في أنّهم (ماركة) رخيصةٌ
يحلو لي و أنا المولع بالإثارة ؛ أن أرنو إلى المجتمع وأفراده بنظرة الرّاصد الحذرِ . ومن هنا و عبر هذه الهواية ؛ تناسلتْ في خلدي مجموعة من الملاحظات حول سلوكيّات من راقبتهم في حدود مجتمعٍ كلّ ذنوبه تكمن في استمراريّة انتاجه لهذه (الماركة) الرّخيصة من العناصر .
من هم هؤلاء ؟ إنّهم يعيشون بين ظهرانينا و يفسدون علينا فرص التطوّر أو حتّى التعاطي مع التطوّر بإيجابيّة . إنّهم الأشدّ ظلامًا من حرّاس المؤسّسات الدينيّة التي لا تعنينا هنا . إنّهم مدّعو التنوير و التحرّر الجدد . هؤلاء هم الخطر الشّامل و الذي قد يودي بكلّ إنجازات المدّ التحرّري الفكريّ العربي في العقدين الأخيرين – بعد ثورة المعلومات والاتّصالات – إلى سلّة مهملات ، حيث لن يفتّش عنها أحد قبل قرن أو أكثر .
إنّهم ناخرو براءة الحقيقة بلا جفلة أو وجل . المتنطّعون بالكلام المسخ ، و مراهقو التعبيرات الفضفاضة التي لا يقوون على الوقوف أمامها باحترامٍ . عباراتٌ من قبيل (تنوير | أصولي | حقيقة | حراك | تسامح اجتماعي | تعايش سلمي) . هذه العبارات من ذوات المداليل الهامّة يقوم المغفّلون برميها على قارعة الطريق أو عتبة البيت حتّى ، ولكن ليس على طريقة المُنير (سيوران) بالتأكيد .. إنّما على طريقة الحفظة ممتهني القوالب الجاهزة و الأطقم الكلاميّة المملّة .
إنّهم يفتكون بكلّ ما يمكن أن يؤدّي إلى نهضة حقيقيّة ؛ وذلك عبر سماجة الخطاب و قبح الهدف منه . فهل صار هدف العلمانيَ | الليبراليَ | النهضويَ | التنويريَ كامنًا في حوارٍ متسامحٍ بين الإسلام والمسيحيّة مثلاً ؟ بين الأديان بشكل عام ؟ يالرداءة البضاعة و رعب المآل إذن . فما شأن هذا العلمانيّ | الليبراليّ | النهضويّ | التنويريّ بتلك الهوامش ؟ أليست وظيفته كشفَ الجوهر ؟ أين هو من الجوهر ؟ أين هو من الرّسالة الأولى و الأهمّ من أيّ آخر : (نشر الوعي) و (خلق المثقّف) ؟ هل سأخلق مثقفًا في حوار الأديان ؟ أم في الفن الدينيّ ؟ الفلسفة الدينيّة ؟ الزيّ الدينيّ ؟ و ربّما الرياضة الدينيّة من قبيل السباحة و الفروسية و ما إلى ذلك ؟ هل في كلّ هذا نشر للوعي و خلق لأجواء الثقافة التي هي جوهر الرّسالة ؟ ألا يخجلُ المرء بعد أن قرأ ولو كتابين في الفلسفة الحقيقية – الألمانيّة أعني – أن يتحدّث بهذا المنطق الفارغ ؟ إذ أنّي – وللأمانة - أستغرب أن يدّعي عاقلٌ إمكانية خلق مجتمعٍ حرٍّ في ظل المفهوم الدينيّ السّائد . أستغرب أن يعبّر أحدهم – وهو يكتب في الفلسفة – عن أنّ تاريخنا الديني متخمٌ بقيم التسامح . أين أنت من (فيورباخ) الذي هزمك و هزم أمثالك منذ قرن و نصف حين عبّر بلا ميوعة .
إنّهم نافذون في المؤسّسات الثقافية و الفكرية و التعليمية ، ويلعبون على أكثر من حبل و يطلبون ودّ كلّ الأضداد ، غاياتهم المنصب ، و أمجادهم ظهور إعلاميّ ، إنّهم – في رأيي – فاقدو الرّفعة .. بمعنى أنّهم منخفضون أخلاقيًا . و من هنا يحلو لي و أنا المولع بالإثارة ؛ أن أرنو إلى المجتمع وأفراده بنظرة الرّاصد الحذر و أقول لبعضهم .. أقصد للفئة التي لم تؤمن بأكثر من قول اللّسان .. الفئة المُرائية :
أيّها الأستاذ الجامعيّ النّظيف ؛ نريد لك أن تبقى نظيفًا ، دون أن تضطرّ لمسايرة التيّار ، و مزاولة مهنة الدِّلالة .. فهل ستفعل ؟
أيّها الشّاعر ؛ نتمنى عليك أن تكون شاعرًا لا وضيعًا . إنّ الشّاعر الحقّ – عندي على الأقل - لهو أسطورةٌ تمشي على قدمين .. فكيف تنحطّ الأسطورة هكذا ؟
أيّها الكاتب في أمور عقدية أو فكريّة لا خبرة له فيها ؛ دعْ عنك المماحكة و التدليس . أنّى تثبت لنا ما أنت جاهله ؟
أيّها الكاتب في أمور فلسفيّة ؛ عليك أن تشعر بالخجل من أنّك لم تقم بواجبك كما ينبغي . أنت منافقٌ ظلاميّ يتزيا بالنّور ، رخوٌ يستتر بالاقتباسات ، أنت المفكّر الأصفر في هذا العصر . عُد إلى أساتذتك .. إلى مكتبتك .. إلى الإشراق النّهم .. و بعدها اكتب أشياء حقيقيّة لا تخرجك من ملّة العقلاء إلى ملّة طابعي | بائعي الكُتب .
أيّها السّارد ؛ عليك أن تؤمن بما تكتبه . إيّاك و أن ترمي باللاّئمة على أبطال روايتك أو قصّتك .. كن فخورًا بتلك الخرائب الجميلة . كن فخورًا بتلك المصائر غير المفبركة . لا تقل : ما شأني أنا إنّها وردت على لسان أبطالي لا لساني . أبقِ على احترامك ولا تفعل هذا .
أيّها الصّحفيّ ؛ كن جديرًا بتلك الثقة . كن ناشرًا للأدب لا قلّة الأدب واللجاجة . لا تقيّم إرث الثقافة بمخزونك المعرفيّ البسيط ، و لا تعبّر عن استيائك من اسم لم تقرأ له يومًا ، و لا تقل ما ستخجل منه لاحقًا .
و أخيرًا ؛ أيّها القارئ .. اخلق نفسك . كنْ على مستوى القراءة قبل أن تبحث عن انتصارات صغيرة في صالونات الشاي المسائيّ .
هذا ما لدي عن تلك الفئة ؛ فاقبلوه منّي أو اشعروا بالخجل من أنفسكم .. سِيّان عندي .
سَعْد اليَاسِري
السويد
حزيران | 2009
الموقع الشّخصيّ
التعليقات (0)