موقف الأمة من مدعي النبوة
فضيلة الشيخ / أسامة سليمان
قد باءت محاولات مدعي النبوة بالفشل في القديم وأغلق الباب في وجوههم، وأصبحت قصصهم وأخبارهم تنقل في كتب النوادر وأخبار الحمقى والمغفلين، بيد أنَّه في العصر الحاضر وجد ادِّعَاءُ النبوةِ قبولاً عند بعض المسلمين ..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن اللَّه تعالى ختم النبوة بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وتلك إحدى العقائد الأساسية في الإسلام التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، إلا أنَّ هذه العقيدة تعرضت في القديم والحديث لكيد ماكر من أعداء الأمة الإسلامية بشتى أساليب المكر والخداع، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يُبْعَثَ دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله) [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية للترمذي وابن ماجه: (إنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنَّه نبي).
وقد باءت محاولات مدعي النبوة بالفشل في القديم وأغلق الباب في وجوههم، وأصبحت قصصهم وأخبارهم تنقل في كتب النوادر وأخبار الحمقى والمغفلين، بيد أنَّه في العصر الحاضر وجد ادِّعَاءُ النبوةِ قبولاً عند بعض المسلمين لجهلهم وبعدهم عن شرع ربهم، ونجح الاستعمار وأعداء الدين في استدارج بعض أصحاب الدعوات الباطلة والفرق المنحرفة الكافرة، ومن هذه الفرق الضالة القاديانية والبابية والبهائية وبعض غلاة الصوفية، ومن ثمَّ جاء هذا البحث يبين:
1- أدلة عقيدة ختم النبوة من القرآن والسنة.
2- أقوال سلف الأمة في عقيدة ختم النبوة.
3- موقف الأمة من مدعي النبوة.
4- شبهات ترد على بعض العقول.
5- البهائية الضالة وختم النبوة.
أولاً: أدلة عقيدة ختم النبوة من القرآن والسنة
1- قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينٌَ﴾ [الأحزاب:40].
يقول شيخ المفسرين الطبري -رحمه اللَّه-: «ما كان محمد أيها الناس أبًا لزيد بن حارثة، ولا لأحد من رجالكم، وإنَّه كان رسول اللَّه وخاتم النبيين الذي ختم النبوة فطبع عليها فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة...».
ويقول ابن الجوزي -رحمه اللَّه-: «من قرأ خاتِم بكسر التاء فمعناه: وخَتَمَ النبيين، ومن فتحها فالمعنى: آخر النبيين، وهذا فهم كل المفسرين من سلف الأمة من صدر الإسلام إلى اليوم».
2- قوله جل شأنه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعٌ﴾ [الأعراف: 158]، فعموم رسالته -صلى الله عليه وسلم- من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- التي فُضِّل بها على غيره من الأنبياء والرسل، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه اللَّه-: «يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- قل للناس جميعًا الأحمر منهم والأسود والعربي والعجمي: إني رسول اللَّه إليكم جميعًا، وهذا من شرفه وعظمته -صلى الله عليه وسلم- أنَّه خاتم النبيين ومبعوث إلى الناس كافة». أهـ.
ويفهم من عموم رسالته -صلى الله عليه وسلم- أنَّها خاتمة الرسالات وآخرها، فلا تحتاج البشرية بعده إلى دين جديد.
3- قوله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينٌ﴾ [المائدة: 3].
وهذا من أكبر نعم اللَّه على عباده، حيث أكمل لهم سبحانه الدين فليسوا بحاجة إلى دين جديد، ولا إلى نبي بعد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ، ومن ثم جعله سبحانه خاتم النبيين وبعثه إلى الثقلين الإنس والجن.
4- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنام ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). [رواه البخاري]
وفي رواية مسلم وأحمد: (وختم به النبيون)، وهذا الحديث قال عنه الإمام السيوطي إنَّه بلغ حد التواتر، وهو يؤكد عقيدة ختم النبوة ويقررها في نفس المؤمن.
5- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) [رواه أحمد وابن ماجه]، وفي روايات أخرى قيل: يا رسول اللَّه، وما المبشرات، قال: (الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له).
6- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب) [رواه البخاري ومسلم]
والعاقب الذي لا نبي بعده.
ثانيًا: أقوال السلف في عقيدة ختم النبوة
1- قال عمر -رضي اللَّه عنه-: «إنَّ ناسًا كانوا يؤاخذون بالوحي في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنَّ الوحي قد انقطع وإنَّما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم». [البخاري]
2- قول أنس -رضي الله عنه-: «كان إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ملأ الأرض ولو بقي لكان نبيًا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء». [رواه أحمد في مسنده]
3- زعم مسيلمة الكذاب الشركة في النبوة مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، فتوجهت إليه سيوف الصحابة -رضي الله عنهم-: «قتلوا عشرة آلاف من أتباعه واستباحوا دماءهم وأموالهم، وقد جاء في كتابه الذي بعثه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: سلام عليك، أمَّا بعد: فإني قد أُشركت في الأمر معك فإنَّ لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر ولكنْ قريشٌ قوم لا يعدلون». [البداية والنهاية لابن كثير 5/51]
4- إجماع الصحابة على أنَّ الوحي قد انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
5- تهكم الصحابة -رضي الله عنهم- بالمتنبئين والدجالين الكذابين؛ فعندما طلب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من أصحاب طليحة الذين أسلموا وحسن إسلامهم أن يُسمعوه ممَّا قال شيئًا قالوا: إنَّه كان يقول: الحمام واليمام والصرد الصوام قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام» [البداية والنهاية لابن كثير جـ6 ص318]
ثالثًا: موقف الأمة من مدعي النبوة
بعد أن عرضنا لبعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لعقيدة ختم النبوة، وذكرنا بعض أقوال سلف الأمة حول تلك العقيدة، نعرض لأقوال بعض علماء الأمة لبيان مدى رسوخ تلك العقيدة عند المسلمين عبر العصور إلى اليوم.
1- قال البغدادي -رحمه اللَّه-: «كل من أقر بنبوة محمد أقر بأنه خاتم الأنبياء والرسل وأقر بتأييد شريعته وامتناع نسخها». [أصول الدين ص162]
2- قال القاضي عياض -رحمه اللَّه-: «أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّه خاتم النبيين لا نبي بعده وأخبر اللَّه تعالى أنَّه خاتم النبيين وأنَّه أرسل للناس كافة وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره وأنَّ مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص» [الشفا 2/271]
3- قال أبو يوسف -يعقوب بن إبراهيم-: «إذا خرج متنبئ وادعى النبوة فمن طلب منه الحجة يكفر لأنَّه أنكر النصوص وكذلك لو شك فيه».
4- قال الباقلاني -رحمه اللَّه-: «ويجب أن يُعلم أنَّ نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مبعوث إلى كافة الخلق وأنَّ شرعه لا يُنْسَخُ بل هو ناسخ لجميع من خالفه».
رابعًا: شبهات ترد على بعض العقول
ولسائل أن يسأل هل هناك فرق بين النبي والمحدَّث ؟ حيث إنَّ بعض الأحاديث أخبرت أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان محدَّثًا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون فإن يك في أمتي منهم أحد فإنه عمر)، رضي اللَّه عنه. [رواه البخاري]
والمُحَدِّثُ هو الرجل الصادق الظن الذي يلقى في روعه الشيء فيجري الصواب على لسانه، بيد أنَّ هناك فروقًا بين المحدَّث والنبي، منها:
أنَّ النبي يوحى إليه بوحي يعلم أنَّه وحي من اللَّه -عز وجل-، ولا يحتاج للتأكد من صحة ما أوحي إليه بعرضه على وحي سابق، وكذلك النبي معصوم فيما يخبر به عن اللَّه عز وجل.
أمَّا المحدث فرأيه يكون ظنًا لا علمًا، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يقول: «لا يقولن أحد قضيت بما أراني اللَّه، فإن اللَّه -عز وجل- لم يجعل ذلك إلا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأمَّا الواحد منا فرأيه يكون ظنًا ولا يكون علمًا».
فالمحدث يعرض كلامه على الكتاب والسنة فهما الميزان لصحة ما قال، لذا فإن عمر -رضي الله عنه لمَّا مات - النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر موته، فلمَّا سمع الصديق -رضي الله عنه- يقرأ: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينٌَ﴾ [آل عمران: 44]، عاد إلى صوابه ورجع عن قوله إلى ما سمع من كتاب اللَّه.
وفي صلح الحديبية قال -رضي الله عنه-: «ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به».
وقد يرد على البعض شبهة نزول عيسى -عليه السلام- وهو نبي، فما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا نبي بعدي). والجواب: أنَّ عيسى -عليه السلام- عند نزوله إنَّما ينزل متبعًا لشريعة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويصلي صلاة المسلمين مأمومًا خلف إمامهم ليبين ذلك المعنى من أول وهلة.
خامسًا: البهائية الضالة وعقيدة ختم النبوة
ومن الفرق الضالة التي شذت عن الصراط المستقيم وتخبطت في ظلمات الجهل والكفر، البهائية حيث ذهب مؤسسها إلى أنَّه نبي يوحى إليه بعد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- مستندًا إلى تفسير للقرآن تفسيرًا باطنًا، وزعم أيضًا أنَّ اللَّه أوحى إليه كتاب الأقدس، وهو عبارة عن أفكار صوفية يهيم بها صاحبها في أودية الخيال، فمن خرافاته في أول الاقدس: «قد ماجت بحور الحكمة والبيان بما هاجت نسمة الرحمن اغتنموا يا أولي الألباب». [الأقدس ص169]
ومن ذلك الهراء قوله: «وقد أخذهم سكر الهوى على شأن لا يرون مولى الورى». [الأقدس ص153]
هذه بعض نصوص الأقدس الذي يزعم صاحبه أنَّه وحي السماء، ومع وضوح جنونه وشذوذه إلا أنَّه له أتباعًا يصل عددهم في العالم إلى ستة ملايين، أليس ذلك دليلا على أنَّ الشيطان يعمل في حزبه كيفما شاء وحسبما أراد؟ ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرٌِ﴾ [فاطر:6].
ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل .. نقلاً عن مجلة التوحيد
التعليقات (0)