ثمة نظريتان رئيسيتان تعالجان مسألة التعامل مع النظام السوري، تدعو إحداهما إلى إقتلاع النظام من جذوره، بأشخاصه و أركانه و مؤسساته و كل ما ينتمي إليه و يدل عليه، في حين تدعو الأخرى إلى تغيير بنية النظام الأمنية، مع الإبقاء على هياكله، و ذلك بطريقة تحاول خلق بيئة لسقوطه، و لكن دون التجرأ على الحديث الصُراح عن السقوط.
تبدو النظريتين على درجة كبيرة من الإختلاف، لدرجة أن هناك صراعٌ محمومٌ بين طرفين يؤمن كلٌ منهما بواحدة منها، بحيث حدثت قطيعة بينهما، و فُتحت جبهة سجال إنترنيتي، أُبيح فيها تبادل الإتهامات التي تتدرج من المهادنة و الخيانة لتصل إلى المغامرة و عدم واقعية الطرح.
لكننا إذا أمعنا النظر في المسألة برمتها، فإننا لا نجد فارقاً كبيراً بين كلا الرأيين، و إن إختلفت دوافع من يقف خلف كلٌ منهما، إذ يدعو الرأي الأول إلى القيام بإطلاق النار على رأس النظام مباشرةً للتخلص منه، من خلال مواجهته بشكل واضح لا لبس فيه، في حين أن الثاني يشبه إطلاق النار على قدمي النظام ذاته، و تركه ينزف حتى الموت، بحيث يتدحرج رأسه من تلقاء ذاته، بعد أن يفقد القواعد التي يستند إليها.
لقد قطع كل من يدعو إلى ـ و يعمل على ـ إسقاط النظام كل صلة له بالماضي الذي يتربع فيه هذا النظام على قَـدر السوريين، لكن الآخرين الذين لا يزالون غير متأكدين ربما من رحيله، و بالتالي يتخوفون من بطشه إذا ما عاد للوقوف على قدميه ثانيةً، يحاولون إخفاء حقيقة رغباتهم، و الإلتفاف على الواقع الذي يشير إلى أن عدد الضحايا الذين سيسقطون خلال الفترة التي سيستغرقها السقوط النهائي للنظام، بدءاً من (إستجابته) لدعواتهم في تغيير بنيته سيكون كبيراً، هذا إذا إعتبرنا الحركات الإعلامية إصلاحات تحسب للنظام، و ليست حلولاً إسعافية لإنقاذ نفسه، لن يلبث أن يتراجع عنها.
كلما إزداد زخم الثورة السورية، كلما إزداد عدد القافزين فوق الخط الوهمي الفاصل بين المجموعتين، و ذلك من الجهة التي تدعو إلى تغيير بنية النظام، إلى الجهة الأخرى حيث يقف الداعين إلى إسقاط النظام، و زال مع ذلك هذا الخط و إندثر، و نحن نشهد يومياً هجرة لا تنقطع في ذلك الإتجاه، و هنا لا مشكلة بين الطرفين الذين لا يصعب إجتماعهم في مواجهة النظام.
لكن الخطير في الأمر كله هو وجود جماعة ثالثة يبدو أن لها وجهة نظرمختلفة تماماً عن كل ما سبق ذكرها، و هي تقوم على مبدأ أساسي هو الإبقاء على رأس النظام مع تغيير بعض قواعد اللعبة القائمة حالياً، لكن بما لا يتعارض مع هذا المبدأ، فقد خرج مثلاً أحد مدللي النظام الذين منحهم مؤخراً دوراً جديداً، فأسبغ عليه لقب معارض، خرج ليقول حرفياً: (أن الرئيس بشار الاسد حكم أحد عشر عاماً، و لا ضير أن يبقى حاكماً) متابعاً بما معناه، بأن الأصلاحات التي يرغب بها رئيسه لا تتعارض مع هذا المنهج، و يجب أن تجري في غرفة أخرى بعيدة عن التي يقيم فيها الرئيس.
أمثال هؤلاء ينتشرون على كل المسافات و يقومون بكل الأدوار، يجد المرء بعضهم يصطنع الحكمة، ليحيط نفسه بهالةٍ من الضباب، فيتخيل بذلك أنه سيصعب تحديد موقعه الحقيقي،لكن لآخرين منهم ألفَ خطابٍ و خطاب، منها ما يصلح لمنابر النظام و منها ما هو صالح للمنبر المعادي، و ما بين المنبرين شعرة معاوية، يتنقل عليها هؤلاء بمهارةٍ لا يحسدون عليها.
هؤلاء هم من يحاول إحباط العزائم من خلال تواجده في كل المواقع عدا الموقع المواجه للنظام، هدفهم عرقلة أي جهد حقيقي ضده، و يفتحون لذلك جبهات عبثية في كل الإتجاهات، لكنهم على جبهة النظام حمائم سلام.
لم تعد المعركة ضد النظام السوري تحتمل أي لبس، إذ إندثرت (المنطقة الوسطى.. ما بين الجنة و النارِ).
التعليقات (0)