في الفحولة العربية. يرتبط نموذج الرجل العربي في الضمير الجمعي بعدة مواصفات تتحدد في الشجاعة و الشهامة و الكرم... لكن لفظ الرجولة لا ينفصل في التمثلات العامة أيضا عن مفهوم الفحولة. لذلك لا تكتمل هذه الصورة إلا بوجود امرأة ولودة تترجم فحولة الرجل العربي على أرض الواقع من خلال قدرتها على الإنجاب.
هذه الصورة النمطية جعلت المرأة العاقر في المجتمعات العربية عبئا على أهلها وأهل زوجها الذين ينظرون إليها باحتقار. و في أغلب الحالات التي تكون فيها المرأة غير قادرة على الإنجاب، يضطر الرجل إلى تطليقها من أجل إنقاذ شرفه الذي لا يكتمل إلا برؤية أبنائه والتفاخر بهم أمام العشيرة. وزواجه الثاني يعد امتحانا لفحولته تلك. لذلك لا تنفصل شخصية الإنسان العربي عن هذا التصنيف الجنسي الذي مازال مهيمنا على الواقع و إن تغيرت الظروف و تطورت العلاقات الإجتماعية. ومفهوم الفحولة في هذا السياق تجاوز دلالته الجنسية الصرفة ليحضر في اللاشعور الجماعي كممارسة وسلوك.
مازال ذات الخطاب التفاخري سائدا و مهيمنا على العقول. و مازال الماضي حاضرا بكل ثقله على الواقع، بل إنه يقيد إلى حد بعيد النظر إلى الأمام. فالعرب أمة تتطلع إلى المستقبل بأبجديات الماضي لأنها دائمة الحنين إلى أمجاده وبطولاته التي صنعها الرجل الفحل بمشاركة المرأة الولودة التي أنجبت أبطالا صنعوا تاريخا لا يستطيع العرب أن يتجاوزوا عتباته، على الرغم من أنهم يدركون جيدا أن الماضي لا يمكن أن يعود مجددا. ولأن العرب لا يجدون لهم أي دور في خريطة العالم اليوم، فإنهم يكتفون بالتغني بفحولة وهمية لم يتبق منها إلا مستواها الجنسي الذي يتجلى في التوالد و ازدياد النسمات. هذا الخطاب الذي يحتفل بالرجولة العربية في هذا الزمن الرديء تظهر جليا في تعلق الإنسان العربي إلى حد التخمة بعدد من الشخصيات التي أصبحت في خبر كان، ورغم ذلك ما زال حضورها لافتا. و لا عيب في التغني بأمجاد الماضي الغابر من أجل الإبقاء على الذاكرة حية و متوارثة بين الأجيال. لكن في الحالة العربية يبدو الأمر مختلفا، فغياب هذا الدور العربي في عالم اليوم، و في ظل الكوما العربية التي طال أمدها، لا يجد الإنسان البسيط و المغلوب على أمره إلا أن يسترجع تلك اللحظات التي تأسر قلبه كما تأسره حكايات ألف ليلة و ليلة المحبوكة.
وفي ظل العجز العربي الصارخ، لم يعد للكبرياء العربي ما يستند إليه، لذلك يحتمي بهذا الماضي و يعيش الواقع بأبطال رحلوا مع إنجازاتهم و لم يجدوا من يرثهم من بعدهم. ولم يتبق من الفحولة العربية المزعومة إلا كلمات الرثاء الممزوجة بأمل في المستقبل، لكنه أمل ضائع بالقدر الذي ضاعت معه قدرة المرأة الولودة على إنجاب من ينهض بالأمة ويغيرها لا من لا يستطيع فكاكا من سلاسل الماضي و بطولاته الوهمية. محمد مغوتي.08/07/2010.
التعليقات (0)