في الخيال العلمي.. الأدب يتقدم
بقلم: خليل الفزيع
يعتمد أدب الخيال العلمي على نوع من المتخيل في المضمون القصصي أو الروائي.. متخذا من المجال العلمي والتكنولوجي ميدانا لمادته من خلال تصور ما سيكون عليه مستقبل العالم تحت تأثير أدوات التقدم العلمي والتكنولوجي، وبذلك يحاول الأدب أن يسبق العلم، ويتيح للعلماء مجالا فسيحا للابتكارات والاختراعات والاكتشافات الجديدة.
الأدب يصور أحلام البشر في التقدم والازدهار، والعلم يترجم هذا التصور، ويحيله إلى أدوات تسهم في ذلك التقدم والازدهار. ويأتي المؤلف الفرنسي جول فيرن في مقدمة كتاب أدب الخيال العلمي، ومن المعروف عنه أن معظم ما تخيله في رواياته قد تحقق لحد مذهل فيما بعد، وتكفي ـ دلالة على ذلك ـ روايته المشهورة (20 ألف فرسخ تحت الماء) التي تدور أحداثها حول غواصة تجول تحت الماء، بالإضافة إلى تفاصيل لشكل الغواصة ومواصفاتها، ووصف للصواريخ بعيدة المدى، والطائرات النفاثة أيضا، مما يعتبر سابقا لعصره، فلا وجود للغواصات أو الطائرات النفاثة آنذاك، ولا ننسى روايته (من الأرض إلى القمر) التي وصف فيها الهبوط على القمر والعودة منه، كما حدث بشكل مشابه جدا مع مركبة أبوللو 11 بعد مرور قرن كامل على ظهور هذه الرواية، وله أيضا (خمسة أسابيع في منطاد) و(الجزيرة الغامضة) و(حول العالم في ثمانين يوما).
كانت أعماله في مجملها نبوءات علمية تحققت بعد ذلك وهذا لا ينطبق على سواه من الأدباء الذين ظلت أعمالهم إبداعات متميزة من الأدب الخيالي العلمي المحض لكنها لا تتحقق حسب المقاييس العلمية، بل تظل في إطار الحلم الجميل بعالم أكثر جمالا، وأقل تعقيدا.. أكثر ازدهارا، وأقل عجزا عن الحياة الحرة الكريمة.
ويعتبر هربرت جورج ويلز الملقب بشكسبير الخيال العلمي.. من أشهر الكتاب الانجليز في هذا المجال ويرى بعض النقاد انه المؤسس الحقيقي للخيال العلمي الحديث، وأشهر رواياته (آلة الزمن) و(الرجل الخفي) و(حرب العوالم) و(أول أناس على القمر).
ولم يخل الأدب العربي القديم من ملامح الخيال العلمي فيما قدمه من أساطير مثل (رسالة الغفران) للمعري و(المقامات) للحريري وأساطير (ألف ليلة وليلة) التي تتميز بخيالها الفنتازي الجامح وفيها العديد من الأمثلة لأحلام ومخاوف البشر في حكايات الجن والعفاريت، والحصان الطائر والبساط السحري وبلورة الرؤيا، وطاقية الإخفاء ومصباح علاء الدين، وتحويل الإنسان إلى حيوان، وغير ذلك من الخوارق والتحديات التي تندرج تحت لواء الخيال، وان لم يكن علميا صرفا.
ويمكن أن نذهب إلى ما هو ابعد من ذلك بالإشارة إلى تأثير التراث العربي على الغرب في هذا المجال فـ (اليوتوبيا) لتوماس مور إنما هي مستوحاة من (المدينة الفاضلة) للفارابي، وفي هذا السياق يمكن اعتبار روبنسون كروزو وطرزان ورحلات جيلفر.. مستوحاة من (رسالة حي بن يقظان) لابن طفيل.
في عالمنا العربي المعاصر نجد أن من رواد هذا اللون من الأدب الكاتب المصري نهاد شريف وأشهر أعماله: (قاهر الزمن) و(سكان العالم الثاني) والكاتب السوري طالب عمران في روايتيه (إكسير الحياة) و(مدينة خارج الزمن) والكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود في روايته (العنكبوت) والكاتب المغربي احمد عبدالسلام البقالي في روايته (الطوفان الأزرق).
ولعل قصور التجارب الأدبية العربية المعاصرة في مجال أدب الخيال العلمي يعود في الأساس إلى قصور العناية بالعلوم التقنية في العالم العربي مقارنة بما هو عليه الحال في الغرب، مما اوجد هذه الفجوة، بل الهوة السحيقة بين الواقع العلمي في الجانبين، فهل يأتي اليوم الذي تتلاشى فيه هذه الفجوة، وتردم فيه هذه الهوة السحيقة؟
التعليقات (0)