مواضيع اليوم

في الخليج والعالم العربي هدر للمال العام وتدمير للمواهب وتدوير للبترودولار وتبديد المليارات على أسلح

منير مصطفي

2011-05-17 13:13:02

0

في تقرير لمجلة فورجن (Fortune Magazine) (شباط /فبراير 2011) الأمريكية أن مسؤولين أمريكيين لعبوا دور الوسيط لبيع أسلحة أمريكية لبلدان عربية نفطية غنية، وأن واشنطن زادت من تصدير أسلحتها إلى الدول العربية. فعلى سبيل المثال وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة في 2011 عقدا بسبعة مليارات دولار لشراء منظومة صواريخ دفاعية هي الأحدث من شركة لوكهيد الأمريكية، بينما وقعت السعودية خلال 2010 واحدة من أكبر صفقات الأسلحة الأمريكية في التاريخ المعاصر، بلغت ستين مليار دولار. وحسب مجلة فورجن فإن الصفقة السعودية هي الأكبر في مبيعات الأسلحة الأمريكية لدولة أجنبية في الذاكرة الحديثة على الإطلاق.
وأكثر من ذلك فإن دول الخليج العربي الغنية بالنفط شكلت 50 من مبيعات الأسلحة الأجنبية بين 2006 و2009. خلال تلك الفترة اشترت المملكة العربية السعودية ما قيمته ثلاثة عشر مليار دولار أسلحة أمريكية، وأنفقت دولة الإمارات أحد عشر مليار دولار. وغني عن القول إن الدول العربية لا تحتاج حقيقةً لتلك الأسلحة الأمريكية المتطورة التي ما إن تجد طريقها إلى المخازن حتى يعتريها الصدأ فتنتهي صلاحيتها ويذهب ما صُرف على شرائها من دم الشعوب العربية أدراج الرياح. ومعروف أن الضباط العسكريين العرب المعروفين بنزعتهم الوطنية ممنوع عليهم التصرف بتلك الأسلحة. وأما الأسلحة الأمريكية ذات الطبيعة المحلية - كما يمكن أن توصف - كالرصاص الحي والدبابات والمدافع والطائرات فإن الدول العربية تستعملها لقمع المواطنين فقط كما يُلاحظ في قمع الثورات الشعبية العربية.في تقرير لمجلة لوس أنجليس تايمز (2011) المواطنون العرب الذين خاضوا الثورات الشعبية العربية لاحظوا أن قنابل الغاز المسيل للدموع وأسلحة القمع الأخرى مكتوبا عليها مصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل من قِبَلِ الأنظمة العربية لقتل وتشويه وإعاقة المحتجين السلميين العزل. ومثل ذلك كتب نيكولاس كْريستوف في نيويورك تايمز 2011 كان واضحا أن البحرين حليفة الولايات المتحدة الأمريكية استعملت الدبابات الأمريكية والمسدسات الأمريكية وقنابل الغاز الأمريكية والمرتزقة الأجانب لقمع المتظاهرين الديمقراطيين السلميين.. ونحن بقينا غالبا صامتين نتفرج. وللموضوعية نؤكد أن ذلك صحيح رغم هبوب رياح طائفية على الثورة الشعبية البحرينية خلال أسبوعها الثالث للأسف، مما جعلها تنحرف عن مطالبها العادلة والمشروعة. تقرير الأمم المتحدة لعام 2009 عن تنمية الإنسان العربي أفاد بأن الدول العربية كانت أقل صناعيا في 2007 مقارنة بعام 1970 حيث كانت أفضل صناعيا.
التقرير أيضا أكد واقعا مريرا وهو أن 36 من الشعوب العربية تعيش في فقر مدقع وتحت خط الفقر، وأن ثمة غيابا للأمن الإنساني شكل عقبة كأداء أمام التقدم الاقتصادي والمعيشي للإنسان العربي، وأن هذا كله ترك الشعوب العربية عموما تعيش في حلقة مفرغة وأن التحرر من الخوف والتحرر من العوز - رغم الثورات الشعبية في بعض البلاد العربية ـ ينقص الكثير من الشعوب العربية الأخرى خوفا من قمع السلطات، بَيْدَ أن ذلك بدأ ينحسر لتجرؤ الشعوب على كسر حاجز الخوف نتيجة ثورات تونس ومصر واليمن وسورية والبحرين وعمان ودعوات كثير من قادة الرأي السعوديين كسعد الفقيه من لندن للانتفاضة ضد النظام. بينما شراء أسلحة متطورة يساعد على تدوير ريع النفط وموارده لصالح الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ميزانيات الدول العربية الغنية تم تخصيصها لهذا القطاع غير المنتج وهو قطاع التسليح مما يهدد التنمية الاقتصادية ويعرض مستقبل الرعاية الاجتماعية للأجيال القادمة للخطر. (الشفافية الدولية) في تقريرها عام 2010 المتعلق بالفساد صنفت عدة دول عربية بأنها بين الدول الأكثر فسادا في العالم (مثلا العراق، السودان، ليبيا، سوريو، لبنان ومصر..إلخ). إن الانتشار الكبير للرشوة والتزوير والفساد لا يدمر فحسب النسيج الاجتماعي في الدول العربية ويعطل النمو الاقتصادي، بل يؤدي في نهاية الأمر إلى الاعتماد الضخم وغير المحدود على الأسواق الأجنبية ويشل أي إمكانية محتملة لبناء مؤسسات سياسية وقانونية. إن تدمير المواهب هو انعكاس لانعدام الحرية أو تقييدها، ونقص في السياسات التعليمية الجادة والحكومية لإيجاد واستدامة وتوظيف موارد النفط والثروات الأخرى. وقد ورد في التقرير المذكور أن شراء دول العالم العربي الغنية بالنفط الأسلحة من دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (هو لازمة مُلزِمة للعلاقات العربية الأمريكية على وجه الخصوص، التي تبدو أي الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنها الوصية على النفط والثروات العربية، أو هي فعلا كذلك) هي إذن حسب التقرير محاولة لتدوير أموال النفط بغرض تبديد الثروات بالحصول على عمولات خيالية أحيانا، كما حدث في (صفقة اليمامة) السعودية مصحـــوبة بفضائح مالية هزت بريطانيا، والمتورط فيها أمراء سعوديون، والتي لمَّا يخفت أوارها بعدُ، وكما حدث ويحدث في صفقات الأسلحة الأمريكية وغيرها.
وإذا ما أُضيف إلى كل ذلك محاولات الأنظمة العربية الاستبدادية تحطيم المواهب والطاقات وتهميشها في الحد الأدنى، مما يهدد البنية التحتية للتطور الاقتصادي والاجتماعي. وفي استعراض للتنافس في العالم العربي عن عام 2010 خرج المنتدى الاقتصادي العالمي بخلاصات مثل أن العالم العربي فشل فشلا ذريعا في زيادة نصيبه في السوق العالمية وأن الدول العربية كمنظومة فشلت في إيجاد وظائف لشعوبها المتزايدة مما يجعلها الأعلى في العالم من حيث البطالة. وفي حين أن ابتياع وشراء الأسلحة، وهو فرضُ عينٍ (وليس فرضُ كفاية) على الأنظمة والدول العربية الغنية بالنفط والثروات الإستراتيجية الأخرى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، يهدفان بين ما يهدفان إليه إلى تدوير أو إعادة تشغيل أموال النفط (بمعنىَ آخر سرقة مكشوفة وفي وضح النهار وبرضى الطرفين، والضحية هي الشعوب العربية)، فإن الكثيرين ينظرون إلى عملية التدوير أو السرقة هذه على أنها شكل فاضح لتبديد الثروة، مضافاً إليها أشكال أخرى كالفساد وتدمير المواهب المواطنية كلما برزت بصورة أو بأخرى مما يهدد النمو الاقتصادي والاجتماعي. من المعروف عالميا أن أحد المؤشرات المفيدة في مجال رعاية المواهب والاستفادة منها هو عدد براءات الاختراع التي تتحصل عليها الدول كل عام من خلال مواهب مواطنيها. مكتب براءات الاختراع والعلامة التجارية الأمريكي يظهر في عام 2009 أن (إسرائيل) حصلت على 1525 براءة اختراع مسجلة، بينما العالم العربي مجتمعاً لم يحقق سوى 63 فقط. وهذا يعد منخفضا بشكل كبير مقارنة بدولة لديها مصادر ثروة طبيعية محدودة، وهي كوريا الجنوبية التي حققت 9566 براءة اختراع لوحدها. إن فقر العالم العربي المفروض عليه من النظام القمعي والمستفيدة منه الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) ودول الغرب الأخرى في مجال الخلق والإبداع والتجديد والابتكار (مع كثرة مبدعيه ومجدديه ومبتكريه المقموعين، إذ يُنظر إليهم على أنهم مصدر تهديد للنظام الديكتاتوري ولإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأخرى) أوجد وضعا وبيئة مخيفة في العالم العربي، بحيث ان رأس المال البشري يتم تجاهله وتهميشه وتغييبه، بينما موارد النفط تُهدر على برامج لا علاقة لها بالنمو الثقافي والاقتصادي.
إن فك أسر المواهب والأعمال الإبداعية العربية مستحيل أن يتم تحقيقه في ظل (أو في هجير) انعدام الحرية السياسية أو غيابها في أحسن الأحوال والانفتاح والمؤسسات المدنية الحيوية. هذه العوامل تعتبر شروطا موضوعية لأي تغيير إيجابي في العالم العربي، ولذلك لم يكن مستغرباً أن انتفاضة الشباب العربي قادت وما تزال تقود التغيير السياسي والانفتاح كميكانية لإسعاف العالم العربي وانتشاله من حضيض الانحطاط. إن الظلم والسياسات المحلية القمعية تحد من الإبداع بصورة ضخمة وتشل التعرف على المواهب وتعوق التطور.
إن ذلك كان العامل الأكبر الطارد للعقول العربية وهجرتها القسرية إلى الغرب. لعقود طوال وواشنطن تحافظ على علاقات قوية مع الأنظمة العربية الديكتاتورية الشمولية القمعية. الشراكة مع هذه الأنظمة كانت ولمَّا تزل أداة مهيمنة في إبقاء الأنظمة الديكتاتورية في الحكم وعامل شلٍّ وتعويق للتقدم الاقتصادي في العالم العربي. حتى مع تزايد الوعي العربي الشعبي بقمع وفساد الأنظمة الديكتاتورية (العربية) فإن واشنطن ـ رغم طنطنات مسؤوليها ـ تواصل دعم وتأييد هذه الأنظمة القمعية والفاسدة. في واقع الأمر فإن صانعي السياسات الأمريكية إمَّا أنهم تجاهلوا أو شجعوا الحكام العرب على الاستمرار في تصرفاتهم بهدر المال العام. نيويورك تايمز (24 آذار/ مارس 2011 ) نشرت ما مفاده أن واضعي السياسات الأمريكية كانوا على علم بأن القذافي أبرم مع الولايات المتحدة الأمريكية عقودا غير قانونية لبناء ثروته المقدرة بأكثر من مائة مليار دولار، ورغم ذلك وقعت معه اتفاقيات تجارية جديدة وفقا لما قاله جين كْرِيتز السفير الأمريكي في ليبيا: كانت تلك الاتفاقيات مصممة لتوسيع وتعميق علاقاتنا الاقتصادية الثنائية.
إن الوضع الإنساني والاقتصادي المأساوي في العالم العربي يُظهر أن الحكام العرب متورطون منذ زمن بعيد في تدمير هائل لموارد العالم العربي النفيسة والإستراتيجية وعوقوا وشلوا النمو الاقتصادي وبرامج الاستثمار الجادة. إن دعم ومساندة واشنطن غير المشروطة للحكام العرب وأنظمتهم القمعية عمقت انعدام الحرية وعوقت وشلت تنمية المواهب والتطور، وإضافة إلى كل ذلك زادت من وتيرة سرقتها لما تبقى من الثروات العربية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !