لا أريد في هذه الصرخة العجلى، والزفرة الحرّى أن أدخل في تفصيلات هذه العلاقات التاريخية الجغرافية الثقافية الاجتماعية النفسية المصيرية المشتركة التي تربط بين الجمهورية التركية والقطر العربي السوري، ومن حوله سائر أقطار بلاد الشام، ومن خلفه أمة العرب جمعاء من المحيط إلى الخليج.. ولا أريد في هذا التعليق السريع على ما يجري بين البلدين من حوادث وأحداث مؤسفة مؤلمة يندى لها الجبين أن أنحاز إلى طرف دون طرف، لأنني لا أرى طرفين اثنين، بل طرفًا واحدًا، ولأنني أقف على مسافة واحدة من سائر الأشقاء في سوريا، والأشقاء في تركيا، والأشقاء في سائر ديار العروبة والإسلام، وفي كافة أرجاء هذا العالم أيضًا دون أدنى تمييز، ودون أدنى انحياز، ودون أدنى اعتبار لعرق، أو لون، أو لسان؛ فالناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار هم الناس، وخير الناس أنفعهم للناس، لا فرق بين هذا وذاك،أو هذه وتلك، أو هؤلاء وأولئك إلا بمقدار ما يقدم كل منهم للآخرين من أعمال البر والخير والمعروف والإحسان.
إن هذه العلاقات السورية التركية المتردية منذ بداية الفتنة الكبرى في سوريا، قد أساءت بشكل غير مسبوق للعلاقات العامة بين البلدين، والعلاقات الخاصة بين الشعبين، والعلاقات المميزة بين سوريا وهذه الحكومة التركية التي قام قادتها قبل مدة وجيزة من هذه الفتنة العمياء بزيارات مثمرة بناءة إلى سوريا، أسفرت عن عقد كثير من الاتفاقات الثنائية، وألغت كثيرًا من الحواجز بين البلدين، حتى أن رجب طيب أردوغان قد وصف آنذاك هذه العلاقات التركية السورية بالعلاقات الاستراتيجية، وبأنها لا يمكن أن تنفصم عراها... ولقد فرح الناس لهذا، وصفقوا له، واطمأنوا إليه، لأنه: يخدم مصالح الناس في البلدين الجارين الشقيقين، ولأنه يعطي هذه المنطقة من العالم مزيدًا من القوة، ومزيدًا من المنعة التي يقف معها كافة الواهمين الحالمين بالسيطرة عليها عند حدهم، ولأنه أولاً وقبل كل شيء يضع العلاقات السورية التركية، والعلاقات التركية العربية في إطارها الصحيح انطلاقًا من الدين المشترك، والمصير المشترك، والتاريخ المشترك، وانطلاقًا من علاقات الود والتعاون وحسن الجوار التي يجب أن تسود كافة ديار العروبة والإسلام.
لقد آن لهذه العلاقات التركية السورية أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الفتنة الكبرى في سوريا، وقبل أن تنضم تركيا إلى هذا المعسكر الذي يناصب سوريا والسوريين العداء، وقبل حادثة الطائرة التركية التي أسقطت فوق الشاطئ السوري، وفوق المياه الإقليمية السورية، وداخل الأجواء السورية التي لا يسمح سوري أو عربي أو تركي حر شريف بانتهاكها.. ولقد آن لهذه العلاقات التركية السورية أن تستثمر في خدمة الأهداف النبيلة السامية لأمة العروبة والإسلام، وخدمة المصالح المشتركة بين البلدين الجارين الشقيقين، وخدمة القيم والمثل العليا، وتوفير الحياة الفضلى لكل المواطنين على الأرض السورية، وعلى الأرض التركية، ولكل شعوب الأرض في كل مكان من هذا الكوكب.
إن العرب والأتراك والأكراد والأرمن وسائر الأقليات والقوميات على سائر الأراضي التركية، وعلى كافة أرض بلاد الشام من لواء الإسكندرون حتى رفح، وإن غير العرب والأتراك والأكراد والأرمن من مسلمين ومسيحيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم في هذا العالم العربي الكبير يستنكرون كل هذا الذي يحدث من إساءة للعلاقات التركية السورية، ويستنكرون كل هذا التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري، وإن كل الناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار يدركون الأسباب الحقيقية التي حدت بهؤلاء وأولئك لافتعال هذه الفتنة الكبرى التي تستهدف سوريا، وأرض سوريا، وشعب سوريا، وتستهدف بلاد الشام دون استثناء ضمن مخططات رهيبة أغلب الظن أنها قد تحطمت على صخرة التصدي لهذه المخططات، وعلى صخرة التحدي لهؤلاء المخططين، وأغلب الظن أنها قد فشلت في تحقيق شيء من أهدافها، وأغلب الظن أنه على الباغي تدور الدوائر، وأنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح، وأغلب الظن أن موقع تركيا الطبيعي هو أن تقف إلى جانب سوريا، والوقوف إلى جانب سوريا والسوريين لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال بهدم هذا البلد، وتخريبه، وإحراقه، ولا يمكن أن يكون بفرض نظام تابع لكل أعداء العروبة والإسلام في هذا البلد، وإنما يكون بالوقوف إلى جانب سوريا أولاً، ومساعدة سوريا باستمرار على الاستمرار في مسيرة الإصلاح، بعيدًا عن الوعيد والتهديد، وبعيدًا عن لغة السلاح الذي لا يرفعه في وجه سوريا إلا كل خارج على مبادئ العروبة ومعتقدات الإسلام.
التعليقات (0)