و المقالات في الموضوع. ومازال نفس النقاش مستمرا بنفس الأدبيات، و بذات الاتهامات المتبادلة بين المواقف المختلفة.
      عندما نضع الفكر الديني في المجتمع الاسلامي موضع نقد ومساءلة، فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال رفضا للدين كرسالة سماوية تتجسد في المجتمع على شكل عقائد وعبادات ومعاملات...وانما يتعلق الأمر بنقد أشكال تصريف الخطاب الديني داخل المجتمع. ان المقصود هنا هو محاولة مراجعة هذا الخطاب باستمرار حتى يكون الدين متجددا ومسايرا لروح العصر. وهو مطلب يحقق صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان بشكل واقعي. اذ مازلنا نشتغل بأنماط تأويلية للنص القرآني والحديث النبوي من منتوج تراث القرون الوسطى. وفي هذا مفارقة عجيبة بين دين كوني يدعو للعقل والعقلانية، ويتوجه الى العالمين برسالة السلم والتعايش وتكريم الانسان من جهة، وممارسة لا تترجم هذه الحقيقة عمليا من جهة أخرى. وتجد هذه المفارقة ترجمتها الفعلية في الهوة العميقة بين القول والفعل. وتلك هي عين الأزمة في العقل الاسلامي الذي بات نتيجة لتلك الفجوة، ينتج خطابات مغرقة في البدائية و السذاجة ولا تستقيم مع المنطق العلمي الذي أصبح لغة العصر. وقد تتبعنا في الآونة الأخيرة عددا من الفتاوى المثيرة للجدل، وذلك بسبب هذا الفكر النكوصي الذي يستهويه دوما فعل التحليق خارج التاريخ، والعمل على استدعاء آليات الماضي لتحليل الواقع الحاضر.
     اننا نعيش في العالم الاسلامي وضعا ثقافيا يستعصي على الفهم. ويبدو أن التوظيف الايديولوجي للدين بأشكاله المختلفة أدى الى قلب الأوضاع رأسا على عقب. فبدل أن يمارس الدين دوره المطلوب في النهوض بالمجتمع و توحيد صفوفه، أصبحنا نعيش اليوم تجاذبات مختلفة اضحى معها الدين عاملا للفرقة لا للوحدة. وعوض أن ينصب النقاش الحقيقي على التفكير في السبيل الى الانطلاق من التجربة الروحية للمسلمين كمحدد لمواجهة متطلبات العصر الحديث، وتقديم الأجوبة المنتظرة للأسئلة الراهنة، بتنا ندور في حلقة مفرغة لا تتسع لأكثر من فقه الوضوء والتيمم، ولا تتجاوز خطابات التحريم والتكفير...والسبب في كل هذا اللغط والخبط هو الفراغ الفكري المهول الذي أفقد المسلمين البوصلة وسط أمواج العولمة العاتية، فأصبح التيه عنوانا للعصر الاسلامي الجديد.
     ان المشكلة اذن لا تكمن في الدين نفسه، فهو منهج روحي متميز، بل تتجلى في الأشكال التي يراد بها للناس أن تفهم هذا الدين وتمارسه في الحياة... وعندما نسلط الأضواء على واقع الحضور الديني في وجدان وحياة المسلمين في العالم الاسلامي، فذلك لا يعني أننا نستطيب تقديم رقابنا لمقصلة التكفير. اذ لا وصاية لأي أحد على الناس.
                                                       محمد مغوتي. 22/03/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !