المرجف هو الشخص اللذي يقوم بأرجاف الأشياء أي هزها، فنحن نقول رجفة أرضية كما نقول هزة أرضية كناية عن الزلزال، والمرجف في لغة الدين هو الشخص اللذي يثير الشبهات ليهز أيمان المؤمنين، والرد على المرجفين واجب شرعي في الأسلام، ولكن هناك شروط واجب التقيد بها للقيام بهذه المهمة العظيمة، وألا فسينقلب الدفاع عن دين الله الى وبال على الأسلام والمسلمين.
الفكر لا يعيش مع الجهل، والأسلام فكرقبل أي شيء آخر، هكذا أراده الله حين أثنى على المتفكرين بقوله (( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً)) وحين قال (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).. والأسلام لا يكون فكراً قابلاً للحياة ألا بالعلم والمنطق، ولذا كانت أول آية نزلت من القرآن هي " أقرأ" ما يعني أن علينا أن نقرأ ونفهم قبل أن نتكلم عن الله وقرآنه ورسوله، فنكون زيناً على الدين، لا شيناً عليه حين نقول على الله ورسوله ما يخالف العقل والمنطق .
عندما يكون الأيمان مدعوماً بالعلم يصبح هذا الأيمان قوياً راسخاً قادراً على الأستمرار، وعندما يكون العلم (وأنا لا أقصد هنا علوم الدين فقط، بل الفيزياء والكيمياء والرياضيات الفلسفة.. وجميع علوم الطبيعة)) هو الحجة اللتي نحتج بها لبيان حكمة الله في خلقه، يصبح الأيمان قابلاً للأتساع والتمدد ليضم الى صفوف المؤمنين أعداداً كبيرة من الناس، ودفع من يريد أطفاء نور الله عن غايته .
لقد أستطاع رسول الله أن يهدي خمس البشرية الى دين الله، وقد بدأ مسيرته الظافرة تلك بشخصه فقط، فهل كان سيستطيع ذلك لولا أن من الله عليه بالعلم والمنطق القرآني ؟
أذا تذاكرنا تأريخ أمتنا الحديث فأننا سنجد مدى الأنتشار الفظيع للأفكار الشيوعية والشوفينية القومية والعلمانية الألحادية منذ بداية القرن العشرين بين صفوف الطلاب والساسة والعمال، حتى باتت الأحزاب الشيوعية واليسارية والقومية هي المسيطرة على الساحة السياسية والفكرية في بلاد المسلمين قاطبةً في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وبالرغم من أن آباء وأجداد أجيال الأربعينات والخمسينات الماضية هم من المسلمين (بالفطرة)، ألا أن الجهل اللذي كان متفشياً في أباء هذه الأجيال جعل من أبنائهم فريسة سهلة للأفكار الدخيلة على الأسلام والمسلمين، فلقد تعجب ولايزال يتعجب الكثير من المسلمين بالولادة من بعض الأفكار والتفاسير اللتي يطرحها آبائهم، فلم تنفع الفطرة السليمة والأيمان المأخوذ عن السلف دون تفكر أو فهم في أنحراف فكر هؤلاء عن الطريق القويم، وليقعوا فريسة للفكر الغربي والشرقي الدخيل على أمتنا، الغريب عن فكرها وفلسفتها المتميزة بين الأمم .
قال الكبير شريعتي في رائعته النباهة والأستحمار، ((أن الدين اللذي هو فوق العلم يعتبر الأنسان ذاتاً أرقى وأشرف من جميع المظاهر الطبيعية....أردت بالدين غير الدين المتوارث بالسنن والعادات، لأن الأديان الوراثية كلها متشابهة، ولأن الشيء اللذي يتخذ وراثة وسنة وأعتياداً من غير علم وبصيرة، كيفما كان ومهما كان فهو مردود. ولافرق في ذلك بين الأديان والمذاهب، حيث لادرجات في الجهل. لذا فأن البحث يدور حول (الدين اللذي هو أرقى من العلم) لا الدين اللذي لقن تلقيناً، وتسلمه الخلف عن السلف، كمجموعة عادات وتقاليد مكررة...أن الجيل الواعي يرفض هذاالدين، وهذا رفض طبيعي ، وهو أن لم يلقي هذه الخصائص والسنن اللاعقلانية والمرفوضة في المهملات بعد، فأنه سيلقيها غداً، أن هذا شيء محتوم يفرضه الوعي.... أنه دين المعرفة والصنعة لادين السنن الوراثية المنصرمة اللتي لايعرف تأريخها أهو ما قبل 2000 سنة ، أو الى زمن ناصر شاه، وكل ما في الأمر أنها أصبحت مقدسة فقط، لقدمها)) .
أن دعوة الناس الى الأسلام كقانون حياة يكرم الأنسان ويسمو به الى أعلى درجات الخَلْق بالحكمة والموعظة الحسنة، هي من الجهاد في سبيل الله .ولقد شدد الله ورسوله على الحكمة، وجعلها سبحانه سابقة للموعظة الحسنة، لآن الأيمان المبني على العقل والعلم والمنطق، هو أيمان أرسخ وأقوى من أية مفاهيم أنسانية على الأطلاق .
((قال ابن السكيت للأمام علي عليه السلام، لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمدا - صلى الله عليه وآله وعلى جميع الانبياء - بالكلام والخطب؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: إن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وإن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرء الاكمه والابرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.
وأظنه قال: الشعر فأتاهم من عند الله من واعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم، قال: فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط فما الحجة على الخلق اليوم؟ قال: فقال عليه السلام: العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه، قال: فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب)) .
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله قبل 1400 عام وقد غلب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر ، فكان القرآن مذهلاً لشعرائهم، مبهتاً لفصحائهم وخطبائهم .
ألا أن الله العليم الخبير عالم بأن أهل الأزمنة القادمة هم الى فتح آفاق العلم ذاهبون، وبه سيحتجون، كيف لا وحجج العلم (أن ثبتت) دامغة، والى العقل هي أقرب من أي شيء آخر، فضمن كتابه العزيز آيات العلم والمعرفة بالطبيعة ومخلوقاتها، جنباً الى جنب آيات الفصاحة والبيان، فكان كتابه العزيز بذلك حجته على كل عاقل، وبالعقل والعقل فقط سيحاسب الله عباده يوم القيامة، فكن من العاقلين ولا تكن فقط من الناقلين دون تفكر، فتصبح كمن قال عنهم الله سبحانه ((كمثل الحمار يحمل أسفاراً)) .
التعليقات (0)