آليات تفكيك النظام (2/3)
إن تفكيك النظام وتغييره سلميا كما يقول بذلك كل أقطاب (المعارضة) يستوجب تفكيك جدران الحماية البعيدة التي استخدمها النظام كحائط صد عنه واستخدمها في تدعيم سلطته ونقول البعيدة لان جدران الحماية القريبة للنظام تتمثل بالأجهزة الأمنية والجيش وما هو ابعد من هذا يكون احد جدران الحماية البعيدة.
- طمأنة موظفي النظام
يشكل الموظفون بما فيهم العمال البسطاء أحد هذه الجدران. إن رفع شعارات من نوع المحاسبة والقصاص
سيؤدي بكل الأحوال إلى تمتين الصلات والروابط بين (جموع) كي لا نقول طبقة الموظفين والنظام وسيعتبر أي شرطي مرتشي أن بقاء النظام يمثل بالنسبة له مسألة حياة أو موت وبالتالي سيدافع عنه حتى النفس الأخير. إن العملية السياسية التي تتوخى انتقالا سلميا يجب أن تعمل على تفكيك بنية الارتباط بين هذه (الجموع) والنظام. واليات التفكيك هذه عليها أن تعمل وفق منطق سياسي لا وفق الموقف الأخلاقي، إذا اعتبرنا أنهما دائما نقيضين. فالسياسة لا تتوخى الأخلاق عموما، ووفق هذا الاوالية السياسية على (المعارضة) أن تعمل على كل ما من شأنه أن يفكك هذه الصلات وبالتالي تجاهل شعارات المحاسبة والقصاص والتي لن تزيد قوة تأثيرها على الأرض. كأن تعلن أن كل جلاد وكل مرتشي وكل فاسد سينال جزاءه!! ويمكن بشكل علني تنحية هذه الشعارات ليس بشكل مخادع وتكتيكي للتغرير بهؤلاء الموظفين بل بشكل استراتيجي وبالتالي ضمان حيادهم على الأقل، عندما تمتلك هذه (المعارضة) قوى تغيير حقيقية. فهذا الموظف لن يعتبر نفسه - صغر أم كبر- مسؤولا يوما عن حقبة، وانه كان يمثل جزءا من لونها الأسود. يجب إشاعة روح الطمأنينة لدى هذه الفئة، والإفادة من انشقاق كائن من كان من هؤلاء الموظفين خصوصا أولئك الذين في الصف الأعلى من الهرم الوظيفي وكما هو معلوم أن بنية النظام السوري لا تجعل من منصب رئيس الوزراء أو نائب الرئيس جزءا من السلطة الفاعلة في النظام، بينما رئيس فرع مخابرات مدينة هو مفصل مهم أكثر من نائب الرئيس وتاليا يجب ضمان مستقبل هؤلاء. ووفق هذا المنظور كان تلقي (المعارضة) السورية لانشقاق خدام سيئا ومعيقا لهذا التوجه ويمكن تأويله أن المعارضين الذين لم يرحبوا يدركون هشاشتهم ويدركون أن دخول لاعبين اقوي منهم إلى مسرح (المعارضة) سيكون ليس في صالح تقاسماتهم السابقة، ففي لحظة ما سينحى حجم كبير من التمظهر الإعلامي لصالح القوى التي تمتلك إمكانات على الأرض ويصبح مفهوما لمَ لم يتحالف مع خدام سوى الإخوان، إذ أنهم في تأويل غير متعسف، يعتقدون أنهم يستطيعون أن يكونوا فاعلين على الأرض في لحظة التغيير ويدركون أن حجمهم مهم للدرجة التي لا يمكن لوجود خدام إلا أن يكون مساندا لهم ولا يخشون من ابتلاعه لهم.
في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية 1-3
وتبدى عدم الترحيب بتحالف خدام - البيانوني بمطالبات(ثقافية) طهرانية كمطالبة خدام بنقد تاريخه والتبرؤ منه... الخ. وفق هذا السياق يصبح مطلوبا أن نطالب كل (المعارضة) وكل معارض أن يقدموا لنا (نحن الناس) نقدا لكل تاريخهم وممارساتهم وانشقاقاتهم وتحالف قسم منهم مع أحط نظام سياسي معاصر هو صدام وتحالف بعضهم مع أنظمة أخرى، واكتساب شرعية زائفة، وكذلك عليهم أن يقدموا لنا نقدا لفاعليتهم على الأرض ونقدا لتاريخ توسلاتهم للنظام «أصلح نفسك وفقك الله » ودعواتهم المتكررة للحوار مع النظام الخ. مما سيدخل الجميع في دوامة لن تنتهي.
إن أقل ما يمكن توصيفه لهذا التلقي هو حالة عدم فطام مع النظام لأسباب إجرائية (الخوف من الاعتقال) وكذلك حالة «الشخصنة» والتي تتمثل عملياً هنا بهرمية المعارضين في السلم القيادي سواء للمعارضة الآن أو للحكم مستقبلاً. لقد كانوا يطمحون قبل قليل أن يكونوا جزء من النظام عبر تاريخه المعروف، فلماذا يُطالب خدام فقط أن يتبرأ من تاريخه وينقده ويقدمه... لمن؟ لقد كان جزءا من آلية فساد النظام وجزءا من تعزيز طغيان النظام كذلك... «يقولون». لكنهم (المعارضين بكل تنوعاتهم) قبلوا التحاور مع النظام نفسه الذي هو منتج هذا الفساد والطغيان. كيف كانت هذه (المعارضة) تدعو للحوار مع نظام وفق تصوراتهم أو وفق الوقائع هو نظام فاسد ارتكب فظائع بحق سوريا عبر حقبة مديدة بينما يمانعون أو يرفضون هذا مع جزء سابق من هذا النظام بعد تحوله معارضا؟!! إذاً لو بقى خدام (و رفعت) جزءا من سلطة النظام لما كان هناك مشكلة لدى المعارضين قبل قليل وهم يتوسلون النظام ليقبل بالنظر إليهم...
إذاً عليهم أن ينكلوا بمقولاتهم ودعواهم تلك قبل أن يطالبوا خدام بالنقد العلني لتاريخه في النظام أو أي منشق لاحق وسابق.
- تمثيل الطائفة العلوية
وفق إعلان دمشق - الذي أصبح أثرا بعد عين- ونظام المحاصصة الذي جسده، ووفق نظام المحاصصة المعارض سابقا ولا حقا كان لا بد من تمثيل الطائفة العلوية ولا بد من فك ارتباطها بالنظام و طمأنتها أنها لن تتعرض للذبح أو « التهجير » !! إذا ذهب هذا النظام مثلما يشاع شفاها وكما هو متداول رعبا وتحليلا وكما نادى بذلك أحد الأحزاب قبل فترة أبناء تلك الطائفة بالعودة إلى قراهم لقرب ساعة الصفر!!
لقد كانت وما زالت هذه الطائفة احد جداران الحماية البعيدة التي استخدمها النظام ولا تشكل آلية استخدامه لها على الأرض اشتقاقا جديدا بل إنه جرى في سياق الآليات التي استخدمها النظام في تكريس سلطة (الفرد: العائلة ) له وتعزيز نظام الحماية من أي تغيير محتمل، فالنظام وفق معاييره القائمة على الأرض ليس نظاما طائفيا بل نظام( فردي: عائلي) استخدم الطائفة العلوية مثلما استخدم البعث كحزب ومثلما استخدم الجيش ومثلما استخدم العشائر لتثبيت سلطته وسحق كل من تنفس خارج هواءه. وقد لعب النظام بهذا الأمر كما لعب بأشياء أخرى، وهكذا تشكل شعورا مبررا لدى أبناء هذه الطائفة أن نهاية النظام تعني نهايتها، أو على الأقل ستتأثر مصائرها سواء بشكل فردي أو جماعي بغيابه. وفي تعداد منابع خوفها هناك مسائل أساسية: فقد انخرط أبناء هذا الطائفة طوعا في الجيش بداية، وكذلك بتشجيع النظام لهم فيما بعد، وفي العقود الأخيرة تعززت جملة من الامتيازات للقوى الأمنية التي هي قوى منبثقة عن الجيش، وفي الجيش كذلك تعززت جملة من الامتيازات، بشكل أساسي للصف الأول من الضباط القادة. وخصوصا بعد اشتباك السلطة مع الإخوان في أماكن عديدة والدور الفاعل لهذه القوى في تثبيت النظام، وقد كان الضباط القادة( ليس بالمعنى العسكري المحدد ) في غالبيتهم من أبناء هذه الطائفة، وكذلك انخرط أبناء هذه الطائفة في الوظائف المدنية وشكلوا نسبة أعلى من نسبتهم إلى السكان ولأسباب عديدة. وبكل الأحوال لم تقتصر هذه الامتيازات على أبناء هذه الطائفة بل أنه في أمكنة أخرى تكرست نفس الامتيازات للبعثيين ولكتائبهم البعثية المسلحة ولموظفي النظام و عاهراته ومخبريه... وكل هذا كان يتم وفق آلية الفساد التي أصبحت تقود النظام وتحميه أيضاً.
إن آلية فك ارتباط الطائفة بالنظام يمر عبر نفس الآلية التي يمر بها فك ارتباط الموظفين والبعثيين بالنظام وعليه لا يمكن لأي تغيير ديموقراطي سلمي أن يتم دون أن تكون هذه الطائفة أحد صنّاعه أو على الأقل أن لا تكون معارضة له.
إن عدم ممانعة الطائفة للتغير يجب أن يتم عبر تمثيلها، وهذا لا يكون عبر أشخاص هامشيين لا يعرفهم احد بل عبر ممثلين ترتضيهم الطائفة نفسها وتاليا ليس أمام المعارضين من خيار سوى بقبول من تقبل به هذا الطائفة كي يمثلها، ولا يجد اليوم المتبصر بالواقع السياسي ممثلا ترضى عنه الطائفة ويحقق لها طمأنينتها سوى (تيار) رفعت الأسد بما فيه حزبه أو تجمعه وحزب ابنه...
إن المعايير الأخلاقية التي ينطلق منها المعارضون في استبعاد رفعت الأسد هي معايير غير سياسية، وإذا كانت سياسية لدى البعض فإنها غير وطنية - والوطنية هنا بمعنى شمولها «المصلحة الوطنية» لا مصلحة التنظيم أو الجماعة السياسية فقط- إذ أن المناداة بإشراك رفعت تمثل (أو تتوقع) خسارة سياسية، لدى أعضاء ومناصرو ومحازبو المعارضة السورية، وهذه الخسارة تتمثل بأن هذا المطلب غير شعبي ولا يلقى قبولاً لدى محازبيها، كما أنه يمثل خسارة إعلامية لـ «صورة» (المعارضة) ونقاؤها الأخلاقي! والسؤال هنا عن جواز تطبيق المعيار الاخلاقي فقط على رفعت الاسد، وتجاهل تطبيقه على افراد وجماعات معارضة أخرى!!
السؤال المفارق الذي يوضح إهتزاز الصورة وعدم معياريتها فيما يخص رفعت الأسد ويدخله في منطقة متلعثمة هو: كيف لهذه (المعارضة) أن تكون قادرة على أن تنجز سلاما مع إسرائيل إذاَ؟! ألا يتوجب هذا السلام أن يكون احد قادتها فيما لو استلمت السلطة! مضطرا أن يمد يده لأحد جنرالات الجيش الإسرائيلي الذي قد يكون رئيس حكومة، وعلى حد الوثائق المتاحة لكافة أطياف المعارضة لامشكلة لديها في اقامة سلام مع إسرائيل(وهو ما ينبغي بالطبع)
وإذا كانت (المعارضة) تحتج بمنطق « تلوث أياديه بالدم» كي تقصي رفعت الأسد كممثل مقبول عند الطائفة العلوية، والقول أن رفعت الأسد كان الوجه الأشرس والأكثر قبحاً للنظام في جرائمه، فإن هذا لا يمكن تجاهله إذ أن الرجل عبر تاريخه في السلطة والفاعلية السياسية أكثر من جسّد طغيان النظام، إلا انه الآن في أي مفصل تغييري حقيقي لا يمكن تجاوزه لأسباب سياسية! وقد يحتج بعض المعارضين بالقول إن عودة رفعت إلى السلطة تعني عودة النظام من باب آخر لأنه الأكثر علاقة مع قوى الأمن والجيش القائمة والفساد كذلك
لكن ما يمكن أن يكون مقاربا لأي نظام قادم هو إن رفعت سيعود مع هذه (المعارضة) منزوع الأنياب وبالتالي يأتي ممثلا لقوى على الأرض تقبل به ولا يمكن وفق اشتراطات ومداولات وتفاوض أن يتم تجاوز تمثيلها، إن استثناء رفعت أمر مريح أخلاقيا، وكذلك كحضور للقوى (المعارضة) وخصوصا من يكون تمثيلها (وفق المحاصصة) آخذا في الاعتبار انتمائها إلى هذه الطائفة وعلمانيتها بآن معاً!!
إن القبول بتمثيل (تيار) رفعت للطائفة العلوية يحول أمر من يمثل هذا التيار بشكل مباشر إلى أمر إجرائي فربما ليس أيادي أبناءه ملوثة بالدم مثله وربما لن يكون من سيقترحه رفعت الأسد لجعله واجهته السياسة كذلك؛
أما مقولة قبول أبنائه إذا نقدوا تاريخ أبيهم أو قبوله هو إذا حاكم نفسه أخلاقيا ينطبق عليه إلى حد كبير ما ذكرناه عن قبول خدام. ويمكن الإضافة عليه بأن التاريخ يذكر أن هناك مجرمين تم التفاوض معهم وإدخالهم اللعبة السياسية وكي لا يكون الأمر ضربا في الهواء يمكن سؤال معارضينا: أليس أغلب قادة القوى اللبنانية التقليدية في لبنان الشقيق (المحتل سابقا والسيد الحر على أرضه حالياً) ملوثة أياديهم بالدماء ومع ذلك اقتضت اللحظة السياسية إدماجهم في السياسة اللبنانية لان لا حل آخر للمعضلة اللبنانية وكذلك السورية
يتبع
وهم فاعلية التغيير من الداخل(3/3)
يصرُّ أغلب أطياف المعارضة السورية على «السلمي» كطريق وحيد للتغيير ينشدونه في سوريا. وهو خيار أصبح راسخاً ولاخلاف عليه، ولم يكن تكريسه نتاج ضمور القدرة على الخيار «العنفي» لدى أطياف المعارضة فقط، بل لأن الغالبية أصبحت تؤمن بـ«السلمي»،لأسباب متعددة المشارب. وإذا كانت «السلمي» تخص خيار المعارضة نفسها، فإن خيار « العسكري» عندما يحل بديلاً عن العنفي لا يلاقي نفس الإجماع سواء إعلامياً أو حتى ضمنياً. والعسكري هنا هو التغيير من الخارج كما حدث في العراق. لكن هذا الخيار أيضا فقد أغلب الذين تحمسوا له في فترة من الفترات أو دعوا له أو على الأقل تمنوه، لأن «الكارثة العراقية» بعد سقوط نظام صدام جعلت المراهنة على التغيير الخارجي أمراً غير مقبول بالمقايسة. إذ أن ما حدث في العراق جعل المنطقة برمتها تعود إلى الوراء وجعل الكثيرين يجاهرون بأن القبول بنار الديكتاتوريات أرحم من جنة الديموقراطية «الأمريكية» الموعودة. إنها عودة للمربع «الصفري» السابق لسقوط صدام، عودة مدعومة بوقائع تجري أمام أعين الجميع. فقد كان المربع فيما قبل سقوط صدام ملخصاً بـ «لا لصدام، لا لأي تدخل خارجي» وإذا كان هذا المربع السكوني قد وجد من ينتقده قبل سقوط صدام ويعلو بصوته مفنداً إياه وواصفاً له بأنه قبول باستمرار هذا النظام «كمثال صارخ للدكتاتوريات» ولا يقدم شيئا آخر لاستحالة التغيير من الداخل، لأن النظام استولى على كل مفاصل الحياة وجعل التغيير ضمن هذه المعادلة أمراً مستحيلاً، فإنه لا يجد الآن من يفنده بناءا على ما حصل لاحقاً في العراق.
لقد تحولت مقولة التغيير «من الداخل» إلى ركن أساسي لدى أطياف المعارضة السورية سواء الداخلية أو حتى الخارجية، وأصبح الخروج عليها أمراً أكثر صعوبة، في ظل الوقائع الماثلة. فقد تلقى المراهنون على التغيير «من الخارج» أو بدعم منه صفعة قوية من المثال العراقي. وهذه «الصفعة» لا تقتصر على من كان ينادي به من السوريين بل إنها كانت أيضاً للقوى التي يُراهن عليها في إجراء هذا التغيير وهي هنا أمريكا فقط لا غير.
إذ أن كل الدلائل تشير إلى أن لا أحد سوى أمريكا لديه رغبة في تغيير النظام السوري(اعلاميا على الاقل) بما في ذلك إسرائيل. بل إن كثيرين يعتقدون أن إسرائيل هي من حمى هذا النظام لفترات طويلة ومديدة من اليد الأمريكية! فهي تفضل نظاما مستقراً معروفاً لديها بمحافظته على أمن حدودها، من نظام آخر قادم قد يجد نفسه منساقا إلى إعادة شعارات التحرير واستعادة الأرض بالقوة في محاولة لاكتساب شرعية وطنية كما فعلت كل الانقلابات العسكرية في سوريا قبل أن تهدأ بشكل نهائي بعد انقلاب الأسد (الأب) وسحقه لكافة القوى السياسية على الأرض، وامتداداتها داخل المؤسسة العسكرية. وكما كل الشعارات التي رفعتها « الأحزاب» السورية المعارضة في فترة من الفترات، فقد كان ولا زال الكثير من المعارضين السوريين يعيرون النظام بصمته اتجاه إسرائيل، وبعدم قدرته على تحرير الجولان!. لا شك فإن هذا الموقف الإعلامي هو أحد أدوات استدراج عطف الشارع في «حرب» المعارضة مع النظام.
وإذ لايمكن لأحد أن يعارض رغبة المعارضين السوريين في التغيير الداخلي يمكن لنا مناقشة مدى إمكانية ذلك من خلال المؤشرات التالية:
- يستولى النظام على كافة مفاصل العمل في الشارع السوري ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها أو التوغل فيها فلا تستطيع المعارضة الداخلية من تجميع أكثر من بضع عشرات أو مئات لأي احتجاج تدعو له وهذا حصل في لحظات بدت فيها اليد الأمنية متراخية قليلا أمام ترك «ساحة» للمعارضين لتنظم بعض هذه الاحتجاجات
- عدم قدرة المعارضة السورية على تشكيل «حركية» مؤثرة أو فاعلة ضمن الشارع السوري، بل وحتى لدى النخب المتعلمة أو حتى المثقفة. إذ ليس هناك مشروع وطني يمكن الإجماع عليه خارج حسابات المحاصصة لقوى خائرة التمثيل على الأرض وتجتر تاريخاً سابقاً يثقل العمل السياسي (وحتى المدني) في الشارع السوري
- الرهاب الأمني الذي ما زال يسكن نفوس الناس منذ بطش النظام العنيف بكل مكونات المجتمع والتي كان لها موقفا محتجا أو معارضاً، سلمياً أو مسلحاً. وتالياً شل قدرتهم ليس على الحركة فحسب بل على التفكير فيها.
- انتماء شخوص المعارضة السورية (الداخلية) إلى فكر قومي أو يساري؛ وهذ عدا عن كونه يحيل في الغالب الى تمثلهم «رطانات»، فإنه يجعلهم بعيدون عن الشارع السوري في قراءة له الان لأن وعيه الجمعي أصبح دينيا في العموم.
- ضعف قدرة وخطورة عمل الإخوان المسلمين في الداخل السوري في ظل بقاء القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي للجماعة وهي عبر طبيعة تكوينها الأكثر قدرة على الحشد فيما لو أتيح لها النشاط الداخلي
- ضعف خيار «دفع ثمن الحرية» لدى «المشتغلين بالسياسة» في سوريا لأسباب عديدة ليس أقلها البطش الذي لا حد له للنظام لأي فاعل سياسي مؤثر. بل يبدو أن هذا الخيار تراجع عن العقود الماضية بعد أن أمضى بعض السوريين المشتغلين بالسياسة وبعض السياسيين ما يقارب العقدين في سجون النظام، في ظل عدم وجود آلية تكافلية تضمن على الأقل عائلة من سيختار هذا الخيار
- ضعف خيار التغيير في هرم السلطة أو انعدامه سواء كان ذلك بانقلاب أبيض أو غيره من التغييرات «الانقلابية» داخل هرم السلطة
- لم يصل الناس في سوريا إلى وضع اقتصادي كارثي «ولن يصلوا» يسبب احتجاج جماعي منفلت وغير منظم تستطيع بعض الأحزاب ركوبه، كما أن كل اطياف المعارضة تغيب المسألة المطلبية والمعاشية للناس من خطابها الاعلامي! الذي ترتكز دعواه الاساسية في التغييرعلى: الديمقراطية، حقوق الانسان، تداول السلطة،... ولازالت هذه المفاهيم لا تشكل استقطابا (شعبياً) حولها
- عدم تبني القوى الدولية المؤثرة، بشكل واضح لخيارات المعارضة في «التغيير» بل لازالت كل الدول تأمل أن ينسجم النظام مع الوضع الدولي ويغير نفسه وهي تعني تغيير ارتباطاته الخارجية مع إهمال الداخل السوري.
وفق هذه المؤشرات هل لأحد من المعارضة السورية في الداخل والخارج أن يدلنا على آليات التغيير السلمي من الداخل دون أن يستخدم الشعارات، والجمل الفضفاضة، وكلام لا مصب له. إذ أن هدف هذه الورقة محدد وهو الدخول في منطقة إجرائية، والنظر الى امكانيات التغيير ضمن الواقع المتاح الماثل، دون الدخول في التنظير العمومي. نتمنى بالطبع أن يكون لدى المعارضة السورية الداخلية والخارجية ما تقوله وما تفعله في سبيل التغيير السلمي الديموقراطي «ومن الداخل» غير ترقب إحالات المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري
ملاحظة: كتبت هذه الورقة بأجزائها الثلاث في صيف 2006. لم أنشرها حينها بسبب خوفي من السلطات الأمنية ولاعلاقة لعدم نشرها بأي شيء خارج هذا. وكنت قد «أرسلتها» لبعض الاصدقاء طالبا الرأي فكانت نصيحتهم عدم النشر. لم أجر أي تغييرات جوهرية عليها، وهذا يدل على أن الزمن السوري سرمدي؛ ما نقوله فيه يصلح الى الابد. كما أنها تتوجهه للمعارضين السوريين بحثاً عن منطقة فاعلية «وطنية». كما أعتبرها مجرد رأي، لا أتمسك به في حال اقتنعت بخطله.
خلف علي الخلف
التعليقات (0)