مواضيع اليوم

في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية

خلف علي الخلف

2009-04-17 12:53:41

0

 في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية: ورقة للنقاش العام ( 1/3)

بعد إعلان دمشق( وليس دمشق- بيروت) قطعت (المعارضة) السورية شوطا بعيدا في تحديها للنظام، إذ أنها أعلنت بوضوح أن هدف المنضوين تحت هذا الإعلان هو تغيير النظام السوري لأنه لم يعد ممكنا إصلاحه (...) وإصلاحه ظلت تنادي به (المعارضة) إلى أن نبت على لسانها شعر وظلت تتوسل النظام لإصلاح نفسه ودمجها في الخيار الوطني الذي يعني أشياء كثيرة أهمها مشاركتها في السلطة أو على الأقل جعل معارضتها قانونية وهذا حق لها كما في كل دول العالم بما فيها إسرائيل الغاشمة التي يَعدُ النظام - عبر حماس وحزب الله و...- بتمريغ وجودها في الوحل وجعله أثر بعد عين.


وقد كان النظام السوري عبر تاريخه يحتقر المعارضين ولا يلقي لهم بالاً ويتحدث عنهم كنكرات، ما عدا فترة بداية تحدي الإخوان المسلمين له وإدراكه لإمكانياتهم. وقد خطب الرئيس الأسد (الأب) في تلك الفترة في أحد مؤتمرات الفلاحين أو ما شابهها وكان صوته المتهدج ببحته المعهودة يوحي كم كان الأمر خطيراً وقتها، وقد عرض مسيرة تفاوضه مع الإخوان تحت لازمة: قلنا لهم... وقلنا لهم.. بما فيها عرض حقائب وزارية عليهم، وأعلن يومها انه مسلم (...) في محاولة لنزع أحد الأوراق التي استخدمها الإخوان المسلمين ضد رأس السلطة.
فيما بعد وحينما تم إنهاء الإخوان على الأرض بحرب شرسة استخدم فيها الطرفان كل أسلحتهم المتاحة، أصبحت (المعارضة) في خبر كان وآلت إما إلى الصمت أو القبر وإما إلى سجون النظام الوحشية التي لو سجن فيها حجر لانهارت عزيمته

الإعلان كمدخل أول:
إن المنضوين تحت إعلان دمشق لا يمكن لهم تجاهل تلك الفترة إلا أنهم يعون أن الزمن تغير ولم يعد يستطع النظام أن يمارس وحشيته السابقة بحقهم على الملأ وأمام العالم كما حدث مع الأخوان وغيرهم من معارضي اليسار السوري. وهكذا يكون الإعلان قد مثل خطوة متقدمة من ناحية واحدة فقط هو القول بتغيير النظام وبالتالي كسر تابو الخوف أمام جمل من هذا النوع كان يهاب الاقتراب منها كل معارضي الداخل وبعض معارضي الخارج.


وقد جاء الإعلان مشتملاً على صيغة (وصياغة) المحاصصة وليس التمثيل، وهي مسالة غير مهمة في هذا السياق لأنها تعبر عن هشاشة الواقع السياسي السوري وفاعليته الوطنية، وهذا الأمر لايخص سوريا وحدها بل كل الدول التي حكمتها أنظمة شمولية طاغية، لتشكل هذه المحاصصة العثرة الجدية الأولى في فاعليته «الوطنية»‏. وقد ثبت لاحقا عدم أهمية الإعلان على الأرض فهو لا يزيد في أهميته الواقعية عن أهمية أي بيان آخر من سيل البيانات التي اعتادت (المعارضات) إصدارها كلما دق الكوز بالجرة! والتي ترتفع وتيرتها وتنخفض بحسب استرخاء القبضة الأمنية للنظام وتشديدها، وذلك فيما يخص معارضي الداخل.
وإذا كان الإعلان هو مسألة «خطابية»‏ في ترجيعة صداه الأساسي، فإن أهميته لا تكمن في صياغته ولا في القوى المنضوية تحته لأنها قوى ليس لها وجود فاعل وحركي على الأرض، بل في الخطوة التي مثلها في الحديث لأول مرة من دمشق عن «تغيير النظام‏»‏ ديمقراطيا وسلمياً!


وقد استعاضت ( المعارضة ) السورية عن وجودها الفاعل على الأرض (الذي تحكمه ظروف موضوعية وذاتية) بالوجود الإعلامي (الفاعل) فقد وفر لها فضاء الانترنت وجودا آمنا وكذلك وفرت لها وسائل الإعلام الأخرى من فضائيات وصحف حضور صوتي وكتابي يوحي لمن لا يعرف سوريا أن النظام يوشك أن يسقط بعد قليل؛ فوجودها الفاعل على الانترنت؛ يجعل من يتابعه يعتقد أن النظام قد تحطم! وسيظن من يقيم في أستراليا مثلا أنه لن ينهي قراءة الخبر الذي «بيده»‏ أو المقال إلا ويقرأ على أحد المواقع النتيه (إن لم يكن لديه فضائية العربية أو الـ ANN) خبرعاجل: سقوط النظام السوري...
ويلاحظ المتابع أن كل المحتوى السوري على الانترنت هو محتوى معارض ولا وجود للنظام إلا عبر أشكال هامشية لا يمرها احد، وقد التفت النظام إلى هذا الأمر في الفترة الأخيرة فحجب كل مواقع الانترنت والصحف التي لا توافق مسيرته النضالية.


وقد كان لافتاً في الإعلان الدمشقي انه دعا كل أطياف المجتمع بما فيهم البعثيون و... إلا أنه ونتيجة لـ «شخصنة»‏ الوعي السياسي والتي تؤدي في الغالب إلى هزاله وتغييبه لدى القوى التي يمثلها أو تمثله على الأرض شهد نكوصا مريعا في أول اختبار عملي لطروحاته وهذا يشكل مدخلاً مناسباً لاختبار فاعلية هذا الوعي لدى المعارضين السوريين فهو «وفق مقاربة متجنية إلى حد ما»‏ لا يتشكل في الغالب إلا عبر ذات «المعارض»‏ ولا يتخيل (غالبية) المعارضين السوريين أي تغيير لا يمر عبرهم بشكل فردي، وهذا أحد موانع تشكل أو تشكيل حركة معارضة حقيقية وفاعلة. وإذ لا يمكننا أن ننفي عن أي سوري صفة «الوطنية‏»‏ بما فيهم رجالات السلطة وأمن النظام، فإن المعارضين السوريين هم وجه آخر للنظام في علاقتهم بهذه الوطنية والفارق هو المحتوى، ففي حالة السلطة يتم ربط الوطنية بمدى الارتباط بجهاز السلطة والولاء له في ربط ميكانيكي لمفهوم الوطن ودمجه مع السلطة، وما يفعله المعارضون لا يختلف من حيث الجوهر مع هذا، إذ في غالبيتهم يربطون الوطن (القادم) برؤيتهم وتصورهم لحاله، كي لا نبالغ ونقول برؤية فردية ذاتية أو«جماعاتية»‏ مصلحية، لمشروع الوطن «تحت التأسيس‏»‏

انشقاق خدام اختبار أول لـ (المعارضة):
تعرض الإعلان لهجوم شديد واتهم بالطائفية والـ... خصوصا من كتّاب اعتبروه إعلانا (سنياً) بالدرجة الأولى وقد كالوا هذه التهم تحت مسميات غير طائفية بل وضعت تحت شعارات وطنية! وكيل له أيضا انتقادات من بعض النخب الكردية وكانت المناقشات تتم للبيان نفسه ولجمله وصياغته..
ولاعتباره (من وجهة نظري) عديم الأهمية على الأرض، كذلك بصياغته وبجمله وبما أراد قوله باستثناء جملة واحدة هي مجاهرة القول بتغيير النظام؛ فان مناقشة البيان غير ذي جدوى ونرى أن انشقاق عبد الحليم خدام واليات تعامل المعارضين مع هذا الانشقاق، يصلح مدخلاً لتدقيق واختبار أهميته وكذلك انسجامه مع طروحاته.


فقد استقبل المعارضون السوريون انشقاق خدام بفتور شديد وتحدث بعضهم أن انشقاقه جاء نتيجة فقدانه لمنصبه وامتيازاته وعليه فانه شأن شخصي وتذكروا تاريخه الأسود داخل النظام وذكروه به.
المقاربة الأولية - والتي ذكرتها في مقال سابق- للمعارضة السورية تجعل قارئها يرى بوضوح أنها ذات عقلية استاتيكية لاتدرك «عملياً»‏ مفاهيم العمل السياسي التغييري! وهذا واضح عبر كل تاريخها، بل إن التبصر في تركيبة هذه المعارضة سيجعلنا نكتشف أن غالبية المعارضين هم مثقفون( الأخوان خارجاً هنا) دخلوا إلى السياسة بأدوات المثقف (على ما قال ياسين الحاج صالح عن نفسه)، وهذا نتاج الفقر الذي أصبح مزمناً في إنتاج «السياسي‏»‏ خارج كتل المثقفين. لكن أولويات المثقف في تناوله للشأن العام تختلف عن أولويات السياسي، إذ أنه في العموم يجنح (أي المثقف) لتغليب الموقف الأخلاقي - المستند إلى جذر ايديولوجي- وإعطاءه الأولوية على الموقف السياسي. فالموقف الأخلاقي الذي يرضع (في منطقتنا) من حليب الايديولوجيا ثابت زمنيا إلى حد كبير ولا يشهد تحولات مفاجئة بينما الموقف السياسي متبدل ويستند إلى الواقع والوقائع المؤثرة فيه، مكتسبا شرعيته من تمثل هذا الواقع وتمثيله. وقد تم تلقي موقف انشقاق خدام من هذا المنظور الأخلاقي ممتزجاً بمخاوف «مصلحية»‏ سواء مع السقف المسموح من النظام لتحركهم، والذي تشكل عبر عرف صامت أحياناً، وأحياناً أخرى عبر اتصالات بين النظام وبين المعارضين، أو تلك المخاوف الشخصية من «حصة‏»‏ التغيير بعد دخول لاعبين جدد يعتقد بتأثيرهم وبالتالي سيكون إدماجهم مع(المعارضة) هو تنازل عن جزء من «الحصص‏»‏ القادمة والتي يقوم عليها بناء الموقف المعارض في غالبيته كما أسلفنا. وإذا كان الموقف الأخلاقي ليس مثلبة ولا مذموم كذلك، إذ أن كل فرد يتشكل لديه وعي ما، سيبني موقفا أخلاقيا من اليوم والأمس والأخر والأفكار وجاره و.. الجرائم التي حدثت وتحدث. لكن الموقف الأخلاقي قد لا يمكن سحبه وفق آلية هندسية ليتم تطبيقه في وأثناء الاشتغال السياسي، خصوصا في لحظاته التغييرية التي تتطلب مساومات وتوافقات وحتى تجاهل وتناسي بعض الجرائم والمآسي لبعض القوى (المعارضة)، وكذلك الناس.


وإذا كانت (المعارضة) أعلنت أن هدفها هو تغيير النظام، فعليه سيكون منطقيا أن يستوجب هذا الموقف يستوجب أن تنتج أفكارها ورؤاها حوله ( أي التغيير) وتتحالف مع أي ظاهرة جديدة تتيح لها أن تقترب من هذا الهدف، إذا كانت الأهداف المعلنة هي نفسها التي يتم العمل عليها جهرا وسرا.
وإذ كانت رغبة النظام إبّان انشقاق خدام أن يدينه الجميع ويهاجمه فان (المعارضة: الداخلية) اكتفت (كحل وسط) أن لا ترحب به فقط، وهو يوضح من جهة علاقتها بالسقف ومن جهة أخرى مدى أهميتها كقوى تغييرية منفصلة عن النظام

يتبع

ايلاف

 

 

آليات تفكيك النظام (2/3)
إن تفكيك النظام وتغييره سلميا كما يقول بذلك كل أقطاب (المعارضة) يستوجب تفكيك جدران الحماية البعيدة التي استخدمها النظام كحائط صد عنه واستخدمها في تدعيم سلطته ونقول البعيدة لان جدران الحماية القريبة للنظام تتمثل بالأجهزة الأمنية والجيش وما هو ابعد من هذا يكون احد جدران الحماية البعيدة.

- طمأنة موظفي النظام
يشكل الموظفون بما فيهم العمال البسطاء أحد هذه الجدران. إن رفع شعارات من نوع المحاسبة والقصاص 

في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية 1-3
سيؤدي بكل الأحوال إلى تمتين الصلات والروابط بين (جموع) كي لا نقول طبقة الموظفين والنظام وسيعتبر أي شرطي مرتشي أن بقاء النظام يمثل بالنسبة له مسألة حياة أو موت وبالتالي سيدافع عنه حتى النفس الأخير. إن العملية السياسية التي تتوخى انتقالا سلميا يجب أن تعمل على تفكيك بنية الارتباط بين هذه (الجموع) والنظام. واليات التفكيك هذه عليها أن تعمل وفق منطق سياسي لا وفق الموقف الأخلاقي، إذا اعتبرنا أنهما دائما نقيضين. فالسياسة لا تتوخى الأخلاق عموما، ووفق هذا الاوالية السياسية على (المعارضة) أن تعمل على كل ما من شأنه أن يفكك هذه الصلات وبالتالي تجاهل شعارات المحاسبة والقصاص والتي لن تزيد قوة تأثيرها على الأرض. كأن تعلن أن كل جلاد وكل مرتشي وكل فاسد سينال جزاءه!! ويمكن بشكل علني تنحية هذه الشعارات ليس بشكل مخادع وتكتيكي للتغرير بهؤلاء الموظفين بل بشكل استراتيجي وبالتالي ضمان حيادهم على الأقل، عندما تمتلك هذه (المعارضة) قوى تغيير حقيقية. فهذا الموظف لن يعتبر نفسه - صغر أم كبر- مسؤولا يوما عن حقبة، وانه كان يمثل جزءا من لونها الأسود. يجب إشاعة روح الطمأنينة لدى هذه الفئة، والإفادة من انشقاق كائن من كان من هؤلاء الموظفين خصوصا أولئك الذين في الصف الأعلى من الهرم الوظيفي وكما هو معلوم أن بنية النظام السوري لا تجعل من منصب رئيس الوزراء أو نائب الرئيس جزءا من السلطة الفاعلة في النظام، بينما رئيس فرع مخابرات مدينة هو مفصل مهم أكثر من نائب الرئيس وتاليا يجب ضمان مستقبل هؤلاء. ووفق هذا المنظور كان تلقي (المعارضة) السورية لانشقاق خدام سيئا ومعيقا لهذا التوجه ويمكن تأويله أن المعارضين الذين لم يرحبوا يدركون هشاشتهم ويدركون أن دخول لاعبين اقوي منهم إلى مسرح (المعارضة) سيكون ليس في صالح تقاسماتهم السابقة، ففي لحظة ما سينحى حجم كبير من التمظهر الإعلامي لصالح القوى التي تمتلك إمكانات على الأرض ويصبح مفهوما لمَ لم يتحالف مع خدام سوى الإخوان، إذ أنهم في تأويل غير متعسف، يعتقدون أنهم يستطيعون أن يكونوا فاعلين على الأرض في لحظة التغيير ويدركون أن حجمهم مهم للدرجة التي لا يمكن لوجود خدام إلا أن يكون مساندا لهم ولا يخشون من ابتلاعه لهم.
وتبدى عدم الترحيب بتحالف خدام - البيانوني بمطالبات(ثقافية) طهرانية كمطالبة خدام بنقد تاريخه والتبرؤ منه... الخ. وفق هذا السياق يصبح مطلوبا أن نطالب كل (المعارضة) وكل معارض أن يقدموا لنا (نحن الناس) نقدا لكل تاريخهم وممارساتهم وانشقاقاتهم وتحالف قسم منهم مع أحط نظام سياسي معاصر هو صدام وتحالف بعضهم مع أنظمة أخرى، واكتساب شرعية زائفة، وكذلك عليهم أن يقدموا لنا نقدا لفاعليتهم على الأرض ونقدا لتاريخ توسلاتهم للنظام «أصلح نفسك وفقك الله »‏ ودعواتهم المتكررة للحوار مع النظام الخ. مما سيدخل الجميع في دوامة لن تنتهي.
إن أقل ما يمكن توصيفه لهذا التلقي هو حالة عدم فطام مع النظام لأسباب إجرائية (الخوف من الاعتقال) وكذلك حالة «الشخصنة»‏ والتي تتمثل عملياً هنا بهرمية المعارضين في السلم القيادي سواء للمعارضة الآن أو للحكم مستقبلاً. لقد كانوا يطمحون قبل قليل أن يكونوا جزء من النظام عبر تاريخه المعروف، فلماذا يُطالب خدام فقط أن يتبرأ من تاريخه وينقده ويقدمه... لمن؟ لقد كان جزءا من آلية فساد النظام وجزءا من تعزيز طغيان النظام كذلك... «يقولون‏»‏. لكنهم (المعارضين بكل تنوعاتهم) قبلوا التحاور مع النظام نفسه الذي هو منتج هذا الفساد والطغيان. كيف كانت هذه (المعارضة) تدعو للحوار مع نظام وفق تصوراتهم أو وفق الوقائع هو نظام فاسد ارتكب فظائع بحق سوريا عبر حقبة مديدة بينما يمانعون أو يرفضون هذا مع جزء سابق من هذا النظام بعد تحوله معارضا؟!! إذاً لو بقى خدام (و رفعت) جزءا من سلطة النظام لما كان هناك مشكلة لدى المعارضين قبل قليل وهم يتوسلون النظام ليقبل بالنظر إليهم...
 إذاً عليهم أن ينكلوا بمقولاتهم ودعواهم تلك قبل أن يطالبوا خدام بالنقد العلني لتاريخه في النظام أو أي منشق لاحق وسابق.

- تمثيل الطائفة العلوية
وفق إعلان دمشق - الذي أصبح أثرا بعد عين- ونظام المحاصصة الذي جسده، ووفق نظام المحاصصة المعارض سابقا ولا حقا كان لا بد من تمثيل الطائفة العلوية ولا بد من فك ارتباطها بالنظام و طمأنتها أنها لن تتعرض للذبح أو « التهجير ‏»‏ !! إذا ذهب هذا النظام مثلما يشاع شفاها وكما هو متداول رعبا وتحليلا وكما نادى بذلك أحد الأحزاب قبل فترة أبناء تلك الطائفة بالعودة إلى قراهم لقرب ساعة الصفر!!
لقد كانت وما زالت هذه الطائفة احد جداران الحماية البعيدة التي استخدمها النظام ولا تشكل آلية استخدامه لها على الأرض اشتقاقا جديدا بل إنه جرى في سياق الآليات التي استخدمها النظام في تكريس سلطة (الفرد: العائلة ) له وتعزيز نظام الحماية من أي تغيير محتمل، فالنظام وفق معاييره القائمة على الأرض ليس نظاما طائفيا بل نظام( فردي: عائلي) استخدم الطائفة العلوية مثلما استخدم البعث كحزب ومثلما استخدم الجيش ومثلما استخدم العشائر لتثبيت سلطته وسحق كل من تنفس خارج هواءه. وقد لعب النظام بهذا الأمر كما لعب بأشياء أخرى، وهكذا تشكل شعورا مبررا لدى أبناء هذه الطائفة أن نهاية النظام تعني نهايتها، أو على الأقل ستتأثر مصائرها سواء بشكل فردي أو جماعي بغيابه. وفي تعداد منابع خوفها هناك مسائل أساسية: فقد انخرط أبناء هذا الطائفة طوعا في الجيش بداية، وكذلك بتشجيع النظام لهم فيما بعد، وفي العقود الأخيرة تعززت جملة من الامتيازات للقوى الأمنية التي هي قوى منبثقة عن الجيش، وفي الجيش كذلك تعززت جملة من الامتيازات، بشكل أساسي للصف الأول من الضباط القادة. وخصوصا بعد اشتباك السلطة مع الإخوان في أماكن عديدة والدور الفاعل لهذه القوى في تثبيت النظام، وقد كان الضباط القادة( ليس بالمعنى العسكري المحدد ) في غالبيتهم من أبناء هذه الطائفة، وكذلك انخرط أبناء هذه الطائفة في الوظائف المدنية وشكلوا نسبة أعلى من نسبتهم إلى السكان ولأسباب عديدة. وبكل الأحوال لم تقتصر هذه الامتيازات على أبناء هذه الطائفة بل أنه في أمكنة أخرى تكرست نفس الامتيازات للبعثيين ولكتائبهم البعثية المسلحة ولموظفي النظام و عاهراته ومخبريه... وكل هذا كان يتم وفق آلية الفساد التي أصبحت تقود النظام وتحميه أيضاً.
إن آلية فك ارتباط الطائفة بالنظام يمر عبر نفس الآلية التي يمر بها فك ارتباط الموظفين والبعثيين بالنظام وعليه لا يمكن لأي تغيير ديموقراطي سلمي أن يتم دون أن تكون هذه الطائفة أحد صنّاعه أو على الأقل أن لا تكون معارضة له.
إن عدم ممانعة الطائفة للتغير يجب أن يتم عبر تمثيلها، وهذا لا يكون عبر أشخاص هامشيين لا يعرفهم احد بل عبر ممثلين ترتضيهم الطائفة نفسها وتاليا ليس أمام المعارضين من خيار سوى بقبول من تقبل به هذا الطائفة كي يمثلها، ولا يجد اليوم المتبصر بالواقع السياسي ممثلا ترضى عنه الطائفة ويحقق لها طمأنينتها سوى (تيار) رفعت الأسد بما فيه حزبه أو تجمعه وحزب ابنه...
إن المعايير الأخلاقية التي ينطلق منها المعارضون في استبعاد رفعت الأسد هي معايير غير سياسية، وإذا كانت سياسية لدى البعض فإنها غير وطنية - والوطنية هنا بمعنى شمولها «المصلحة الوطنية‏» لا مصلحة التنظيم أو الجماعة السياسية‏ فقط‏- إذ أن المناداة بإشراك رفعت تمثل (أو تتوقع) خسارة سياسية، لدى أعضاء ومناصرو ومحازبو المعارضة السورية، وهذه الخسارة تتمثل بأن هذا المطلب غير شعبي ولا يلقى قبولاً لدى محازبيها، كما أنه يمثل خسارة إعلامية لـ «صورة» (المعارضة) ونقاؤها الأخلاقي! والسؤال هنا عن جواز تطبيق المعيار الاخلاقي فقط على رفعت الاسد، وتجاهل تطبيقه على افراد وجماعات معارضة أخرى!! 
السؤال المفارق الذي يوضح إهتزاز الصورة وعدم معياريتها فيما يخص رفعت الأسد ويدخله في منطقة متلعثمة هو: كيف لهذه (المعارضة) أن تكون قادرة على أن تنجز سلاما مع إسرائيل إذاَ؟! ألا يتوجب هذا السلام أن يكون احد قادتها فيما لو استلمت السلطة! مضطرا أن يمد يده لأحد جنرالات الجيش الإسرائيلي الذي قد يكون رئيس حكومة، وعلى حد الوثائق المتاحة لكافة أطياف المعارضة لامشكلة لديها في اقامة سلام مع إسرائيل(وهو ما ينبغي بالطبع)
وإذا كانت (المعارضة) تحتج بمنطق « تلوث أياديه بالدم‏»‏ كي تقصي رفعت الأسد كممثل مقبول عند الطائفة العلوية، والقول أن رفعت الأسد كان الوجه الأشرس والأكثر قبحاً للنظام في جرائمه، فإن هذا لا يمكن تجاهله إذ أن الرجل عبر تاريخه في السلطة والفاعلية السياسية أكثر من جسّد طغيان النظام، إلا انه الآن في أي مفصل تغييري حقيقي لا يمكن تجاوزه لأسباب سياسية! وقد يحتج بعض المعارضين بالقول إن عودة رفعت إلى السلطة تعني عودة النظام من باب آخر لأنه الأكثر علاقة مع قوى الأمن والجيش القائمة والفساد كذلك
لكن ما يمكن أن يكون مقاربا لأي نظام قادم هو إن رفعت سيعود مع هذه (المعارضة) منزوع الأنياب وبالتالي يأتي ممثلا لقوى على الأرض تقبل به ولا يمكن وفق اشتراطات ومداولات وتفاوض أن يتم تجاوز تمثيلها، إن استثناء رفعت أمر مريح أخلاقيا، وكذلك كحضور للقوى (المعارضة) وخصوصا من يكون تمثيلها (وفق المحاصصة) آخذا في الاعتبار انتمائها إلى هذه الطائفة وعلمانيتها بآن معاً!! 
إن القبول بتمثيل (تيار) رفعت للطائفة العلوية يحول أمر من يمثل هذا التيار بشكل مباشر إلى أمر إجرائي فربما ليس أيادي أبناءه ملوثة بالدم مثله وربما لن يكون من سيقترحه رفعت الأسد لجعله واجهته السياسة كذلك؛


 أما مقولة قبول أبنائه إذا نقدوا تاريخ أبيهم أو قبوله هو إذا حاكم نفسه أخلاقيا ينطبق عليه إلى حد كبير ما ذكرناه عن قبول خدام. ويمكن الإضافة عليه بأن التاريخ يذكر أن هناك مجرمين تم التفاوض معهم وإدخالهم اللعبة السياسية وكي لا يكون الأمر ضربا في الهواء يمكن سؤال معارضينا: أليس أغلب قادة القوى اللبنانية التقليدية في لبنان الشقيق (المحتل سابقا والسيد الحر على أرضه حالياً) ملوثة أياديهم بالدماء ومع ذلك اقتضت اللحظة السياسية إدماجهم في السياسة اللبنانية لان لا حل آخر للمعضلة اللبنانية وكذلك السورية

ايلاف 

يتبع

 

وهم فاعلية التغيير من الداخل(3/3)

 يصرُّ أغلب أطياف المعارضة السورية على «السلمي‏»‏ كطريق وحيد للتغيير ينشدونه في سوريا. وهو خيار أصبح راسخاً ولاخلاف عليه، ولم يكن تكريسه نتاج ضمور القدرة على الخيار ‏«‏العنفي‏»‏ لدى أطياف المعارضة فقط، بل لأن الغالبية أصبحت تؤمن بـ‏«‏السلمي‏»‏،لأسباب متعددة المشارب. وإذا كانت «السلمي‏»‏ تخص خيار المعارضة نفسها، فإن خيار « العسكري‏»‏ عندما يحل بديلاً عن العنفي لا يلاقي نفس الإجماع سواء إعلامياً أو حتى ضمنياً. والعسكري هنا هو التغيير من الخارج كما حدث في العراق. لكن هذا الخيار أيضا فقد أغلب الذين تحمسوا له في فترة من الفترات أو دعوا له أو على الأقل تمنوه، لأن «الكارثة العراقية‏»‏ بعد سقوط نظام صدام جعلت المراهنة على التغيير الخارجي أمراً غير مقبول بالمقايسة. إذ أن ما حدث في العراق جعل المنطقة برمتها تعود إلى الوراء وجعل الكثيرين يجاهرون بأن القبول بنار الديكتاتوريات أرحم من جنة الديموقراطية «الأمريكية‏»‏ الموعودة. إنها عودة للمربع «الصفري‏»‏ السابق لسقوط صدام، عودة مدعومة بوقائع تجري أمام أعين الجميع. فقد كان المربع فيما قبل سقوط صدام ملخصاً بـ «لا لصدام، لا لأي تدخل خارجي‏»‏ وإذا كان هذا المربع السكوني قد وجد من ينتقده قبل سقوط صدام ويعلو بصوته مفنداً إياه وواصفاً له بأنه قبول باستمرار هذا النظام «كمثال صارخ للدكتاتوريات‏»‏ ولا يقدم شيئا آخر لاستحالة التغيير من الداخل، لأن النظام استولى على كل مفاصل الحياة وجعل التغيير ضمن هذه المعادلة أمراً مستحيلاً، فإنه لا يجد الآن من يفنده بناءا على ما حصل لاحقاً في العراق.
لقد تحولت مقولة التغيير «من الداخل‏»‏ إلى ركن أساسي لدى أطياف المعارضة السورية سواء الداخلية أو حتى الخارجية، وأصبح الخروج عليها أمراً أكثر صعوبة، في ظل الوقائع الماثلة. فقد تلقى المراهنون على التغيير «من الخارج‏»‏ أو بدعم منه صفعة قوية من المثال العراقي. وهذه «الصفعة‏»‏ لا تقتصر على من كان ينادي به من السوريين بل إنها كانت أيضاً للقوى التي يُراهن عليها في إجراء هذا التغيير وهي هنا أمريكا فقط لا غير. 
إذ أن كل الدلائل تشير إلى أن لا أحد سوى أمريكا لديه رغبة في تغيير النظام السوري(اعلاميا على الاقل) بما في ذلك إسرائيل. بل إن كثيرين يعتقدون أن إسرائيل هي من حمى هذا النظام لفترات طويلة ومديدة من اليد الأمريكية! فهي تفضل نظاما مستقراً معروفاً لديها بمحافظته على أمن حدودها، من نظام آخر قادم قد يجد نفسه منساقا إلى إعادة شعارات التحرير واستعادة الأرض بالقوة في محاولة لاكتساب شرعية وطنية كما فعلت كل الانقلابات العسكرية في سوريا قبل أن تهدأ بشكل نهائي بعد انقلاب الأسد (الأب) وسحقه لكافة القوى السياسية على الأرض، وامتداداتها داخل المؤسسة العسكرية. وكما كل الشعارات التي رفعتها « الأحزاب‏»‏ السورية المعارضة في فترة من الفترات، فقد كان ولا زال الكثير من المعارضين السوريين يعيرون النظام بصمته اتجاه إسرائيل، وبعدم قدرته على تحرير الجولان!. لا شك فإن هذا الموقف الإعلامي هو أحد أدوات استدراج عطف الشارع في «حرب‏»‏ المعارضة مع النظام.
وإذ لايمكن لأحد أن يعارض رغبة المعارضين السوريين في التغيير الداخلي يمكن لنا مناقشة مدى إمكانية ذلك من خلال المؤشرات التالية:
- يستولى النظام على كافة مفاصل العمل في الشارع السوري ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها أو التوغل فيها فلا تستطيع المعارضة الداخلية من تجميع أكثر من بضع عشرات أو مئات لأي احتجاج تدعو له وهذا حصل في لحظات بدت فيها اليد الأمنية متراخية قليلا أمام ترك «ساحة‏»‏ للمعارضين لتنظم بعض هذه الاحتجاجات 
- عدم قدرة المعارضة السورية على تشكيل «حركية‏»‏ مؤثرة أو فاعلة ضمن الشارع السوري، بل وحتى لدى النخب المتعلمة أو حتى المثقفة. إذ ليس هناك مشروع وطني يمكن الإجماع عليه خارج حسابات المحاصصة لقوى خائرة التمثيل على الأرض وتجتر تاريخاً سابقاً يثقل العمل السياسي (وحتى المدني) في الشارع السوري
- الرهاب الأمني الذي ما زال يسكن نفوس الناس منذ بطش النظام العنيف بكل مكونات المجتمع والتي كان لها موقفا محتجا أو معارضاً، سلمياً أو مسلحاً. وتالياً شل قدرتهم ليس على الحركة فحسب بل على التفكير فيها.
- انتماء شخوص المعارضة السورية (الداخلية) إلى فكر قومي أو يساري؛ وهذ عدا عن كونه يحيل في الغالب الى تمثلهم «رطانات‏»‏، فإنه يجعلهم بعيدون عن الشارع السوري في قراءة له الان لأن وعيه الجمعي أصبح دينيا في العموم.
- ضعف قدرة وخطورة عمل الإخوان المسلمين في الداخل السوري في ظل بقاء القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي للجماعة وهي عبر طبيعة تكوينها الأكثر قدرة على الحشد فيما لو أتيح لها النشاط الداخلي
- ضعف خيار «دفع ثمن الحرية‏»‏ لدى «المشتغلين بالسياسة‏»‏ في سوريا لأسباب عديدة ليس أقلها البطش الذي لا حد له للنظام لأي فاعل سياسي مؤثر. بل يبدو أن هذا الخيار تراجع عن العقود الماضية بعد أن أمضى بعض السوريين المشتغلين بالسياسة وبعض السياسيين ما يقارب العقدين في سجون النظام، في ظل عدم وجود آلية تكافلية تضمن على الأقل عائلة من سيختار هذا الخيار
- ضعف خيار التغيير في هرم السلطة أو انعدامه سواء كان ذلك بانقلاب أبيض أو غيره من التغييرات «الانقلابية‏»‏ داخل هرم السلطة
- لم يصل الناس في سوريا إلى وضع اقتصادي كارثي «ولن يصلوا‏»‏ يسبب احتجاج جماعي منفلت وغير منظم تستطيع بعض الأحزاب ركوبه، كما أن كل اطياف المعارضة تغيب المسألة المطلبية والمعاشية للناس من خطابها الاعلامي! الذي ترتكز دعواه الاساسية في التغييرعلى: الديمقراطية، حقوق الانسان، تداول السلطة،... ولازالت هذه المفاهيم لا تشكل استقطابا (شعبياً) حولها
- عدم تبني القوى الدولية المؤثرة، بشكل واضح لخيارات المعارضة في «التغيير‏»‏ بل لازالت كل الدول تأمل أن ينسجم النظام مع الوضع الدولي ويغير نفسه وهي تعني تغيير ارتباطاته الخارجية مع إهمال الداخل السوري.
وفق هذه المؤشرات هل لأحد من المعارضة السورية في الداخل والخارج أن يدلنا على آليات التغيير السلمي من الداخل دون أن يستخدم الشعارات، والجمل الفضفاضة، وكلام لا مصب له. إذ أن هدف هذه الورقة محدد وهو الدخول في منطقة إجرائية، والنظر الى امكانيات التغيير ضمن الواقع المتاح الماثل، دون الدخول في التنظير العمومي. نتمنى بالطبع أن يكون لدى المعارضة السورية الداخلية والخارجية ما تقوله وما تفعله في سبيل التغيير السلمي الديموقراطي «ومن الداخل‏»‏ غير ترقب إحالات المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري

ملاحظة: كتبت هذه الورقة بأجزائها الثلاث في صيف 2006. لم أنشرها حينها بسبب خوفي من السلطات الأمنية ولاعلاقة لعدم نشرها بأي شيء خارج هذا. وكنت قد «أرسلتها» لبعض الاصدقاء طالبا الرأي فكانت نصيحتهم عدم النشر. لم أجر أي تغييرات جوهرية عليها، وهذا يدل على أن الزمن السوري سرمدي؛ ما نقوله فيه يصلح الى الابد. كما أنها تتوجهه للمعارضين السوريين بحثاً عن منطقة فاعلية «وطنية». كما أعتبرها مجرد رأي، لا أتمسك به في حال اقتنعت بخطله.

خلف علي الخلف

ايلاف

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات