نظرية المفاضلة , من الأساليب التي ينتهجها السياسي في التعامل مع الأحداث اليومية , ومعروف ان السياسة هي فن الممكن , إذن , فالعمل السياسي فيه الكثير من الحرية التي تضمن الحركة , وفق المصالح التي تضمن سير الأمور من غير منغصات أو عقبات , لذا نرى ان العلاقات الدولية تحمكها المصالح وعلى كل المستويات , فأي متغير في الميزان الدولي, حكما سيؤثر على تلك العلاقات , سواء من قريب أو بعيد, ولهذا المتغير أيضا, إفرازات ونتائج ستتحدد من خلالها مستوى كل العلاقات على إختلافها وتنوعها , ومنها سيعيد كل طرف حساباته وفق ماجرى من متغيرات , آخذا بالمصالح العليا لدولته أو نظامه السياسي , وهذا المعنى ينطبق حتى على مستوى الأفراد , فلو كنت صديقا حميما لأحد ما, يوم كانت مصالحنا مشتركة ومواقفنا موحدة , فلا عجب في تباعدنا أو حتى إنقطاع الوصل بيننا , لماذا ؟ لأن هناك متغير في المواقف, مما جعلني أغير من مستوى العلاقة , والعكس صحيح أيضا .
كذلك الأمر ينسحب على الأحزاب والحركات السياسية , نجد أن الحزب الفلاني قد إختلف مع الحكومة مثلا , لخروجها عن مفردات الخطاب الوزاري الذي اتت به حين تشكيلها , وهذا يعني أنها نقضت العهد , فبالتالي يحق للحزب, إما أن يقاضيها عن طريق الإستجواب وبإسلوب الإستضافة الى البرلمان ,( مجلس النواب ), أو أنه ينتفض وينتهج أساليب أخرى تعبر عن رفضه لسياسة تلك الحكومة , وبهذه الحالة , أما ان ترضخ الحكومة للمطالب, أو أن تزج بأتباعه في غياهب السجون والمعتقلات ( وعلى الأغلب هو المتبع في عالمنا الإسلامي ) ؟!!! , فإذن كيف حصل هذا ؟!حصل, لأن المواقف تغيرت ومعها تغيرت المصالح , يتضح , أن في السياسة , لاصداقة دائمة , ولا عداء دائم , هذا هو المعيار الحقيقي في العمل السياسي
عادة تبدأ عملية المفاضلة هنا وفق حسابات الربح والخسارة الآنية وفي المستقبل , كيف ؟, لو نفترض أن دولة ما في هذا العالم ودون تحديد, تعتبرها دولة أخرى بمثابة سوق كبيرة لتصريف منتوجاتها المتنوعة , دون تحديد لحجم التوريد , أو التسمية لتك المنتوجات , ودولة أخرى تستورد فقط سلعة واحدة من تلك الدولة , فما هو وجه العلاقة بين الثلاثة , حتما تلك التي هي السوق الكبيرة, لها الحصة الأكبر من الدعم بكل أشكاله , ولدى كل المحافل الدولية , إذا ماتعرضت لأي هضم لحقها ,وأحيانا حتى لو كانت هي المعتدية , وأما تلك يمكن التعاطي معها , لكن بحجم الفائدة المتحققة منها لاغير , نقرب المعنى , أمريكا تستورد النفط من ( السعودية ) وتستورد من فنزويلا أيضا , فمن هي أقرب سياسيا لأمريكا من الإثنين؟ , لوعدنا الى الميزان السياسي الآن لوجدنا ( السعودية ) هي الأقرب, لماذا؟ لأن حجم ونوع المصالح بينهما مشترك, بل في الكثير من الأحيان هو بإتجاه واحد , ولا يتبادر الى الذهن أن بين أمريكا ( والسعودية ) إتفاقيات مثلا أو معاهادات موقعة على محاضر تدوين أو نحو ذلك !! لا, إن الأمر هنا مختلف تماما , لأن العلاقات بين الإثنين تفوق أي تصور , ولايمكن حصرها بورق أو حبر ,{ هكذا هي الأنظمة المستبدة والسرية والفاسدة . , !!! .
أخذنا ماتقدم كنموذج , لأننا نتعايش معه عن قرب, ونقرأ إحداثياته كل لحظة نحن فيها احياء , إذن البعد السياسي في نظرية المفاضلة قائم في العلاقات الدولية , ولا يمكن إنكاره أو تهميشه أو حتى التقليل من اهميته , بل العكس , فإن مما يتضح لنا الآن من صورة العالم ككل , هو حالة المفاضلة التي تحكمها كل الأبعاد في العلاقات مابين الدول , نعرج على الصورة الثانية من العلاقات تلك , لو نفترض أن لبنان طلب من أمريكا 100 دبابة متطورة , والكيان الصهيوني طلب نفس العدد , هنا امريكا ستضع هذا الطلب في الميزان السياسي التكتيكي الحالي قطعا ,لماذا , في مخيلت أمريكا , مخطط يراد لها أن تفعله على الأرض, من أجل مكاسب عديدة ولأجل غير مسمى ,وهذا المخطط يبدأ من لبنان حصرا, على إعتباره هو خط التماس الذي يشكل التمدد العسكري لأمريكا بإتجاه الشرق ,مستفيدتا من أدواتها العملائية في الداخل اللبناني, بالرغم من هزيمتها التي منيت فيها , وفي هذه الحالة وطبقا لهذا التخيل الأمريكي , يعتبر لبنان مستباح ومباح لها تدخله متى تشاء , لكن منطقيا, هل يمكن لأمريكا ان تستعمل الكيان الصهيوني لهكذا مهمة ؟ حكما لا ! لماذا ؟لأن الكيان الآن, هو في حالة دفاع, ويريد المحافظة على ماحققه من مكاسب على الأرض, يعتقد أنها ستدوم ,وإلا لماذا يتوسط من اجل الهدنة والتي يطمح لها عاجلا ام آجلا , وهو الآن عاجز من ان يتحرك بإي إتجاه, ماعدا قتل المدنيين العزل في غزة هاشم, وغيرها من أرض فلسطين ,ناهيك عن الطوق المحكم والمضروب عليه من المقاومة البطله , من هنا ووفق المعايير السياسية للمخطط الأمريكي ,ونحن نعرف أن ذلك المخطط يبدأ, من بيروت ثم ينطلق بإتجاه دمشق وبعدها الى كل الأصقاع , إذا, لبنان في هذه الحال أفضل من الكيان مرحليا , هذه بإختصار نظرية المفاضلة في العمل السياسي
نريد من بحثنا هذا, أن نتطرق الى موضوع في غاية الأهمية كما نراه نحن,( وغيرنا ليس ملزما بذلك حكما ) , السؤال الإستراتيجي , من هو الأهم والأفضل , الذي تعطيه الكثير من أجل أن يحقق لك القليل, ام الذي تعطيه القليل, أو يمكن لاتعطيه شئ, إنما تأخذ منه كل ماتريد , بل ويكون هو في عهدتك ؟ الذي نعتقده ومعنا كل عاقل, هو الطرف الثاني في هذه المعادلة الحسابية , طيب الآن نريد ان نعرف ووفق هذه المعادلة , من هو الأهم والأفضل لأمريكا ومخططاتها التي( تعتقد أنها قادرة على تنفيذها في المنطقة )الكيان الصهيوني الزائل أم( الدول النفطية ؟ ), نعتقد وبموجب نظرية المفاضلة , أن( دول النفط ) هي الأهم والأفضل , لماذا ؟, قلنا في أعلاه أن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح , ونحن قد رأينا أن الكيان الصهيوني في الكثير من الأحيان, قد خرج عن الدائرة الأمريكية , بل أحيانا كان ندا لها , وامريكا تعتبر الكيان الصهيوني ولدا عاقا ومتمردا , وأن الخوف منه قائم لحين , إضافة الى أن الكيان, هو حالة إستنزافية للإقتصاد الأمريكي ,من خلال الدعم اللا محدود الذي تقدمه له أمريكا, وبلا مقابل فقط هو( الوفاء بتعهدات أي رئيس أميريكي خلال حملته الإنتخابية بالدعم لهذا الكيان فيما لو قدم له اللوبي اليهودي الدعم في حملته الإنتخابية تلك لاأكثر)وهذا هو الحاصل ,وهو أيضا مربك سياسي من النوع الأول , وعقبة كاداء في طريق المخطط الأمريكي الكبير , ناهيك عن تلكؤ العلاقات الأمريكية مع الكثير من دول العالم, نتيجة دعمها المفرط لهذا الكيان , الذي ينظر إليه عالميا , أنه ليس شرعيا , وإنه مغتصبا لأرض ومعتديا على شعب , وقد لايعرف الكثير أن هناك صراعا مخفيا بين الإثنين , فلا أمريكا تريد له أن يهنأ ويستقر, ولا هو يريد لها أن تتوسع وتسيطر, أي أن هناك نزعة أنانية عند كل طرف أزاء الآخر .
في الجانب الآخر من المعادلة , وهي ( دول النفط ,) نعرف أن النفط أغلبه بحوزة العالم الإسلامي, وكذلك والذي هو المهم أن الإحتياطي من النفط أيضا هناك , هذا أولا , ثانيا , أغلب الدول التي تمتلك النفط لها علاقات قوية ومتينة مع أمريكا, بل أغلبها مسيرة سياسيا وإقتصاديا , أي أن أمريكا مسيطرة عليها ,بل اكثر من هذا أنه يعين تلك الأنظمة , وبدرجات متفاوته كل حسب أهميتها من ناحية كمية الضخ الحاصلة الآن, ومن ناحية الإحتياطي لديها , أي أنها تعتبر إستنادا الى العرف السياسي الأمريكي , هي ولايات أمريكية بإمتياز لكنها بعيدة قليلا , نعتقد إن أمريكا ترى أن هذه الولايات وما تحققه على المدى البعيد من فوائد إستراتيجية هي الأفضل , وهي بنفس الوقت لاتخسر عليها أي شئ سوى أن تحافظ على أنظمتها السياسية المستبدة والسرية والفاسدة , خصوصا الملكية والسلطانية والأميرية , فهذه الولايات لاتطالب أمريكا بأي نوع من الدعم فقط ماذكرنا أعلاه , بل أنها تحقق لأمريكا , عدة مطالب أهمها أنها, جيرت كل ممتلكاتها بإسم أمريكا , مقابل أن تستمر أنظمتها في الحكم والسيطرة , وامريكا لابد لها من هذا الأمر , إستمرار أمريكا وإقتصادها الرأسمالي , مرتبط تماما بمصادر الطاقة , وأما محاولات بعض الدول, وهي لعبة أمريكية بإمتياز , بالإيحاء الى العالم النفطي, أنها قادرة عن الإستغناء عن النفط , وذلك من خلال( الطاقة الحيوية) التي تريد أنتاجها لتكون بديلا عن النفط لاحقا , هي في الحقيقة محاولة, بائسة لاترقى الى مستوى التصديق حتى, ( لنا وقفة مع هذه اللعبة ) الآن لانريد أن ندخل في تفاصيلها لأنها في الحقيقة تتطلب بحثا من نوع خاص
خاتمة :
أمريكا , متأكدة وعندها اليقين الكامل , أن الكيان الصهيوني الى زوال , لذلك نعتقد أن في المستقبل القريب, ستتحول أمريكا اكثر الى الإهتمام بالولايات النفطية وتدعم أنظمتها , وهي قد لعبت لعبتها في جعل أنظمة تلك الولايات , أنظمة وراثية من أجل ضمان وجودها على رأس الحكم, وبالتالي إستمرارها , كي تستمر معها السيطرة الكاملة عليها , أما من يقول أن وجود أمريكا في العراق سيؤثر على تلك الأنظمة بشكل سلبي , نقول له أنت واهم , لأن أمريكا لدغتها المعارضة العراقية, من خلال تغير بوصلة تلك المعارضة, بعد وصولها الى الحكم, الى غير الإتجاه الذي كانت تريده أمريكا , لذا من المفيد هنا, أن نقول لبعض المعارضين السياسيين لتلك الأنظمة والذين ,( مع الأسف ) وقعوا بنفس الخطأ الذي وقعت به المعارضة العراقية في السابق, حيث أنهم يعيشون في أمريكا وبقية دول العالم الغربي الذي يدعم تلك الأنظمة ,أن لافائدة من هكذا معارضة, إن لم تكن في وسطها الشعبي, ولابد لها من الإندكاك بقواعدها وجماهيرها التي تدعي في كل لحظة , اما والحال هذه , نعتقد ان لافائدة ترجى منها, وعليها ان تدرس تفاصيل المراحل التي مرت بها المعارضة العراقية, كي تستفيد من أخطائها , ولهذا , فإن تلك الأنظمة هي في مأمن الآن , وهي ليست متوجسة , لامن المعارضين لها, ولا من أمريكا التي إستفادة من تجربتها مع المعارضة العراقية كما قلنا آنفا , عليه , نحن نعتقد أن مع توفر امريكا على جميع المعطيات التي تقول بزوال الكيان الصهيوني , مع سيطرتها على تلك الأنظمة , وتجييرها بإسمها سياسيا وجغرافيا ونفطيا وإقتصاديا , مع عدم جدوى وفاعلية المعارضة لتلك الأنظمة , وعدم وجود أي بديل للنفط , كمصدر رئيسي للطاقة , نقول :: أن , ووفق الإستراتيجية الأمريكية ,أن ولايات النفط أهم وأفضل لها من الكيان الصهيوني , وأن غدا لناظره لقريب ......
علي المطيري
10_ 6 _ 2008
مواضيع اليوم
التعليقات (0)