زارني, صيفا, أخ مقيم في إحدى دول أمريكا اللاتينية. اصطحبته لتعريفه بأهم معالم المدينة التي أقيم فيها. وكنت على يقين بأنه سيعرب لي عن إعجابه بها, تاريخها, حاضرها, نمط البناء فيها, نهر الكارون الذي يخترقها, الجسور المقامة عليه, حدائقها وورودها وألوانها, وهي المسماة la ville rose أو عن مصانع طائرات الكونكورد, التي تركت مكانها لطائرات ايرباص العملاقة 380 A. أو أشياء أخرى تكون قد لفتت انتباهه.
ولكن ملاحظته الأولى جاءت من حيث لم أكن أتوقع أو أفكر. ـ كأنها مدينة بلا أطفال !!!؟. لم أر طفلا واحدا إلى الآن في الشوارع. عندنا لا تعرف كيف تشق طريقك بينهم. كنت, لو أصر, ولإثبات وجودهم, سأصطحبه إلى بعض أماكن تواجدهم في الحدائق العامة, أو المسابح, أو مراكز الترفيه المخصصة لهم, والمكتبات البلدية, والخاصة, وأماكن قضاء العطل الصيفية.. ولكنه وفر جهدا حين بدا كأنه صدق تأكيدي بوجودهم, وهو من لا يعرف عني مبالغة قط.
ــ تذكرت أخي هذا عندما زرت, صيفا, إحدى دولنا العربية. أجيال المستقبل في الشوارع. بائعو علكة بأنواعها المختلفة, واوا رق "يانصيب". ماسحو أحذية, ماسحو زجاج السيارات, قديمها وحديثها, قطع للشوارع من كل الجهات, رغم كل صفارات شرطة المرور المختلطة بالضجيج و التزمير (التطويط) ــ أما إشارات المرور الضوئية ,إن اشتعلت, فهي ليست إلا كشاهد على التحديث المرفوض ــ. أصوات يافعة لا تصمت طيلة النهار منادية على بضاعتها. تسول مقنع, أو معلن.. ملاحقة أبناء البلد و الغرباء لاستدار العطف, أو لبيع, أو .. تنافس بينهم يصل إلى حد الاقتتال. طرد وكلام بذيء من الكبار لدفعهم بعيدا. أما في الطرق الخلفية , وأماكن العمل واستغلال الطفولة, هناك أطفال لا ينادون على أية بضاعة. فالكثير منهم ينتجها, واغلبهم لا يُبقى لهم العمل الشاق المقدرة ليس فقط على المناداة, في عالم أصم, وإنما كذلك على التعبير عن الألم والشقاء.
ــ كما تذكرت قصة بائعة الكبريت ــ التي لم تعد إلا قصة, منذ عصر كبار الأدباء الذين جندوا مواهبهم وأقلامهم للحديث عن البؤس و الشقاء بشكل عام, وبؤس الطفولة بشكل خاص ــ وتساءلت لو بُعث الكاتب حيا في هذا الزمن فعن أي نوع من البيع سيكتب.
كتابنا, المرخص لهم بالكتابة, تشغلهم مواضيع أخرى لا يدخل الأطفال فيها ولا الطفولة, وهل للبالغ الحديث بجدية عن "القاصر". وأين هو من مواضيع التنظير, والتحليل السياسي, والدعوات القومية والأممية, والعالمية, وحديث التآمر المتربص بنا لينزل بمستوى حياتنا ومعيشتنا, ورفاهيتنا, وكرامتنا, و يسلب خيراتنا, وما يبيعه أطفالنا !!!. كلام من عقود مجته العقول والقلوب والأذان, ولم يتعب بعد المبشرون به.
كيف لأولئك المنظرين, المناضلين, أصحاب الدعوات ــ المقرونة بالدعاء بطول العمر والتوفيق والحماية الإلهية للقيادات الملهمة, محررة الإنسان من كل ظلم وقهر وعوز ــ للوحدة والحرية والاشتراكية, أو للحرية والاشتراكية والوحدة , أو لبناء الأوطان, والدولة المحيطية الخليجية بشكل خاص, كيف لهم أن يفسروا أو يوفقوا بين دعواتهم ــ غير القابلة للجدل ــ ودعائهم, غير المبتذل, و بين, على سبيل المثال لا الحصر :
ــ رؤيتهم اليومية للطوابير من الشباب اليافع ــ المتسرب من الطفولة قسرا ــ الواقفة منذ ساعات الفجر الأولى أمام أبواب السفارات الأجنبية, للحصول على تأشيرات دخول إلى الغرب, وهجر الوطن السعيد بما فيه وبمن فيه؟
ـ رؤيتهم, وعلمهم علم اليقين, لما يسمى قوارب الموت, وعدم مقدرتهم, رغم بلاغة الخطابة, على إقناع راكبيها, أكداسا, ــ المتجهة بغالبيتهم إلى العالم الآخر, وبمن تبقى منهم حيا إلى عالم الغرب, والمجهول ــ بالبقاء في المرابع و الحمى والديار, التي ينظمون في حبها الأناشيد الحماسية والأشعار ؟.
ـ استمرارهم في كتابة ما يكتبون دون أي تفكير بأن في أصل التشرد وهجر الأهل والأحباب مثل تلك الكتابات, والممارسات, والتنظير والتبرير, وبيع الكرامة والضمير؟ .
ــ وتذكرت أيضا ما كنت أراه مع العالم اجمع, وعلى مدى شهور وشهور, بعض ما استطاعت نقله المحطات الفضائية العالمية ــ وبشكل خاص العربية المتحمسة جدا للقضية والمستفيدة جدا من تداعياتها ـ من صور ومشاهد لبطولات وانتفاضات متتالية, لأطفال الحجارة في فلسطين ــ قبل أن يحرف بعض الكبار مسار توجه حجارتهم ــ مقاومة أسطورية, أبطالها أطفال, تحدوا جبروت السلاح ووحشية المدججين به. أطفال انحنى أمامهم كل كبار العالم إكبارا وإعجابا. واستصغر الغرب , والفرنسيون منهم بشكل خاص, بطولة الطفل غافروش Gavroche واستشهاده على متاريس الثوار المتصدية للقمع, في بؤساء فكتور هيجو.
ــ ولكن تذكرت أن أخي قد نسي أن يسألني إذا ما كان حال الأطفال في الغرب دائما على ما ذكرته له. وإذا ما بلغت الطفولة شواطئ الأمان.
بالنيابة عنه طرحت السؤال على نفسي محاولا الإجابة بنفسي, وباختصار, لأنه كبعض الكبار, يمل و لا تعنيه كثيرا "قضايا" الصغار.
خلال القرون الماضية لم تكن الطفولة في الغرب تعني ما تعنيه اليوم . و كلمة طفل enfantأصلها لاتيني " infans " تعني الذي لا يتكلم. وكان للأب في عهد الرومان على أبنائه حق الحياة والموت. تجيز له القوانين قبول الطفل عند ولادته أو رفضه. وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن إبعاده أو قتله, وهو ما كان الحال عليه في إسبارطة في اليونان, وخاصة في حالة الطفل الضعيف, أو من يُعتبر غير مفيد للحاضرة cité . وكانت السلطة الأبوية سلطة مطلقة ترسخها القوانين.
في القرون الوسطى, في فرنسا, بقي القانون الروماني سائدا, ولكن مخففا ببعض التقاليد والأعراف, فلا وجود للطفولة, ولا لأي مفهوم لها, يدخل الطفل سن البلوغ مباشرة ,ومنذ سنواته الأولى, ويمارس كل أنواع النشاطات والعمل, وكل ما يقوم به الكبار, ابتداء من عامه الثامن أو قبله, في حالة مقدرته على ذلك, أو حاجة أهله لعمله.
وعرفت نهايات القرن 17 المنع الأول لقتل الأطفال حديثي الولادة بسبب فقر الآباء, أو بسبب الولادات غير الشرعية. ولكان المنع لم يطل "حق" الآباء في طردهم والتنكر لهم . فازدادت أعداد المشردين منهم لتصل الآلاف, يجوبون كل أنحاء البلاد طولا وعرضا, تسكعا, وتسولا, و لصوصية, للحصول على قوت يومهم. وكانت سنوات الجفاف و انتشار الأوبئة تعمم تلك الظواهر وتزيد المآسي, وتنزل بأثمان بيع الأطفال لمن يستطيع إعاشتهم.
عام 1683 انشأ St. Vincent de Paut أول مؤسسة لاستقبال وإنقاذ الأطفال اللقطاء. وبدأ رجال الكنيسة وبعض المهتمين بنشر الفضائل يدعون إلى التمييز بين عالم الأطفال وعالم البالغين. والى توفير بعض الحماية لهم, وتعويدهم على الانضباط, دون أن يدعوا مع ذلك إلى منحهم بعض الامتيازات الخاصة, عدا توفير احتياجاتهم الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
في القرن 18 أخذ الطفل يجد له مكانة اكبر في حضن الأسرة. كما أخد يؤم المدارس . وتكفلت الدولة ببعض المهام التربوية, لتحل بعض الشيء محل الأسرة. و دخل الطفل دائرة شبه المواطن. كما ارتبط مفهوم التربية بمفهوم النظام, والصحة, والنظافة.
وقد نبه روسو إلى أهمية الناحية النفسية عند الطفل, والقوة الكامنة في مرحلة الطفولة, علما بأنه هو نفسه قد ترك أولاده الخمسة دون أي ندم. وبدأ يترسخ لدى الأسرة مفهوم واجب ممارسة تربية أخلاقية وروحية على الطفل.
ورغم بعض التطور في المعاملة والرعاية الأولية, بقيت نسبة الوفيات بين الأطفال في سن مبكرة مرتفعة جدا, تصل إلى 360 في الألف. ولم تنقطع عادة هجر الأطفال وتشريدهم , وبيعهم.
ولكن هذا التطور الطفيف, في مفهوم الطفولة في النظام القديم ( النظام القديم Ancien Régime هو النظام الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية) لم يرافقه أي تغيير في الوضع القانوني للأطفال, فبقوا دون حماية, أو حقوق خاصة بهم. وبقيت السلطة الأبوية على حالها دون أي تعديل, مطلقة ومركزة بقوة في يد الأب, الذي يلعب دور المروض المتعسف, والطاغية.
ولعل سؤالPhilippes Arièrs في نهاية القرن 18 يلخص ما كان عليه الطفل في تلك القرون, وما يؤمل أن يكون عليه مستقبلا: "كيف كان الطفل بالأمس؟ لا شيء. كيف سيصبح في الغد؟ كل شيء".
الأصول الأولى التأسيسية لحقوق الأطفال, والحديث عن الغرب, تجد نفسها في الثورة الفرنسية لعام 1789. فقد اعتبرت الثورة أن الطفل منذ ولادته يتبع الأسرة بصلة الدم, كما أنه تابع للوطن بأكمله "العائلة الكبيرة". حتى أن دانتون ( 1759ـ 1794) اعتبر, بمناسبة الحديث عن تربية الأطفال وتعليمهم, أن " الأطفال يتبعون الجمهورية قبل تبعيتهم لأسرهم". وأعلنت الحرية, والمساواة أمام القانون, والمساواة في التعليم و التربية للجميع. وألغت حقوق الولد البكر. كما ألغت كذلك حق الأب في التأديب ـ الترويض. وقد وصف Cambacérès , واضع مشروع القانون المدني آنذاك, والمساهم في صياغة قانون نابليون لعام 1804 , حقوق الإباء على أبنائهم على أنها حقوق " حماية ورعاية". وواجباتهم تجاههم واجبات "تنشئة وتغذية".
وأنشأت محاكم الأسرة tribunaux de famille لتنظر في المنازعات بين الأزواج, وبينهم وبين أطفالهم. والشؤون الأسرية الخاضعة لاختصاصها.
وجاء القانون المدني لعام 1804 ,ما يعرف بقانون نابليون, ليوسع المكتسبات المتعلقة بحقوق الأطفال. ولكن ليعزز, في المقابل, السلطة الأبوية عليهم. فاعتبر الأب كأنه "القاضي الطبيعي" . والسلطة الأبوية هي رعاية الأسرة, مثلما الحكومة هي رعاية المجتمع. وعاد للأب من جديد حق حبس أطفاله القاصرين والتضييق عليهم. وهكذا وضع الأطفال والنساء تحت السلطة القاسية لرب الأسرة. ولكن القانون الجزائي لعام 1810 اوجد رقابة قضائية قلصت بعض الشيء السلطة الأبوية القوية والمطلقة. وأخذت التشريعات المتعلقة بالتعليم توفر حماية حقيقية للطفولة.
مئة عام بعد الثورة جاء قانون 24 حويليه/ تموز لعام 1889 لينص على ضرورة حماية الأطفال من سوء المعاملة المادية والمعنوية. وإمكانية إلغاء السلطة الأبوية في حالة إدانة الأب بجنحة أو جناية ارتكبت ضد احد أبنائه. كما جرم قانون 18 افريل/ نيسان 1898 العنف وكل أعمال القسوة المرتكبة ضد الأطفال وعاقب عليها.
و بدأت تتراجع عمالة الأطفال ــ حددت سن العمل ب 13 عاما ــ وتتسع في الوقت نفسه مجالات التعليم الذي أصبح إلزاميا, حتى سن الثالثة عشر, فالمكتسبات الجديدة الخاصة بالطفولة لم تعد مجرد صحوة ضمير, متأخرة, شملتها القواعد الأخلاقية, والتبشيرية, بمنطق الوعظ والإرشاد , وإنما دخلت الدائرة القانونية, ليصبح الطفل موضوع حماية القانون .
وبدا ينظر إليه على انه ليس مجرد قيمة تابعة أو مضافة, أو يد عاملة قادمة, أو مشروع مواطن, وإنما على انه قيمة بحد ذاتها متولدة من كونه طفل. لا شك أن مفاهيم عديدة ساهمت في ذلك, يُذكر منها الديمقراطية المعززة لحقوق الأفراد, ومبادئ المساواة, والحرية, ورفض الظلم والتسلط, وعدم التمييز بين البشر على أساس الجنس أو العرق أو اللون. وكذلك لاكتشاف واتساع المعارف العلمية المتحصل عليها من الدراسات النفسية, والطبية, والتربوية, وكل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية و عالم الطفولة...
ومع الحروب القارية , الأوربية, والحروب الاستعمارية, تم تبني سياسات منها زيادة النسل لتغذية الحروب بالمقاتلين. وبعد الحرب العالمية الأولى, و لتعويض الخسائر الفادحة في الأرواح, والإعداد للحروب القادمة, والمحافظة على التفوق, كان لا بد من التشجيع على زيادة عدد السكان, بقدر ما يستطاع. فخصصت مساعدات اجتماعية للأسر وللأطفال , ومساعدات للأمهات, وحماية صحية, كما فتحت مراكز للولادات غير الشرعية للحماية والمساعدة. و توسعت سياسة تبني الأطفال وتنظيمها قانونيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية منح حق التصويت للمرأة لدورها المتزايد في الحياة الاجتماعية والسياسية, وفي الإنجاب. وتعززت بإنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي حماية الحضانة والطفولة .وساعد ذلك في نشر التربية والتعليم. كما نص دستور 1946 في مقدمته, وللمرة الأولى, على المساواة بين الرجال والنساء في شتى المجالات, وعلى مفهوم الطفل صاحب الحقوق, وفي مقدمتها حق الحماية " وحق الطفل, والبالغ, في الوصول إلى التعليم, والتكوين المهني, والثقافة". وحفظ للام وطفلها " الحماية الصحية, والأمن المادي, الغذائي, والعطل, والإجازات, والترفيه". وارتبط حق المرأة بحق الطفل في كل هذه الحالات.
وعلى المستوى القضائي, وتماشيا مع قانون عام 1898المتعلق بحماية الجانحين من الأطفال, وقانون عام 1912 المنشئ لمحاكم الأحداث tribunaux pour enfants , تعززت مبادئ أساسية لحماية الطفولة منها: أولوية التربية على الزجر, و جعل العقوبة تربوية, و تخصيص محاكم لقضايا الأحداث. والبحث عن الأعذار المخففة للإحداث.
وعلى المستوى العالمي صدر في 24 سبتمبر 1924 إعلان جنيف لحقوق الطفل " على الإنسانية جمعاء واجب توفير كل ما هو أفضل للطفل". وعلى الجميع الالتزام بتوفير حماية خاصة له وأفضل الشروط لنموه.
وفي خطوة بهذا الاتجاه, أمر وزير التعليم العام الفرنسي في العام المذكور نشرو تعليق تعريف حقوق الطفل المعلنة في اتفاقية جنيف في كل المدارس الفرنسية " تأمين الغذاء للطفل الجائع. معالجة الطفل المريض. تشجيع الطفل المقصر. إعادة الطفل الضال واحتضانه. رعاية اليتيم والاعتراف باللقيط. الأولوية بالإغاثة للطفل. تربيته على الشعور بضرورة وضع كل مواهبه في خدمة إخوانه ورفاقه".
تبنت الأمم المتحدة عام 1946 تصريح جنيف لعام 1924 , قبل أن تعتمد التصريح الذي أصدرته هي نفسها عام 1959 , الفاقد لكل قيمة إلزامية مادية, أو حتى معنوية. ودعت كل الأفراد والمنظمات والتجمعات لاحترامها, مكرسة مبدأ عدم التمييز. وحق الطفل بالحماية الخاصة. وحقه باسم وجنسية, والضمان الاجتماعي, وحقه بان يتربى في حضن أسرة, مع مساعدات خاصة, حقه في التعليم, و حمايته ضد كل أنواع الاستغلال, و في تربيته ضمن روح التسامح والانفتاح على الآخرين.
الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل 20 تشرين الثاني. نوفمبر 1989.
دخلت حيز التنفيذ عام 1990 ووقعتها 184 دولة ولم توقعها الولايات المتحدة لأنها تمنع إعدام الإحداث.
و ليس هنا مجال الدخول في عرض وشرح نصوص هذه الاتفاقية, وإنما تكفي فقط الإشارة إلى أنها تتضمن, بعد الديباجة, 42 مادة. إضافة للمواد الإجرائية في الجزء الثاني والثالث.
من الحقوق التي تضمنتها, ولضيق المجال, نؤشر عشرة منها : حقه في الأمن الغذائي والسكن المناسب (المادة 27). حقه في الحماية الصحية (المادة 24). حقوق الأطفال المعاقين (المادة 23). الحق في التعليم (المادة 28). الحق في الترفيه التربوي (المادة 31). الحق في الثقافة (المادة 29). حق الأولوية في الإغاثة (38 المادة). حقه في الحماية من الاستغلال في العمل (المادة 32). حقه في الحماية من كل أنواع سوء المعاملة (المادة 19). الحق في حرية الرأي, و التعبير, والتفكير, والانضمام للجمعيات (المادة 13 و 15).
والسؤال بعد هذا هو هل وصل الطفل إلى بر الأمان, وانتهى بوجود الاتفاقيات والتعهدات كل ما عاناه ويعانيه, ويمكن أن يعانيه مستقبلا, فيما يتعلق بحقوقه المادية والمعنوية ؟. لا شك أن الجواب يختلف باختلاف بلد المجيب عليه. ولكن من المهم أن نسمعه من دولة ديمقراطية عريقة مثل ألمانيا, تهتم بأطفالها وبالطفولة اهتما يختلف, شكلا ومضمونا وهدفا, عن اهتمام النظام النازي بهم.
فقد نشرت جريدة لوموند الفرنسية في 9 ديسمبر / كانون ثاني 2007 الخبر التالي: موت العديد من الأطفال في ألمانيا بسبب سوء المعاملة من مصالح الخدمات الاجتماعية الألمانية. فقد تم الأسبوع الماضي اكتشاف ثلاثة جثث لأطفال رضع في بلاون. و خمسة جثث لأطفال ذكور, مدفونة في بيت في Schleswig- Holestein . وفي السابع من الشهر نفسه تم اكتشاف جثتي رضيعين, احدهما في برلين, والآخر في Thuringe , في ظروف غامضة. في نوفمبر 2007 توفيت في سشيلونك الطفلة صوفي, في الخامسة من عمرها, نتيجة لسوء المعاملة, واتهم والداها بتركها تموت جوعا وعطشا. ثم أشارت الجريدة المذكورة إلى أن 80 إلى 100 من الأطفال يقعون ضحايا العنف الأسري المميت. وتبين الإحصائيات, حسب لوموند, أن هذه الجرائم أكثر تواترا في الجزء الشرقي من ألمانيا منه في جزئها الغربي . و أن سوء المعاملة في تصاعد في البلاد بأكملها, فبعد أن بلغ, عام 1995 , 1900 حالة , وصل عام 2006 إلى 3000 حالة. مما دعا المستشارة الألمانية للتصريح بان ألمانيا بحاجة إلى " ثقافة متبصرة". (لوموند, المرجع السابق).
أما في عالمنا العربي, فلا إحصائيات, ولا صحافة وإعلام, ولا حتى جمعيات متخصصة, ينتظر منها جوابا. فالأمور تتجاوزها من حيث الإمكانيات, والاهتمامات, ومصادر المعلومات, فالسرية مطلقة, وتذكر بدول الأطواق الحديدية.
وأخيرا, سنكتفي بالإشارة للمادتين 13 و 15 من الاتفاقية المذكورة , المتعلقتين بحرية الرأي, و التفكير, والتعبير, والانضمام للجمعيات, لأنهما في رأينا, تقعان في أساس كل الحقوق الأخرى, وعلى احترامهما تُبني الشخصية المستقلة للطفل, وتغرس فيه الثقة بالنفس, والإحساس بالكرامة, وتطلق إرادته الحرة بعيدا عن كل وصاية, وتلقين, وخوف. فالإنسان ليس ليُطعم ويُكسى ويطيع الطاعم الكاسي.
وكما أن السلطة الأسرية لم تعد تعني ملكية الأبناء, ولا حق إخضاعهم للتعسف والمزاجية, و الطاعة العمياء, فان السلطة السياسية عليهم لا يجب أن تكون سلطة, قمع و إخضاع, وتخويف, ولا تلقين, أو وصاية على قاصرين. فليس من هذا يُولد الإنسان/ المواطن, وليس على هذا تبنى المواطنية.
ونترك لأطفالنا العرب الذين يرون, بأم العين, آباءهم ــ الذين كانوا أطفالا بدورهم ــ ممنوعون من التفكير, والتعبير, والبحث الحر, والتصرف بحياتهم الخاصة, ومن كل حقوق الإنسان و المواطن, تصديق أو عدم تصديق ما في نصوص هذه الاتفاقية , أو التساؤل إذا ما كانوا مشمولين بأحكامها كغيرهم من أطفال العالم.
ستبقى, دون أي وهم, حقوق الطفل كلاما استهلاكيا, حتى ولو أطرته اتفاقيات عالمية, وحمته منظمات والتزامات, وحقوق دولية, وراقبته مؤسسات حقوقية و إنسانية, إذا لم تدخل الديمقراطية بمفاهيمها التربوية وقيمها الحقيقية, كيان الأسرة, وإذا لم تشمل الدولة لتكون القاعدة التي تقوم عليها, وعليها تُبنى مؤسساتها , وتصبح السيادة للقانون وحده. وفي انتظار ذلك ستبقى الشوارع مآل الطفولة, و المهاجر أحلاما بأوطان بديلة.
ومع ذلك, فسعادة الأطفال في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج, بقراءة هذه الاتفاقية ــ التي تبشر بحقوق لم يعرف سابقوهم, في أي مكان من العالم, وعبر التاريخ لها مثيلا ــ ستكون كسعادة الكبار بقراءة مواثيق حقوق الإنسان والمواطن بنسخها غير الأصلية, وتفسيراتها القرون أوسطية.
د.هايل نصر
التعليقات (0)