الأحزاب السياسية الفرنسية.
يقوم النموذج الفرنسي على التعددية الحزبية. تتنافس فيه الاحزاب السياسية لإيصال ممثليها الى الجمعية الوطنية, وبالتالي لجعل مشاريعها التي تناضل من اجلها واقعا ملموسا تستند عليه مشروعيتها, ويُمكّنها من النفاذ الى مراكز القرار طيلة وجودها في السلطة, او التأثير فيه ان كانت في موقع المعارضة.
تواجه هذه الأحزاب مشاكل أساسية منذ نشأتها والى اليوم. يمكن حصرها في مشكلتين أساسيتين: الحصول على ثقة المواطنين بها, والتوسع جماهيريا لزيادة عدد أعضائها. فمجموع أعضاء الأحزاب مجتمعة لا يتعدى 500000 عضوا يمثلون 1 % من عدد السكان البالغين. (فرنسوا بلاتون . الأحزاب السياسية في فرنسا 2003). عرف العديد منها تحولات خلال مسيرتها: انشقاقات وتحالفات, واعادة هيكلة, وخاصة قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية. وحتى تغيرات بأسمائها وبعض توجهاتها المبررة بطبيعة المرحلة.
ومع ذلك فان ثقة المواطنين بهذه, وبشكل خاص منذ تداولها على السلطة منذ عام 1981 ما زالت في تراجع واضح وكارثي احيانا, ويعود ذلك إلى عدم وضوح سياساتها وواقعية مشاريعا التي كثيرا ما تفتقد الى المصداقية ولا تتناسب مع الاحجام الفعلية لبعض تلك الاحزاب. ولتحالفاتها الانتهازية التي كثيرا ما تدهش اعضاءها فضلا عن الناخبين المستقلين. لم يقدم اي منها خلال وجوده في السلطة او المعارضة, حلولا جذية او مرضية نسبيا للمشاكل الرئيسية كالبطالة والتعليم, والصحة والتقاعد والامن ... ولا اهتما حقيقيا وفعالا بمشاكل المواطنين. تهتز هذه الثقة بشكل كبير في كل مرة يتم الكشف فيها عن قضايا الفساد المالي والسياسي التي طالت وتطال العديد منها. يضاعف من ذلك كله التنافس بين قادتها وبين تياراتها والتطلع للسلطة قبل كل شيء.
الدليل المادي على عدم الثقة هذه انه الأغلبية البرلمانية لم تستطع, منذ 20 عاما, الاحتفاظ بسلطتها لأكثر من دورة انتخابية واحدة. وان اعداد الممتنعين عن التصويت في كل انواع الانتخابات, كما تبين الاحصاءات, في تزايد. ويبينه كذلك رفض التصويت لصالح المعاهدة الدستورية الأوروبية لعام 2005 رغم مساندة غالبية الاحزاب السياسية لها. وهذا ما يظهر ان الجمهورية الخامسة لم تعد بخير وان ازماتها في ازدياد. حتى ان افكارا جادة ومسموعة تطالب من وقت لآخر بإصلاحات جوهرية تطال عمق النظام السياسي, وحتى التفكير بإقامة ما يمكن ان يسمى الجمهورية السادسة. قادرة على استيعاب التطورات الحالية للمجتمع الفرنسي, واغناء مواطنية أكثر مساهمة في البناء الديمقراطي. خاصة وان البناء الأوروبي يتطلب التخلي, لصالحه, عن العديد من الخصوصيات المحلية العزيزة على نفوس الفرنسيين.
سوف نشير لاحقا إلى أهم هذه الأحزاب,( دون ادعاء الإحاطة الكاملة بها, فعلى الراغب في ذلك العودة إلى المؤلفات الرئيسية بهذا الشأن ونذكر منها: الأحزاب السياسية. لموريس ديفرجيه.. 1976. الأحزاب السياسية في فرنسا اليوم. لبوريلا فرنسوا. 1990 . . الأحزاب السياسية الفرنسية, الدراسات. الوثائق الفرنسية. 2001, بيرشون . مؤسسات وحياة سياسية. 2005 . إضافة لإعمال ونشرات متخصصة لا يحصى عددها ) .
بعض الاحزاب السياسية لها تاريخ عريق, وبعضها دون تاريخ يذكر, وبعضها ليس الا تجمعات وكتل صغيرة وغير ثابتة تنشأ قبيل الانتخابات الرئاسية او التشريعية وتتلاشى أو تندمج في غيرها بعدها, بحيث يصبح دخولها تحت تعريف الحزب غير دقيق. ورغم ذلك يجري تصنف الاحزاب السياسية الفرنسية, تحت صفتين اساسيين: يمين ويسار. وهناك وسط في كلا التوجهين واقصى يمين واقصى يسار .. (أصل التسمية يمين ويسار يعود إلى المكان في الجمعية التأسيسية لعام 1789 حيث كان يجلس أنصار الملكية , الى اليمين, وأنصار السلطات الجديدة, الى اليسار, وهذا الفصل بين المواقع مازال معمول به إلى اليوم) . من الجدير بالذكر أن في الانتخابات التشريعية لعام 2002 قد استُعملت أكثر من 50 سمة حزبية.
لم تكن فرنسا أول البلدان الغربية التي تظهر فيه الأحزاب السياسية. فظهورها ارتبط بالنظام البرلماني في القرن السابع عشر في بريطانيا الملكية. حين تطورت الكتل النيابية إلى حزب سياسي بالمعنى الحالي. كما ظهرت أحزاب من خارج البرلمان منبثقة عن التنظيمات التي لم تكن بالضرورة سياسية. فحزب العمال البريطاني تشكل من اتحاد النقابات العمالية. وقد حلت الأحزاب السياسية محل الكتل النيابية واللجان المحلية للنبلاء. توجه نشاطها بالدرجة الأولى للانتخابات التي لم تعد النقابات تعطيها أولويتها تاركة ذلك للأحزاب. وعليه تفردت هذه الاخيرة بخصائص مختلفة عن تلك التي تُعرف بها النقابات, و جماعات الضغط, أو الحركات الأخرى.
في فرنسا كان يجب انتظار أواخر القرن التاسع عشر لظهور المفهوم الحديث للأحزاب السياسية. في الأيام الأولى للثورة الفرنسية 1789 ظهرت نواد club تشبه من بعض الوجوه الأحزاب السياسية الحديثة. ومنها ناد اليعقوبيين وكان من أهم أعضائه روبسبيير (1758 ـ 1794 ) و سان غيست (1767 ـ 1794 ) .
حسب القاموس الفرنسي" روبير" يعود أصل كلمة " حزب " إلى المصطلحات العسكرية . وأصبحت تعني في بداية القرن العشرين "مجموعة أشخاص تدافع عن نفس الرأي". ومن أشهر التعاريف التي أعطيت للأحزاب السياسية تعريف جوزيف بالومبرا وماريون وينار, على أنها تمتاز بأربعة خصائص أساسية: وجود تنظيم دائم. كامل. إرادة ممارسة مباشرة للسلطة. إرادة البحث عن مساندة شعبية. ولعل التعريف الأكثر استعمالا هو أن الحزب السياسي عبارة عن جمعية منظمة بشكل دائم متواجد على كامل إقليم الدولة بهدف للوصول إلى السلطة وممارستها على المستوى الوطني.
يرى موريس ديفرجيه ان نظام الأحزاب هو نتيجة عوامل عديدة ومعقدة. منها العام. ومنها ما هو خاص بكل بلد. ويمكن حصر العوامل العامة في ثلاثة أساسية: عوامل اجتماعية و اقتصادية تتعلق بشكل أساسي بتأثير البناء الطبقي الاجتماعي على الأحزاب السياسية وهذا التأثير كبير. عقائدية. فالعقائد السياسية تتعلق بالوضع الطبقي. عوامل تقنية متعلقة بالانتخاب. أما فيما يتعلق بالعوامل الخاصة بكل بلد فيمكن الإشارة إلى: التقاليد والتاريخ , والمعتقدات الدينية , والتركيب الاثني, والتنافس القومي.
في الإطار القانوني لتنظيم الأحزاب أشارت المادة الرابعة من العنوان الآول, من الدستور الفرنسي ( للجمهورية الخامسة) إلى أن الأحزاب والتجمعات السياسية تساهم في التعبير عن الاقتراع. تتشكل وتمارس نشاطها بحرية. ويجب أن تحترم مبدأ السيادة القومية والديمقراطية. ولم يشر الدستور إلى الأحزاب إلا على أنها مساهمة في النشاط الانتخابي متجاهلا أدوارها الأخرى في الحياة الديمقراطية. ولم يضع أية قيود على تشكيلها أو عملها ونشاطها, وحريتها مطلقة طالما بقيت تحترم المبادئ الأساسية للنظام السياسي.
تصنيف الأحزاب السياسية الفرنسية.
تتشكل هذه الاحزاب, وتمارس نشاطها بحرية كاملة, وعليها, وهما كانت توجهاتها, احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية ..ويشمن القانون التعبير المتعدد عن الآراء والمشاركات المنصفة للاحزاب والتجمعات السياسية في الحياة الديمقراطية للوطن.
سنكتفي هنا بالإشارة السريعة لبعض الأحزاب, التي تقع تحت تصنيف اليمين , و تلك التي تصنف على أنها أحزاب يسارية.
ـ أحزاب اليمين
UMPـ الاتحاد من اجل حركة شعبية.
حزب سياسي كان يسمى عند تشكيله الاتحاد من اجل أغلبية رئاسية لمساند شيراك في انتخابات عام 2002 . يضم التجمع من اجل الجمهورية RPR الذي يستوحي الديغولية والدور التاريخي للرئيس ديغول. ويشبه حزب المحافظين في بريطانيا. وحزب الديمقراطية الليبرالية. التحق به ثلثي نواب الاتحاد من اجل الديمقراطية الفرنسية UDF وهو في حقيقته تجمع من القوى الديغولية الليبرالية واليمين الوسط. ( الحزب الوحيد الذي أسسه ديغول بنفسه هو RPF , 1947 ـ 1953 ).
وقد أعلن في برنامجه الانتخابي لعام 2007 ان هدفه الأساسي هو إعطاء السياسة الفرنسية " نفسا جديدا". ودفع المواطنين للتخلي عن الحذر من السياسة. وجعل شعاره : " الاستماع للمواطنين. العمل معهم. العمل من أجلهم". ويقوم على نظرية الحرية الاقتصادية ورفض النظم التي تقيد الاقتصاد. والإيمان بالفردانية. والتصدي بعنف لسياسة اليسار . كما ينادي بتشجيع العمل ومكافأته. وتشجيع الجدارة والابتكار. بهدف خفض البطالة. وبالتالي خفض كل ما يترتب عليها من مشاكل اجتماعية واقتصادية. والاحترام الكامل للقانون. يدعي أن عدد أعضائه بلغ 347000 عضوا عام 2007.
الاتحاد من اجل الديمقراطية الفرنسية UDF
واجه الاتحاد منذ نشأته مشاكل علاقاته بالديغولية. كان يناضل من اجل إثبات استقلاله تجاه حلفائه. وقام على مساندة فالري جيسكار ديستان في حملته الرئاسية, جاعلا هدفه تجميع أحزاب الوسط واليمين غير الديغولي, لمواجهة الحزب الديغولي RPR . لا يعتبر الاتحاد حزبا وإنما تجمعا من اتحادات مثل : الحزب الجمهوري. PR . الوسط الديمقراطي الاجتماعي CDS . الحزب الاجتماعي PSD . الحزب الشعبي من اجل الديمقراطية الفرنسية PPDF . ومن الأعضاء الذين دخلوا مباشرة للاتحاد من اجل الديمقراطية الفرنسية دون أن يكونوا أعضاء في الأحزاب المكونة لهذا الاتحاد. (فرنسوا بلاتون. المرجع السابق).وقد بقي فرنسوا بايرو رئيسا لهذا الاتحاد إلى أن انفصل عنه حديثا و شكل حزبه الجديد, الحركة الديمقراطية MoDem .هذا الحزب الوسطي عرف بعض النجاح في ايام تشكيله الاولى بفضل ديناميكية مؤسسه وخاصة بخد النتيجة في الانتخابات الرئاسية حيث جاء بايرو في الموقع الثالث, ولكنه بعدها اخذ يعرف انتكاسات وتراجعا كبيرا اظهرته الانتخابات المحلية ..
لم يستطع الاتحاد المذكور إبراز هوية خاصة به. ولا التغلب على الخلافات التي تسود العلاقات بين مكوناته. وقد تحدد دوره في التنسيق لاختيار المرشحين التابعين له في للانتخابات. بلغ عدد المنتسبين للاتحاد 100000 منتسب عام 2003 ليتقلص إلى 33000 منتسب عام 2007.
الجبهة الوطنية FN
تتشكل الجبهة الوطنية من تيارات تقع في أقصى اليمين : بقايا ملكيين. من تبقى من المعجبين بحكومة فيشي, والمتعاونين مع النازية. كاثوليك متطرفين. قدماء أنصار الجزائر فرنسية. قوميون متطرفون.من توجهات مختلفة. مؤسس الجبهة جان مار لوبان. اسمها الأساسي الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية. تصنف على أنها حزب يميني متطرف ذو نزعة فاشية.
طروحاتها السياسية حسب برامجها الانتخابية تتمثل في :
ـ تقييد الهجرة. باعتبار المهاجرين خطر حقيقي وحال على الثقافة الفرنسية.
ـ إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وكذلك أبناءهم ممن يحملون الجنسية الفرنسية, في حالة ارتكابهم لجنحة أو جناية وتطبيق ما يعرف بازدواجية العقوبة ضدهم.
ـ تعزيز السيادة الوطنية في وجه الولايات المتحدة الأمريكية, والمنظمات الدولية كالحلف الأطلسي, والاتحاد الأوروبي.
ـ الحفاظ على التقاليد الفرنسية في الحياة اليومية, وإيقاف بناء المساجد.
ـ إعادة عقوبة الإعدام. وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب, والمخدرات, والاعتداء على القاصرين والمسنين.
حتى عام 1983 كانت الجبهة هامشية و لا وزن لها في الحياة السياسية. بعد هذا التاريخ تزايد عدد مناصريها. ليصل رئيسها إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 , ويحصل على 17,8 % من أصوات الناخبين. أي ما يعادل 5,5 مليون ناخب.
استطاعت الجبهة الوطنية استغلال الأزمة الاقتصادية المستمرة. والبطالة, وانعدام الأمن في العديد من المناطق, ومن ملفات الفساد المالي والسياسي لبعض أحزاب اليمين واليسار. انشق عنها, عام 1998, الرجل الثاني فيها برينو ميكريه وأسس حزبا خاصا به يحمل نفس الأفكار المتطرفة.
تلقى مواقف الجبهة الوطنية من الهجرة والمهاجرين والمسلمين استنكارا كبيرا من منظمات حقوق الإنسان والمثقفين . و تعتبرها في توجهاتها وممارساتها فاشية. يتواجد ناخبو الجبهة الوطنية بشكل أساسي في النصف الشرقي من فرنسا. و خاصة جنوب شرق الالزاس, وفي محيط باريس. والمناطق التي تعاني من الأزمة الاقتصادية. واشد المعارضين لها هم من النساء, والكاثوليك المتدينين المعتدلين, والمدرسين في كل درجات التعليم. والمثقفين ثقافة عالية. بلغ عدد منتسبيها عام 2007 حسب بياناتها الرسمية 40000 منتسب.
ولكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر ماي/ أيار 2007. والانتخابات التشريعية التي تلتها , كانت صفعة قوية للجبهة بين مدى حجمها الحقيقي. ولم تحصل على أي مقعد في الجمعية الوطنية. مما دفع رئيسها لإعلان حملة يستجدي فيها الفرنسيين لدفع الديون المتربة على الحملة الانتخابية التي لم تستطع بلوغ النسبة القانونية التي تمكنها من الاستفادة من مساعدة الدولة.
الجمهورية التضامنية
في 19 حزيران 2010 أُعلن عن ولادة حزب جديد باسم "الجمهورية التضامنية" مؤسسه دوفيلبان مصرحا بانه ليس حزبا سياسيا يضاف الى القائم من الاحزاب وانما هو "حركة لها مهامها" واعلن انه لا يتخلى عن هويته السياسية "اليمينية" ولكنه لا يشترط بالقادمين الى حزبه او حركته التخلي عن احزابهم التي يحملون بطاقاتها, فلهم حرية الاحتفاظ بها الى جانب بطاقة الحزب الجديد. (مقالنا ولادة حزب جديد في فرنسا).
ـ أحزاب اليسار
سوف نكتفي تحت هذا العنوان بالتعرض للحزبين الرئيسين من أحزاب اليسار وهما الحزب الاشتراكي, والحزب الشيوعي. فمساحة هذا المقال لا تسمح بالتعرض لأحزاب البيئية. والخضر, والراديكاليين واليسار المتطرف ,على الرغم من نتيجة الانتخابات التشريعية التي اعتبروها مرضية نسبيا.
ـ الحزب الاشتراكي.
عرف الحزب الاشتراكي الفرنسي خلال تاريخه انشقاقات وانقسامات . وهو اليوم الحزب الرئيسي الأول لليسار. نشأ عام 1905 في مؤتمر كلوب Globe في باريس من اتحاد الاشتراكيين, الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي الثوري PSR في أعقاب مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام 1914 وأصبح " الفرع الفرنسي للدولية العمالية SFIO "قاده جيل كيسد Jules Guesde , ثم جان جوريس Jean Jaurès وادوار فيلان Edouard Vaillant وبول لافارك Paul Lafargue . واثر الحرب العالمية الأولى وقيام الثورة البلشفية الروسية حدث انشقاق في الحركة الاشتراكية على المستوى العالمي. و انشأ لينين وأنصاره الدولية الثالثة . عام 1920 في مؤتمر تور, قررت غالبية الفرع الفرنسي للدولية العمالية الانضمام إلى هذه الدولية واخذ بعدها اسم الحزب الشيوعي . مما نتج عنه بروز حزبين يدعي كل منهما انه الممثل الوحيد للطبقة العاملة.
عام 1936 تشكلت الجبهة الشعبية التي ضمت الحزب الشيوعي الفرنسي والفرع الفرنسي للدولية العمالية والحزب الراديكالي. وفازت في الانتخابات التشريعية التي جرت في 3 ماي/ايار 1936 وحصلت على 376 مقعدا من أصل 618 مجموع مقاعد الجمعية. وشكل جان بلوم ولأول مرة حكومة اشتراكية.
خلال الحرب العالمية الثانية انشق الفرع الفرنسي للدولية العمالية فساند تيار منه حكومة فيشي والتيار الآخر الذي يشكل الغالبية التحق بصفوف مقاومة الاحتلال النازي. ضعف الحزب في ظل الجمهورية الرابعة (1946 ـ 1958 ) وكان لمواقفه من الحرب في الجزائر ومن الجنرال ديغول اثر في موقعه في المعارضة.
عام 1960 عرف الحزب الاشتراكي الموحد بزعامة ميشال روكار مدا كبيرا في أوساط الطلاب والمثقفين. رغم ما كان يمر به من صعوبات داخلية. وفي عام 1965 استطاع اليسار أن يقدم مرشحا وحيدا للرئاسة في مواجهة ديغول وهو فرنسوا ميتران الذي حصل على نسبة 32% من الأصوات في الدورة الأولى و 45% في الدورة الثانية. مما سهل قيام فدرالية اليسار الديمقراطي والاشتراكيين والراديكاليين. التي انحلت بعد أحداث عام 1968.
عام 1971 وفي مؤتمر ايبناي Epinay تشكل الحزب من قدماء الفرع الفرنسي للدولية العمالية , ومن أعضاء من نواد سياسية وحركات يسارية بزعامة فرنسوا ميتران. وقد أعلن هذا الأخير رفض التحالف مع اليمين وتمتين علاقاته مع اتحاد اليسار بهدف جعل الحزب الاشتراكي الأقوى في اليسار الموحد. والحزب الأول في فرنسا لتمكينه من الوصول للسلطة.
وقد عرف الحزب الاشتراكي تزايدا مضطردا في عدد منتسبيه. فمن 80000 منتسب عام 1971, إلى 150000 عام 1975, و 180000 عام 1978 و 213000 عام 1982. 125000 عام 2003 ليصبح 220000 عام 2007.
الحزب الشيوعي.
في اجتماع تور في 30 ديسمبر 1920 انضمت أغلبية من الاشتراكيين من الفرع الفرنسي للدولية العمالية إلى الشيوعية الدولية التي أسسها لينين عام 1919 بعد الثورة الروسية. والتزم الشيوعيون الفرنسيون بمقررات هذه الدولية. وأصبحوا يعرفون ب" الفرع الفرنسي للدولية الشيوعية SFIC ". وبقيت هذه التسمية حتى عام 1943.
التزاما بسياسة الدولية المذكورة لم يعد يتبنى الحزب مهادنة الأحزاب التي اعتبرها أحزابا برجوازية. بما فيها الفرع الفرنسي للدولية العمالية. في عام 1924 حصل الحزب المذكور على 26 مقعدا من مقاعد الجمعية الوطنية, ثم عاد ليفقد نصفها عام 1928 .
ولكن اثر أحداث عام 1934 وضع موريس تويز Thorez الأمين العام للحزب سياسة جديدة اقل حدة فيما يتعلق بالتحالفات. وكانت ثمرة اتفاقهم على " البرنامج المشترك" مع الاشتراكيين والراديكاليين حصولهم على نسبة 15% من أصوات الناخبين و 72 مقعدا في الجمعية الوطنية. وساند الحزب حكومة بلوم الاشتراكية دون المشاركة فيها.
بعد تحرير فرنسا من الاحتلال النازي أصبح الحزب الشيوعي من الأحزاب السياسية الفرنسية الرئيسية وحصل على 29% من أصوات المقترعين. وأصبح له حضور معتبر في المناطق الفرنسية. واشترك وزراء منه في الحكومات الفرنسية المختلفة بين عام 1944 إلى 1947.
اثر قيام الحرب الباردة عام 1947 بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي واضطرار موريس توريز للذهاب للعلاج في الاتحاد السوفيتي والبقاء فيه مدة طويلة ,حدث في الحزب نوع من الاختلاف الإيديولوجي وتم طرد عدد كبير من أعضائه. وبعد موت ستالين عام 1953 والتغيرات في تقييم المرحلة ومحاولات الخروج من الستالينية . وبتأييد الحزب الشيوعي الفرنسي للتدخل السوفيتي ضد الثورة الشعبية في هنغاريا عام 1956, زاد تعقيد الأوضاع الداخلية للحزب, وتراجع التأييد الشعبي له. فاقم ذلك كله خلافات مع ديغول بعد عودته للحكم 1958.
في أحداث ماي عام 1964 لم بساند الحزب الشيوعي في الوقت المناسب الحركة الطلابية التي اعتبرها دون برنامج ودون أهداف إيديولوجية واضحة. ولكنه عاد, متأخرا , للانضمام إليها بعد الإضراب الذي سانده الاتحاد العام للعمل CGT .
وبحثا عن الدعم لرفع شعبيتهم من جديد وقع الشيوعيون برنامج عمل مع الحزب الاشتراكي عام 1972 كانت له نتائج عكسية عليهم, لتصب في فائدة هذا الأخير. مما جعلهم يتخلون عن البرنامج المذكور عام 1978
في المجال العقائدي تخلى الحزب عام 1976 عن المرجعية السوفيتية متوجها نحو نموذج شيوعي أوروبي. وتخلى عن النظرية الماركسية في دكتاتورية البروليتاريا prolétariat معلنا استقلاله الكامل عن موسكو. وتأييده لمفهوم الحريات العامة. وبدا ذلك من تغيير الخطاب السياسي الذي كانت تنشره جريدة الحزب لومانيته l’Humanité ابتداء من العام المذكور.
منذ عام 1980, واتساع الخلافات في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي, أخذت شعبيته تنهار سريعا. وحاول, من موقع الضعيف, أن يعدل ذلك عن طريق الاشتراك في حكومات اليسار, حتى عام 1984, ولكن كل ذلك لم يخدم إلا مصالح الحزب الاشتراكي. و زادت حدة هذا التراجع بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي.
تبين نتائج الانتخابات هذا التراجع, فمن الحزب الأول في فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة الى حزب تجاوزته تكتلات صغيرة لا تاريخ ولا نضال لها:
عام 1981 حصل جورج مارشيه الأمين العام للحزب في الانتخابات الرئاسية على 15 % من أصوات الناخبين,
عام 1984 حصلت لائحة مارشية للانتخابات الأوروبية على 11%.
عام 1988 حصل مرشح الحزب الشيوعي لرئاسة الجمهورية ,انديه لاجواني , على 6,75%.
عام 2002 حصلت مرشحة الحزب, الأمين العام, السيدة ماري جورج بيفه على 3,37%
عام 2007 حصلت نفس المرشحة للرئاسة على 1,93%.
وأخيرا, لا يسمح العرض السريع الحالي للأحزاب بالإشارة الى احزاب الخضر, البيئة, رغم تزايد دورهم واهمية تحالفاتهم مع غيرهم من الاحزاب في التأثير في نتائج الانتخابات الرئيسية..
ومع ذلك لا بد من الاشارة الى مكان الفرنسيين من أصول مهاجرة في الاحزاب السياسية.
الواقع ان لا وجود لأحزاب من أصول مهاجرة. وان تواجد هؤلاء في الأحزاب القائمة المشار إليها أعلاه, موزع بين يمين و يسار و وسط. وتبقى نسبتهم لا تتلاءم مع أعدادهم في فرنسا. وهذا ما يجعلهم خارج الجمعية الوطنية Assemblée nationale وخارج كل تمثيل. الأمر الذي يعيب تكوين الجمعية المذكورة. خاصة وان ألف باء الديمقراطية يقتضي ان يكون لهؤلاء تمثيل فعلي يتناسب مع عددهم الذي يتجاوز المليونين.
ــ لاشك أن الناخبين من أصول مهاجرة يتأثرون بنتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية. ولكن السؤال هل سيبقون غائبين عن الجمعية الوطنية؟ وهل المسألة تعود لخلل في الآلية الديمقراطية؟ ام في جوهرها ؟. ام في لامبالاة هؤلاء باللعبة السياسية, وعدم الثقة بالسياسيين من خلال تجاربهم الخاصة؟. ام في تأصل ازدواجية الانتماء؟. ام في الحذر الناشئ من مفهوم الاندماج؟. أم من حذر الفرنسيين ذوو الاصول فرنسية, من مواطنيهم ممن يختلفون في اصولهم عنهم, لعدم الالتزام, كما يقدرون, بواجبات المواطنية؟ ــ ودليلهم ما تعكسه بين حين واخر توترات واضطرابات وهبات عنيفة تمس المنشآت والمؤسسات والمال العام, سببها مطالبات تتعلق بمسألة الحجاب او النقاب .. وعدم الاحتجاج أو المشاركة الفعلية في الجهود القانونية للتصدي للازمات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية, التي تطالهم قبل غيرهم, والتي تنظمها النقابات العمالية والمهنية ــ أم في القبول بنوع من مواطنية مختلفة, وحتى من الدرجة الثانية, وبالتالي الابتعاد عن الحياة والفاعليات الوطنية؟.
ــ لا شك أن سوء التنظيم وعدم وضوح الرؤية عند الغالبية من هؤلاء المواطنين لا تقول بإمكانية التمثيل حاليا. ولا تبشر به سلوكيات ومناورات الاحزاب السياسية الفرنسية في سعيها الانتهازي للاستفادة من اصوات هؤلاءــ سياسات بعض احزاب اليسارــ. ولا مزاودات اليمين واليمين المتطرف للحصول على الاصوات المعادية لمن هم من اصول مهاجرة.
ــ ولا شك ان المقاعد في الجمعية الوطنية وفي المؤسسات الوطنية والإقليمية, والأوروبية المنتخبة, لا تقدم هبة. فالطريق طويل أمام المواطنين من أصول مهاجرة للوصول إليها. والديمقراطية دون مشاركة جميع المواطنين ديمقراطية ناقصة. وعليه فان عدم المشاركة هذه مهما كان سببها يعيب النموذج الديمقراطي شكلا وجوهرا.
ويبقى ان لا بد من الاشارة الى ان العديد من الدول في أوروبا وخارجها اخذت عن النموذج الفرنسي الكثير من افكاره وآلياته, ولا سيما في التنظيم الاداري, والتعليمي, والصحي, والضمان الاجتماعي, والتنظيم القضائي بشكل خاص...
وتتطلع العديد من الدول الاوربية القادمة حديثا الى الديمقراطية للأخذ, بعد دراسات معمقة ,للكثير من تجارب هذا النموذج, وخاصة تلك التي اثبتت واقعيتها ونجاحها.
و يبقى ان المؤسسات الراسخة والتقاليد الديمقراطية العريقة التي انضجتها التجارب, وحيوية المجتمع, والارادة الشعبية الجريئة والواعية ,ضمانات اساسية في تغلب النظام السياسي على الازمات التي قد تهز النظام الديمقراطي بين فترة واخرى.
ويبقى للنموذج الفرنسي خصوصياته, كالنظام البريطاني الذي سبق ان تعرضنا له في المقال السابق. ولا يمكن ان تتشابه الى حد التطابق الانظمة السياسية ولو كانت تتبنى افكارا تذهب في نفس اتجاه. وتحاول التقارب في البناء.
ويبقى من الممكن ان توجد افكار ومبادئ اساسية صالحة للأخذ بها من قبل الجميع للصفات الانسانية التي تقوم عليها. مثل حقوق الانسان والمواطن وكرامته, والحريات العامة والفردية. والمساواة, والعدالة, وضمان الحقوق الاجتماعية والصحية والتعليمية للمواطن, حتى ضمن الحدود الدنيا. ويمكن لوسائل وآليات التنظيم المرنة والمنفتحة مراعاة الخصوصيات ومستلزماتها دون خيانة الجوهر.
ولكن يبقى من غير الممكن استيراد انظمة او نماذج كاملة وجاهزة للتطبيق. ولا نعتقد ان يختلف في هذا انصار الانفتاح او الانغلاق.
د. هايل نصر
التعليقات (0)