بعد عقود من النضال من أجل الإستقلال، أعلنت " الحركة الوطنية لتحرير أزواد " رسميا استقلال دولة "أزواد" عن مالي. وطالبت الحركة في بيان " الإستقلال" المجتمع الدولي إلى الإسراع بالإعتراف بها، كما تعهدت باحترام المواثيق الدولية والعمل على بناء دولة مؤسساتية وديموقراطية.
هذا القرار يأتي في وقت تعرف فيه دولة مالي أخطارا محدقة بعد الإنقلاب العسكري الذي أطاح قبل أيام بالرئيس "أمادو توماني توري". لذلك كان توقيت الإعلان عن انفصال شعب أزواد عن مالي دقيقا، فقد استغل قادة الحركة الثورية حالة الفوضى التي خلفها الإنقلاب العسكري الأخير، وكذا سقوط نظام القذافي في ليبيا، (حيث كان أكبر عائق أمام سعي الطوارق إلى الإستقلال) ليعلنوا عن تأسيس دولتهم الجديدة. والواقع أن موقف المجتمع الدولي كان منتظرا وليس مفاجئا. إذ رفضت مختلف الدول (سواء تلك المجاورة منها للإقليم، أو تلك الفاعلة في صنع القرار العالمي) هذا القرار الأحادي. ويبدو التخوف الدولي مبررا استنادا إلى طبيعة المنطقة التي أصبحت مرتعا خصبا لتنظيم القاعدة الذي يعرف نشاطا متناميا هناك منذ عدة سنوات. وهذا يعني أن ظهور دولة وليدة في هذه المنطقة الصحراوية من شأنه أن يزيد من أطماع القاعدة ومختلف جماعات " الإسلام الجهادي". وهو ما قد يحول دولة "أزواد" إلى أفغانستان جديدة تهدد الإستقرار الإقليمي.
الرفض الدولي لاستقلال دولة الطوارق يرتبط إذن بالقلق من تنامي مد الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء. لكن الأوضاع التي تعيشها مالي بعد الإنقلاب، وبالنظر إلى هشاشة الدولة و شساعة حدودها المستعصية على المراقبة والتأمين، تبقي خطر القاعدة قائما سواء بظهور دولة جديدة على الحدود بين مالي والجزائر أو بدونه. وفي هذا السياق عبرت جماعة " أنصار الدين" المسلحة والتي تنشط في شمال مالي تعليقا على إعلان استقلال " أزواد" عن رفضها للقرار من منطلق أن " لا حرب من أجل الإستقلال، بل من أجل الإسلام." ...لذلك كان حريا بالمجتمع الدولي قراءة ما يجري هناك بمنظار الربح والخسارة على المدى البعيد دون التقوقع في دائرة المتطلبات الآنية للإنخراط في الحرب على الإرهاب. ذلك أن محاربة القاعدة وشل حركتها يقتضي التعامل مع الدولة الوليدة بنوع من البراغماتية، وذلك عبر مساهمة الدول الكبرى في العالم في بناء دولة "أزواد" وتقويتها، ومساعدتها من طرف دول الجوار على حماية حدودها وتوفيرما يلزمها لتحقيق الإستقرار والأمن... إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها بعد هذه الخطوة، فقد أصبح استقلال شمال مالي أمرا واقعا يصعب تغييره. أما إذا عمدت فرنسا أو دول الجوار إلى التدخل العسكري لفرض إرادة القوة فإن نتائج هذا الإجراء ستكون عكسية حتما، ولن يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من التوتر.
أما في المغرب وفي انسجام مع الموقف الدولي المعلن عبرت وزارة الخارجية عن رفض استقلال دولة الطوارق، لكن هذا الموقف قد لا يستمر طويلا لأن الديبلوماسية المغربية مطالبة بالتعامل مع مجريات الأمور بما ينسجم مع مصلحة البلاد. وما يحدث في منطقة الساحل والصحراء لابد أن يؤثر من قريب أو بعيد على بلادنا، لأن أعداء الوحدة الترابية للمغرب يعتبرون جزءا من المعادلة السياسية والأمنية في المنطقة خصوصا بعد حالة اختطاف أجانب في تندوف شهر أكتوبر الماضي. أما الحسابات الإثنية فينبغي وضعها جانبا لأن استقلال أمازيغ مالي هو حق يبدو أنه أصبح واقعا. ولا ينبغي أن يقرأ بأنه بداية لطموح تقسيم المنطقة على أسس إثنية. وعلى المغرب أن لا يسمح لأعداء الوحدة الترابية بتحقيق أي نفوذ في المنطقة، وانخراط المغرب في مساعدة الدولة الوليدة يعتبر خطوة ينبغي التفكير فيها في المستقبل حتى لا تتحول أزواد إلى خط خلفي تستغله البوليساريو والقاعدة معا.
التعليقات (0)