في الذكرى السابعة والثمانين لرحيل شهيد الكرامة والحرية والمجد الشيخ الجليل صايل الشهوان....
تكسرت حبال مشانقهم يا صايل فأنت الطهر وومضة الفجر ولدت صدفة في الزمن الخطأ، لا تبك بنيك اذ يرحلون كومضة في الفجر، كنقطة دم، هم يومضون في الليل كشهاب على عتبات السماء ...... ..
لك الله يا صايل كيف لي أن استعيدك هنا؟ وكيف لي أن ألبسك أردية الأسف والجزع وأنت دوي رعد هبّ في لحظة من الركن القصي في ذاكرتنا الجريحة ..........
نعم ثمة ما يستحق كل هذا البكاء .. وكل هذا الحزن وكل هذا الجزع .. أحلامنا لا تذروها الرّياح يا ابتي لازالت ذكراك نشيج دم يومض في عروقنا في عروق كل عجرمي وعجرمية بل وفي خيوط النور التي تتهادى من نجمة الصبح في سهل أبو نصير لتغذو دمك المسكوب هناك عافيتها و تغذوه لحن خلودها
طواحين ريح يا أبتي وقتلة مأجورون، ودم يومض في الليل، جنائز تسير على أرجل من جنائز. وثمة نوح قلوب يداهمها الوجع والموت. ولا عزاء.. غيوم سوداء تجلل سماء كل عقل .. هو قانون الغدر وشرعة الغادرين عمان يا شيخ عمان ويا ثائر البلقاء القلوص
لم تصب بقشعريرة لأنها اعتادت أن تفقد بنيها مع كل حقد الغزاة، لكن عزاءها في شمسها التي ما أن تغرب وعلى جبينها الموت، ويقطر من قلبها الدم القاني حتى تنتفض فتاة غضة بضة هاتفة للحياة ناشدة للأمل صائرة الى المجد نازعة الى الحرية والكرامة .. حاصرها ودمرها الغزاة منذ نبوخذ نصر وابنه شلمسنصر وقبلهم سرجون الأكدي مرورا بالأسكندر المقدوني هذا الطاغية الذي لم يعرف التاريخ مثيلا له في طغيانة الى الرومان وقبلهم اليهود وبعدهم المماليك وانتهاء بالأتراك والأنجليز لكنها انتفظت من رمادها عنقاء ترف بجناحيها في سماء من نور.. ولحنا عذبا تشدوه قيثارة صبح في كل صبح جديد ... ..
أحاول حزينا تطويع اللغة، ووضعها في سياقها الموازي للصدمة.. للحدث الجلل.. إننّي مواجه بهذا الاستعصاء، بهذا الشلل الداخلي لقول الكلمات الموازية، أو المقاربة لرحيل القمر ودخوله في المحاق. وجفاف النهر الذي ذبحوه بشريعة الله والله منهم براء وبشريعة الأردن والأردن منهم براء . الدّمع ينهمر نزيفا كلّما هبّت نسمة من الأردن من عمان من البلقاء محملة بنثار المساء الدامي في يوم الكرامة ذلك ...
ماذا اقول الى الذين حوّلوا الأردن إلى مدافن ومداخن.. نهبوا التراب وهتكوا الفجر .. وقطعوا رؤوس كرامتنا ؟.
من أصدر حكم الموت عليك ؟ من نفذ هذا الحكم ، أعيد النظر في مفاهيم كثيرة، أي مشهد يبدو يا أبتي ؟ كيف تحولت الى مشهد بدا كأنّه مهزلة وجودية مفرغة من أي معنى سوى الدّم والدموع وأنت الذي نشدت الحرية والكرامة والمجد . هي ذي عاصمة التاريخ عمان مهبط الأنبياء وصلة الأرض بالسماء حاصرها الليل وأدمى مقلتيها الوجع والقهر والظلم والفساد ..مدينة الله وقد غدر بها الزمان.
ولكل أردني شريف وكل أردني شريف أن يدفع الثمن دما ودموعا وحزنا لكن عليه أن لا يبكيك . ولي أنا الواقف على شفا الهاوية أن اصوغ من الكلمات ما أشاء وأحملها بوحي وجنوني واختار من المجازات ما اسد به جوع المعاني كي أدرء الوجع واتخفّف من تأنيب الضمير.. . كافر كلّ من يردّد قول المسيح ليس بالخبز وحدة يحيا الإنسان وأشد كفرا كل من ردد قول من يقول لا تثوبوا الى الجرح القديم ...
أيه.. يا مدينة الشمس... اي زمان مفعم باشراقة غد آتي من رحم حلم لا يزال في بداياته ... أيتها الجليلة .. لا تخافي من كل الذين خدعوك ولا تستسلمي الى سياطهم ولا تسيري في دروبهم
الكون حزين يا أبتي
وها انّي أراهم جميعا أرى أنبياء العهد وهم في رحاب الله بمنأى عن عالم الغبار والقتلة وشذّاذ الآفاق.. يبكونك بدموع تتهامى في ندا الصباح عطرا زكيا فلا تجزع
ستظل يأبتي رمزا، بل ضجيجا يزعج الضمائر.. يشعل القلوب الباردة.. شرارة خاطفة ارسلها برق آدون في ليل عاصف فكنت أنت قدرا خطته إرادة غامضة وشاءته غاية لا نقوى على تلمس اسبابها ... كيف لي أن اعانق هذا التاريخ وأن اسجد على اعتابه واسقى بغيث ينهل من دموعه
ستظل .. قمرا يطل في ركن قصي ليس فيه ليل ولا هواء .. أنت لست جسدا من تراب وماء.. أنت ما أنت إلا رجف استبدّ بالأرض قبيل انبلاج التاريخ وقلوص حملت أوزار الكون على كاهلها .. حملت اشواق الكون وآماله حملت أحزانه وآلامه .. اي قدر هذا الذي خطك مدينة الأحزاننا .. ودنّنا لكرامتنا ....
ويحكم إن العجارمة كان التاريخ مطيتهم والسحاب مركبهم والسماء غايتهم والمجد بعض صنعتهم امتطوا ثبج الهواء وشقوا قلب الريح والتاريخ .
يا أبناء أبي إن انتصار هؤلاء الوحوش الهمج هو هزيمة لكل ما يتشدقون به من حضارة وكرامة وإنسانية ونبوة وتسامح وتاريخ ونسب ...إن الجبار اذا انتصر إنما ينتصر فيه الحيوان فيتحول الى وحش ، واقبح أنواع الكبرياء والجبروت هما كبرياء وجبروت الجبارين الصاعدين من التراب كيما يصبحوا تيجانا باهظة فوق جميع الهامات ولينظروا بحقد وذعر وتهديد الى التراب الذي نهضوا منه ليتحولوا الى أقسى جلادين ... ما اقبح التراب في احاسيس من خلقوا منه ...وما افضع أخلاق التراب حينما يتحول الى تيجان .. حينما يتحول الى حضارة ومدنية تتحدث بلغة الانسانية والحضارة.
لا لست يا ابتي .. من المقهورين المغلوبين المتألمين .. إنك أنت الرفض والاحتجاج والعدالة والمنطق للزمن وللتاريخ .. إنك الغضب الضاج على المظالم والأخطاء والالام وعلى الطغاة وعلى الآلهة الكاذبة وكل الأوثان والأنصاب ..
ماذا فعل هؤلاء الهمج الذين انطلقوا من مغارات الخمول والهوان ليصبحوا دويا وقمما ليصبحوا نشيدا عالميا في أفواه الالام والأحزان ليصبحوا صلاة وتسبيحا كونيا .؟ ماذا فعلوا بك
بعد أن قتلوك لما أن غيبوا جسدك الطاهر في التراب قبرا بلا شاهد بل قبرا بلا أرض ..؟ خافوا منك حتى بعد أن رحلت عن دنياهم هذه.. دنياهم التي صارت لهم دنيا ومجد .. يا أبتي إن المجد المستحدث المكسوب بالأغتصاب هو اشد فتكا ووحشية وبذاءة وخوفا وقهرا وجنونا وعدوانا وعندما يأتي، يأتي بلا أخلاق أو تقاليد أو حضارة، يأتي بأنيابه التي تقطر دما ووحشية .. هؤلاء الهاربون ببذاءاتهم الهاربون بحقدهم جاؤوا محملين بكل أحقادهم وقسوتهم وجنونهم ...
فلا تجزع
أكبرت موتك لانه جاء إيذانا ضاجا برسالة مجد وشرف وعز وكرامة كما أكبرت حياتك التي كانت نبع هذه الرسالة . كان مقتلك يا قتيل الحرية .. حدث إهتزت له سماء الأردن وبكته نجومه ودمعت له محاجر الريح الهفوف ... يا أيها الرجل الذي عاش صخب الثورة وجنون التحرر .. ... في بلد لم يعرف معنى للتحرر ولا معنى للحرية مذ سيطر الآلهة الجدد على مصيره واغتالوا روحه المتمرده وسجنوا ذاته المتوثبة في سجون موبؤة بالتاريخ الزائف والتقاليد والهواء الراكد العفن..
ثرت سيدي بإسم الحق الذي لا يعرفونه وبأسم الحقيقة التي افتضوا بكارتها على مذابح عهرهم ودجلهم وكذبهم وريائهم وعروبتهم الصفراء . .
أية خطية وخطايا أرتكبوها بحقك يا شيخ العجارمة ويا قمر الصحراء ويا ريح الجنوب ...
لن ارثيك فهذا ليس رثاء .. لأنك أكبر من كل رثاء وأعظم من كل معنى .. لا استطيع أن ابكيك أو أن ابعث دموعي سواجم تعمذ روحك وتغسل جسدك الطاهر
لن أرثيك فأنت أكبر من كل رثاء وأكبر من كل كلمات تحمل في قلبها بوح ندي يهتز متراقصا هناك على جسد وسدوه تراب الأردن كله يوم أن عزّ عليهم حجرا أصم يضعوه شاهدا على قبرك
لن أرثيك سيدي ...
إذ كيف لي أن أرثي السماء بشموسها ونجومها والأرض بورودها وجنانها بكل صباحاتها ومساءاتها ... ولكن هي كلمات أزجيها في سمع الزمان وأبعثها لحنا باكيا في مسالك الأفلاك ولا بأس أن تكون صلاة الى قلبك ..
أردت أن أكتب عنك أو أكتب لك لكني تراجعت أمام جلال موتك .. ماذا يعني موتك بل ما يعني أن تموت بل ماذا يعني الموت نفسه ؟ سأجيب عن هذا السؤال لاحقا .....
التعليقات (0)