في ذكرى صدور قرار التقسيم الذي يحمل الرقم (181) منذ أربعة وستين عامًا، وفي هذا اليوم الذي أسماه المجتمع الدولي فيما بعد يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني لا بد من تقديم بعض الحقائق التاريخية لهذه الأجيال العربية، ولهذه الأجيال الفلسطينية التي لا تكاد تعرف شيئًا مذكورًا عن هذه المناسبة التي حدثت في مثل هذا اليوم من عام سبعة وأربعين، وقبل ستة أشهر ونيف من قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين، لا بد لهذه الأجيال أن تعلم أنه في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام سبعة وأربعين وتسعمائة وألف بذلت الولايات المتحدة الأمريكية قصارى جهدها لإقرار مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين.. وعلى الرغم من أن هذا القرار الذي حظي بأغلبية ثلاثة وثلاثين صوتاً ضد ثلاثة عشر, وامتناع عشر دول عن التصويت, هو قرار صادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة لا عن مجلس الأمن الدولي, إلاّ أنّ اليهود والصهيونية العالمية والولايات المتحدة قد اعتمدته أساسًا لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين على مساحة تبلغ (56.5%) تقريبًا من مساحة البلاد في الوقت الذي كانت فيه الجالية اليهودية آنذاك تملك نحو سبعة بالمئة من المساحة الإجمالية البالغة (27009) كيلو مترًا مربعًا.. وفي الوقت الذي كان فيه عدد السكان اليهود (560.000) خمسمائة وستين ألفًا من مجموع سكان البلاد البالغ آنذاك (1.690.000) مليونًا وستمائة وتسعين ألف ساكن, وفي هذا السياق يُشار إلى أن دافيد بن غوريون, كان يعتمد على عامل الزمن من أجل وضع اليد على ما تبقّى من فلسطين, وعلى ما يمكن الوصول إليه من أرض العرب... وهذا ما حدث قبيل إنهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين, وبعد خروجها منها عندما احتل اليهود بقوة السلاح مناطق واسعة من فلسطين كانت مخصصة للدولة العربية بموجب قرار التقسيم.. وأصبحوا يسيطرون على قرابة ثمانين بالمئة من أراضي البلاد يوم الخامس عشر من أيار عام ثمانية وأربعين, إضافة إلى افتعال عدد من المجازر بهدف تهجير الغالبية العظمى من العرب الفلسطينيين من ديارهم, والاستيلاء على ممتلكاتهم, وهذا ما حصل فعلاً بعد تهجير قرابة ثمانمائة ألف فلسطيني بقوة السلاح من مدنهم وقراهم.. ويشكل هذا العدد أكثر من سبعين بالمئة من عرب فلسطين آنذاك.. ويبلغ تعداد اللاجئين الفلسطينيين اليوم قرابة ستة ملايين لاجىء.وعلى الرغم من أن الصهيونية العالمية كانت المستفيد الأول من قرار التقسيم.. وعلى الرغم من مؤازرة الولايات المتحدة لهذا القرار قبل التصويت عليه وبعد التصويت, إلا أنّ الولايات المتحدة قد اقترحت في آذار من عام ثمانية وأربعين وضع فلسطين تحت وصاية دولية بدلاً من تنفيذ قرار التقسيم.. وذلك بسبب رفض المسلمين والعرب وكثير من الفلسطينيين لهذا القرار, والمقاومة الشرسة التي خاضوها منذ صدوره ضد القوات البريطانية المنتدبة على فلسطين, والقوات اليهودية التي تنسّق مع بريطانيا لتنفيذ هذا القرار.. وبسبب خوف الولايات المتحدة من تعرّض مصالحها في المنطقة للخطر.. ولكنّ الحركة الصهيونية ظلت تضغط حتى تراجعت أمريكا عن هذا الاقتراح.. وعادت لتؤيد من جديد قرار التقسيم.إنّ هذه الدولة التي أقامها اليهود عام ثمانية وأربعين قد توسعت عام سبعة وستين لتشمل فلسطين كلها ومناطق واسعة من أرض العرب.. وهكذا وقعت فلسطين كلّها لأول مرة في تاريخها تحت احتلال يهودي استيطاني يطلق على المدن والقرى والجبال والأنهار والسهول والوديان والمواقع الأثرية والدينية والتاريخيّة أسماء قديمة يقول هو إنها عبريّة, ويقول الفلسطينيون إنها كنعانية أو يبوسيّة (عربيّة قديمة).. ويذهب معهم هذا المذهب كثير من المؤرخين وعلماء الآثار المحايدين المنصفين.. وكانت حكايتنا مع ضم القدس الشرقية, عام سبعة وستين إلى الشطر المحتل عام ثمانية وأربعين.. وحكايتنا مع: الاستيطان.. ومصادرة الأراضي.. وهدم البيوت.. واقتلاع الأشجار.. وتلويث البيئة.. ونهب المياه.. وغلاء الأسعار.. وغسل أدمغة الناس ولا سيّما الشباب.. والسّجون, والتعذيب.. والاعتقال الإداري.. واعتقال الأطفال.. والأحكام العسكرية.. وقوانين الطوارىء.. ونشر الفساد.. وقلب الحقائق.. والتلاعب بالتاريخ والجغرافيا والحصار بكل أشكاله وصوره.. لقد بات واضحًا أن الهدف هو تهويد الأرض المحتلة عام سبعة وستين, والقضاء على الإنسان العربي الفلسطيني وتصفيته نفسيًّا وجسديًّا وفكريًّا.. وشلّ طاقاته وقدراته.. وقهره.. وحصر همه في الحصول على لقمة العيش في أحسن الأحوال.لقد رفض كثير من الفلسطينيين قرار التقسيم عام سبعة وأربعين, كما رفضوا قيام "إسرائيل" على الجزء الأكبر من فلسطين عام ثمانية وأربعين.. وعبّروا عن رفضهم هذا بالمقاومة المسلحة الشرسة التي خاضوها ضد القوات البريطانية واليهودية على أرض فلسطين.. كما رفضت ذلك شعوب العالمين العربي والإسلامي.. وكثير من الأنظمة التي كانت قائمة آنذاك.. وقد ظلت المنطقة كلّها مسرحًا للحروب والمعارك والأحداث الدامية منذ تلك الأيام وحتى أيامنا هذه..ومع أن كل أطراف الصراع كانت ولا تزال تعلم جيدًا أن شعب فلسطين كان ضحية مؤامرة رهيبة منذ صدور وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام سبعة عشر وتسعمائة وألف.. وأنه استُهدف للاقتلاع والتهجير من أرض آبائه وأجداده.. وأُجبر على النزوح عن وطنه والعيش في المنافي وديار الغربة منذ أكثر من ثلاثة وستين عامًا.. أقول على الرغم من معرفة الدنيا كلها بما جرى لشعب فلسطين, إلا أن أحدًا لم يفعل شيئًا حتى الآن من أجل إعادة الأمور إلى نصابها والحق إلى أصحابه.. وعلى الرغم مما يفعله هؤلاء المحتلون بمن بقي من الفلسطينيين على أرض الوطن من تقتيل وتعذيب وتجويع وعزل وإهانة واعتقال واعتداء وإذلال وحصار.. وما ينتج عن ذلك كله وكثير غيره مما لا يُرى ولا يُقال من تدمير كامل للاقتصاد, وتشويه للأوضاع الصحية والتعليمية والاجتماعية.. وتعهير لكل المبادىء والقيم والمثل العليا.. وتحطيم للأطفال الذين كثيرًا ما رأوا آباءهم يضربون ويهانون وأصبح زادهم اليومي آباء يُضربون ويُهانون وأحيانًا يُقتلون أمامهم بدم بارد.. وكثيرًا ما رأوا أمهاتهم وهن يتعرضن لكل ألوان الإهانة والعري والجوع والموت عند الحواجز وغير الحواجز.. وكثيرًا ما رأوا زملاء وأقرانًا تتناثر أشلاؤهم لتملأ الدنيا دمًا وهلعًا وفزعًا وخوفًا ورعبًا وحقدًا أسود تكفي شحنة منه لتدمير الحياة على هذا الكوكب.. نقول: على الرغم من هذا كله إلاّ أن أحدًا لم يتقدم حتى الآن لإنقاذ هذا الشعب: شبابه, وشيبه, ونسائه, وأطفاله, ومصالحه, وحرياته, وكل أوجه حياته اليومية من الانهيار والتلاشي والزوال.. وردود الفعل اليائسة كلما كان ذلك ممكنًا !!!وبعد,فإلى متى سيظل هذا الشعب يرسف في أغلال العبودية والذل والهوان والجوع والفقر والمرض.. وإلى متى سيبقى هكذا بنصفيه: المقيم هنا على جمر الوطن, والمحترق هناك بنيران اللجوء والاغتراب؟؟ ألا يرى المجتمع الدولي كل هذا؟ ألا يسمع؟ أما آن لهذا الشعب أن يعيش في وطنه مثل شعوب هذا العالم؟لقد جُنّت أمريكا وطار صوابها ولم يعد إليها العقل حتى الآن نتيجة بضع ضربات هدمت عددًا من المباني, وأودت بحياة بضعة آلاف من الناس.. فماذا يقول شعبنا الذي يتعرض للتهجير والاقتلاع والإبادة منذ عقود؟وفي هذه الذكرى أيضًا لا بد من القول إن هذه القضية الفلسطينية التي تريد لها أطراف كثيرة أن تتلاشى وتزول دون أن يحصل الفلسطينيون على شيء من حقوقهم لن تتلاشى، ولن تزول، ولن ينسى شعب فلسطين العربي شيئًا من حقه في بلاده فلسطين، وسوف يظل كثير من العرب، وكثير من الناس في هذا العالم يعملون إلى جانب الفلسطينيين الذين يصرون كل الإصرار على عودة حقوقهم المشروعة في بلادهم فلسطين إلى أن تعود تلك الحقوق كاملة غير منقوصة.
(29/11/2011
التعليقات (0)