مشهد العالم العربي وهو (يغلي) يوحي بأشياء كثيرة ! .. يصعب تحديدها ووصفها ، لأنها مزيج من المشاعر والأحاسيس سعيدها وحزينها ، وخليط من الأفكار إيجابيّها وسلبيّها ، عن شعوب تستميت وتضحي بالغالي والنفيس لإسترداد حرّياتها المُصادرة ! .. وعن حكام دأبوا على تحويل دولهم إلى (ممتلكات أسرية) ، يحكمها الإسم العائلي الواحد ، والحزب الواحد ، والرجل الكامل الواحد الذي يحرق كل من ينادي بالتعددية وبالديمقراطية ! ..
إن ما يشهده الوطن العربي من تحركات جماهيرية ضد الأنظمة والحكومات ليست كلها إيجابية ، ولا تنصب كلها في خانة (الثورة ضد الدكتاتوريات والفساد) ، كما أنها لا تخدم المسعى العام الذي جعل العرب يتفقون تلقائيا ، بعد أن كانوا مضرب المثل (إتفق العرب على أن لايتفقوا) ، والذي قاموا بضربه بعرض الحائط ! ..
فالعرب أثبتوا ـ بالشعوب المستضعفة والمُعدمة في أغلبها حتى من لقمة تسد بها الرمق ـ أنهم لايحتاجون إلى إلغاء التأشيرات ، ولا إلى فتح الحدود ، ولا إلى عقد قمم عربية جامعة وشكلية ، ليتحدوا من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية ! .. ولم يحتاجوا سوى لمبادرة كانت ـ وللمفارقة ـ من أصغر الدول العربية حجما ، وأقلها ثروات ، لكن أكثرها وعيا وثقافة .. تونس .. والتي قامت بالجزء الأصعب من المهمة !.. أليس أصعب ما في الأمور بداياتها ؟ .. فسبحان الله الذي يودع سره أضعف خلقه ! ..
لينضم العرب بعدها إلى قافلة الوحدة العربية الحرة تباعا ! .. وهو شيءٌ يثلج الصدر ، أن تتحرك الإرادات العربية وتنتفض من أجل إحداث تغييرات جوهرية وإيجابية في منظوماتها ، لأن مواهبها وملكاتها وطاقاتها ستتفجر كلها لتطوير الأوطان والنهوض بها ، فيما لو وُظف مكسب التحرر ـ من أنظمة التكبيل والتعطيل والتكميم والتعتيم ـ في مكانه المناسب ! ..
لكن ما يحز في النفس ، أن بعض العرب قام بركوب الموجة ليس إقتداءاً ، ولا غيرة ولا حتى تقليداً أعمى ، بل بتحريض من جهة أجنبية بعينها ، تحكمها وتسيّرها أيديولوجية رجعية خطيرة ، قائمة على الطائفية والمذهبية ونكران الآخر! .. إنها إيران التي تستغل الحركية الشعبية في الوطن العربي لمحاولة توسيع نفوذها الشيعي الذي يهدد كل ما سواه من طوائف ومذاهب وخصوصا المذهب السني ، بالتالي فالعرب جميعا مهددون ، لأنه لايمكن ـ ولا بأي حال من الأحوال ـ الفصل بين العرب ومذهب واحد على الأقل من الإسلام في كل وطن .. فالدفاع عن الإسلام هو دفاعٌ عن العروبة أيضا ، والعكس صحيح !..
فما يحدث في مملكة البحرين له خصوصيته التي يتفرد بها عن موجة المطالب العربية في التغيير والإصلاح ، لأن التغيير المنشود الذي يُنادى به هناك ليس عاديا يطال نظام الحكم أو يطال العائلة الحاكمة ، بل هو تغيير مذهبي طائفي مقيت ، تفوح منه رائحة التشرذم النتنة .. فما يحدث في البحرين لايعدو كونه إختبارا شيعيا بإمتياز ، ونفحات شيطانية منبعثة من أعالي (قم) الإيرانية! ..
إيران الجمهورية التي قامت بإسم الإسلام سنة 79 ، ما فتأت تحاول إخفاء بشاعة إستعمالها للإسم المطهّر في القذارة ، وما فتأت تحاول الظهور بصورة (الأخ في الدين) أمام العرب ، رغم دسائسها ومؤامراتها ضد كل ما لايمُت للشيعة بصلة ، وضد كل ما تُصدَر بشأنه فتاوى تكفيرية من ملالي قم ، وهؤلاء يتفقون ـ رغم نزاعاتهم على الولاية ـ على أن الإسلام برمته يجب أن يكون شيعيا وإلا (فعليّ وعلى أعدائي) ! ..
الحكاية إذن : إما حليف شيعي كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق ، وإما عدو تُنسج خيالاته من تاريخ الشاه (محمد رضا بهلوي) ، الذي يُجسد دوره حاليا ملك البحرين حمد آل خليفة مُرغما ومُكرها ، ليُعيد التاريخ الإيراني نفسه وبنفس السيناريو لكن في مكان مختلف!.. والدليل على الدعم الإيراني القوي للحراك في الشارع البحريني هي تصريحات المسؤولين الإيرانيين الرافضة لتدخل قوات ما يسمى حلف (درع الجزيرة) في البحرين ، وليس رفض التدخل هو ما يثير الريبة في دفاعات الإيرانيين المزعومة عن السيادة البحرينية ، بل هو التوقيت الذي إختارته طهران للتعبير عن رأيها في أحداث العالم العربي إجمالا ، فنحن لم نسمع إيران تتحدث عما حصل في تونس ومصر ، ولم نسمع رأيها فيما يحدث في ليبيا ، ورأيها في الحظر الجوي أو التدخل (الأمريكي) في ليبيا ؟!..
لماذا البحرين تحديدا وليس العراق التي يحكمها نظام شيعي ، يقمع كغيره من الأنظمة العربية كل صوت ينادي بالتغيير أو حتى بالإصلاح ؟ ..الإجابة واضحة في أن الهدف من إبداء الرأي في القضية البحرينية تحديدا ، يحمل رمزية لدى إيران في أن (المعارضة الشيعية) هي صاحبة مطلب التغيير في البحرين ، وأن ثورة شارع البحرين ليست كما الثورات الشعبية في كل الدول العربية المطالبة بتغيير النظم وبالإصلاحات ، لأنها ضد العرب جميعا مادامت ضد جميع مذاهبهم! ..
فالثورة في البحرين هي ثورة ضد كل الطوائف والمذاهب ، وضد كل العرب والمسلمين الضالين عن سواء صراط الشيعة القويم والمستقيم ! .. لذلك أشيد بالهبّة السعودية في إرسال طلائع من قوات درع الجزيرة لدحر الخطر الإيراني المتعصب ، ولا أرى أن أي تدخل عربي عموما وخليجي خصوصا في البحرين ، يشكل خطورة أكثر من خطورة المد الشيعي فيما لو وصل إلى السلطة هناك ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 17 . 03 . 2011
التعليقات (0)