شكلت التنسيقيات منذ ظهورها ,نوعا جديدا من طرق النضال,أما العودة تاريخيا لهذه التجمعات إنما يبين مدى قوتها في تحقيق مطالب فئوية بعيدا عن ما هو سياسي و في تجاوز للبنية التقليدية المتعارف عليها, نقابات أو أحزاب سياسية.
و إذ أظهر الربيع العربي قوتها , فإنها برزت إلى السطح بقوة في المغرب,عبر تنسيقيات الشغيلة التعليمية,تنسيقية الأساتذة المتعاقدين, و قبلها المتدربين, و تنسيقية طلبة الطب....مما يطرح أسئلة متعددة عن قوة هذا الشكل النضالي في تحريك البرك الأسنة.
و من الأسباب الكامنة وراء ظهور هذه الوسيلة , للدفاع عن مصالح فئوية , نجد ابتعاد النقابات عن دورها المحوري في الدفاع عن الأجراء و الشغيلة بمختلف أنواعها , عبر توافق مع الأحزاب السياسية و لوبيات الباطرونا. كذلك أدى
تغول الباطرونا و تراجع دور الأحزاب السياسية في فرض أجندتها إلى تمرير قرارات لا تخدم مصالح الأجراء و العاملين ,كما أدى توافقها مع السلطة الى ضرب الحقوق و الحريات النقابية,و إلى ظهور حاجة ملحة لشكل نضالي جديد يخدم المطالب المادية الأساسية للفئات المعنية بالتنسيقيات, كما تحولت هذه الأخيرة إلى بديل يتجاوز جدلية النقابي و السياسي , و السياسي و النقابي هذه الجدلية التي عمرت طويلا.
و في ظل التراجع عن المكتسبات الحقوقية للأجراء و العاملين , و التواطئ المفضوح بين رأس المال و التمثيليات النقابية و السياسية ,و تكريس الطبقية إغناء الغني و إفقار الفقير, أصبح لزاما على من يريد تحقيق مطالبه ,الإندماج في تنسيقيات تتوافق على الحد الأدنى من المطالب بعيدا عن سياسة المكاسب الوهمية و لغة البيانات التقليدية.
و في جانب أخر, لا بديل أمام الشعب إذا أراد الدفاع عن مصالحه سوى تجاوز البنية التقليدية , و تأسيس تنسيقيات كما حدث في تونس و بعض الدول العربية,فلا الأحزاب السياسية و لا النقابات أصبحت قادرة على إعطاء الإجابة عن أسئلة الشارع العربي عامة و المغربي خصوصا,في الحقوق و الحريات , و المطالب المادية كالحق في الشغل والزيادة في الأجور, و خدمات صحية في متناول الجميع.....
لقد ظهرت مؤخرا بعض الدعوات إلى إنشاء تنسيقيات من شأنها أن تدافع عن مصالح المواطنين, و الخروج من الفئوية التي تميزت بها هذه الوسيلة, و اقترح البعض إسما التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحقوق و الحريات, فكيف ستكون مطالب هذه التنسيقية إذا توافقت حول حد أدنى من المطالب و تجاوزت البنية التقليدية في المغرب .
التنسيقيات كشكل نضالي فئوي يختفي معه السياسي و يحضر الحد الأدنى من التوافقات حول مطالب مادية و حقوقية محددة أصبحت نموذجا تجاوز النقابات و الأحزاب السياسية في طريقة اشتغالها وهذا أمر واقع , يثبت أن النضال يمكن أن يتم خارج أفقها النقابي و السياسي ,بعيدا عن التوافقات الذاتية و الانتخابية . لذلك تعرضت لمحاولات العزل و الشيطنة إلا أنها صمدت، و فرضت نفسها كمعطى حاضر بقوة, الان و مستقبلا.
التعليقات (0)