في الحوار المتكافئ.. لا غالب ولا مغلوب
خليل الفزيع
انتشرت عبر وسائل الإعلام المختلفة في السنوات الأخيرة مصطلحات جديدة ومنها مصطلح الحوار، الذي تعددت وجوهه، ومنها الحوار مع الذات والحوار مع الآخر وحوار الحضارات وحوار المذاهب والأديان، وغير ذلك من أطراف الحوار التي تشترك في طرح همومها وقضاياها، بهدف الوصول إلى تخطى نقاط الاختلاف، وتقليصها لحد عدم التأثير السلبي على حاضر ومستقبل العلاقات بين تلك الأطراف، وما يفرزه هذا التأثير السلبي من عوامل تنمية الخلاف، وأسباب اتساع رقعتها لدرجة قد تسد أمامها طرق العودة حتى وإن وصلت إلى طريق مسدودة.
ولضمان نجاح أي حوار لا بد من أن يكون متكافئ الطرفين، لأن الحوار غير المتكافئ معروف النتيجة، فهو يحسم دائما لصالح الأقوى، ليتحمل الضعيف ما ينجم عن ذلك من أخطاء نتيجة ضبابية أو انعدام الرؤية في هذا الحوار، لأن الأقوى دائما هو المسيطر على كل المواقف، خاصة إذا امتلك قوة غاشمة، وليس قوة الحق، وأقول قوة الحق، لأنها قد تكون مع الضعيف ومع ذلك لا تحقق العدالة المطلوبة لنصرة العدل، دون أن نتجاهل أن الحق سلاح قوي في أي حوار، إذا توفر له من يتبناه بشجاعة وقوة وإرادة وثبات لا تنال منه كل عوامل الفشل أو الإحباط.
ويتحقق التكافؤ إذا تحقق العدل والمساواة في الحوار، وإلا فإنه سيكون في الغالب أشبه بحوار الطرشان الذي لا يصل إلى نتيجة، حتى وإن لم تستخدم فيه تلك القوة الغاشمة، ويكفي لإلغاء فاعلية أي حوار أن تسيطر على أجوائه رغبة الإصرار على تحقيق أهداف الحوار لمصالح أحد الطرفين، دون النظر لمصالح الطرف الآخر وشرعيتها وعدالتها، وسبب ذلك انعدام هدف الوصول بالحوار إلى شاطئ الأمان من قبل أحد الطرفين، من خلال تغليب مصالحه على مصالح غيره.
ما يشهده العالم من حوار بين قواه المتصارعة، وبين أديانه ومذاهب تابعيها، وبين دوله المتناقضة المصالح، وبين مجتمعاته المختلفة الثقافات والحضارات والتوجهات والطموحات المستقبلية، كل ذلك لا يزال خاضعا لمصالح الدول الكبرى، التي تسعى جاهدة للسيطرة، وإثارة الفتن والحروب المدمرة في أكثر من جزء في هذا العالم، رغم كل ما يطرح من أفكار مختلفة حول اتخاذ سبيل الحوار طريقا لحل التعقيدات والإشكالات الحادة التي تتسع دوائرها مع مرور الزمن، في هذا العصر المنكوب بأخطاء كثيرة ليست السياسة وحدها هي المسيطرة عليها، بل قد تتدخل الطبيعة وجغرافية الدول، وديموغرافيتها السكانية وموروثها الثقافي، في تفاقم الأوضاع ونسف أحلام البشر في غد أفضل، وربما تدخلت أمزجة حادة وطباع شرسة لدى بعض الأفراد للوصول بمجتمعاتهم وربما دولهم إلى الهاوية، وما يحدث من خلافات بين الدول، يحدث بين أفراد الوطن الواحد، والمجتمع الواحد، بل والأسرة الواحدة وبدرجات ومتفاوتة.
الحوار المتكافئ مبني على أسس احترام كل طرف للآخر، والتعامل معه بأسلوب حضاري، بعيدا عن الإقصاء أو حب السيطرة، أو وضع الأحكام المسبقة والعمل على تنفيذها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، والحوار المتكافئ أيضا هو ذلك الحوار الذي تتوفر فيه الرغبة في الوصول إلى حل يرضي الطرفين، بناء على مقارعة الحجة بالحجة، والفهم الواعي لموقف الطرف الثاني، حتى وإن كان ضعيفا لكنه يملك قوة مستمدة من قوة القوانين والاتفاقيات والقرارات الدولية، والعوامل الإنسانية البعيدة الهدف، والثاقبة النظر للحاضر والمستقبل.
في ظل مثل هذه الظروف يمكن أن ينشأ حوار متكافئ، مهما كانت نتائجه فلن يكون فيه أحد الطرفين مغلوبا، لأن هذه النتائج تؤسس لعلاقة سليمة بين الدول، وتؤصل قيما نبيلة للحوار، وتنظر إلى الأمور بشمولية وحيادية ورغبة في الانتصار للعدالة والسلام، وإشاعة الخير بين كل الدول والمجتمعات، لا فرق بين قويها وضعيفها، ما دام الجميع في مركب واحدة تسعى بجد للوصول إلى شاطئ الأمان، بدل أن تغرق بمن فيها، وهذه نتيجة كارثية لا يرغب أحد في الوصول إليها.
التعليقات (0)