مواضيع اليوم

في ألمانيا: "التعليم الفني" قادها من أطلال الحرب إلى قيادة أوربا!

ملف اخضر

2009-03-30 10:57:17

0

في ألمانيا: "التعليم الفني" قادها من أطلال الحرب إلى قيادة أوربا!

 

 


يأتي الاهتمام بالتعليم الفني في التجربة الألمانية كاستجابة علمية، وعملية لواقع ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من دمار وأشلاء، وتعد فكرة إنشاء مؤسسات التعليم الفني، والمعاهد الفنية العالمية Fachhochschulen محصلة لنقاشات طويلة جمعت مسؤولي التعليم، والتربية، ورجال الصناعة، والسياسة، وكان دافعهم في ذلك استحداث مؤسسة تعليمية من شأنها المساهمة في تطوير الصناعة الألمانية، وتعزيز قدرتها التنافسية في السوق الدولية، وما يتطلب هذا الهدف من خريجين، وكوادر ذوي مؤهلات علمية وعملية أفضل، ولديهم القدرة على إنجاز المهام العملية بسرعة وكفاءة على أساس متين من الدراسة الأكاديمية والتدريب العملي، فكان القرار بإنشاء المعاهد الفنية العالية.

المعاهد الفنية العالية.. Fachhochschulen تعد المعاهد الفنية العالية من أبرز العلامات المميّزة على خريطة التعليم الفني في ألمانيا، حيث تقدم برامج تعليمية خاصة بها، وتتماثل مجالات التخصص فيها مع تلك التي في الجامعات، إلا أنها تنحو ناحية عملية تطبيقية، وهذا الأمر يحكم طبيعة مؤهلات هيئة التدريس فيها التي تشترط الخبرة في المقام الأول قبل تعيين عضو هذه الهيئة، كما تشترط في عضو هيئة التدريس بها أن يكون قد حقق إنجازات مهنية وتدريبية خارج المعهد.
وتهدف الدراسة في هذه المعاهد إلى إكساب الطالب خبرة تطبيقية، وإحاطته بإمكانات ومشكلات الممارسة العملية، وتستغرق الدراسة في هذه المعاهد ما بين ثلاثة أعوام إلى ثلاثة أعوام ونصف العام، وتعني بمناقشة موضوعات محددة وإتاحة العمل في مشروعات معينة عناية كبيرة، إلى جانب فترة تدريب عملي مدتها فصلان دراسيان.
وتنظم البرامج الدراسية تنظيماً دقيقاً، وهي مقسمة إلى دراسات أولية وأخرى رئيسة، وتعقد في المعاهد الفنية الموجودة في معظم المقاطعات الألمانية اختبارات ابتدائية ومتوسطة مرتبطة بالفترة الرئيسة للتخصص في مجال معين.
وتختم الدراسة في هذه المعاهد بامتحان نهائي يشتمل على امتحان تحريري مطول غالباً ما يكون مشروعا مكتوباً على النحو المعمول به في كليات الهندسة في بعض الدول، ويتم اتخاذ المشكلات الفنية المتعلقة بالمهن الجارية موضوعات للمشروع أو البحث النهائي كلما أمكن، هذا إلى جانب اختبار شفهي.
ويمنح الناجحون ألقابا أكاديمية تبعا لتخصصاتهم مثل دبلوم مهندس(F.H).
وتقدم بعض المعاهد – بعد الدراسة الأولى- دراسات تخصصية لمدة عام آخر في موضوعات عملية مثل: معالجة البيانات، التكنولوجيا النووية، تكنولوجيا المناطق الحارة، الاقتصاد، حماية البيئة، الهندسة، ولا يحق لهذه المعاهد الفنية أن تمنح درجة الدكتوراه.

شعبية واسعة

تحظى المعاهد الفنية العالية في ألمانيا بشعبية كبيرة بين الطلاب، فما كادت تظهر للوجود حتى استطاعت أن تستقطب أعداداً كبيرة منهم في زمن قصير، فلقد تضاعفت أعداد الطلاب الدارسين في هذه المعاهد ليصل إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه عند نشأتها.
وتصل نسبة الذين أنهوا تعليمهم الجامعي العالي منطلقين من هذه المعاهد إلى 35%َ من إجمالي خريجي الجامعات، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 50% في كليات الهندسة.
والعامل الذي يجذب الطلاب إلى هذه المعاهد هو نظرتهم إليها باعتبارها أنسب الطرق وأقصرها إلى التخصص الأخير الذي ينشدونه، ويرون في هذه المعاهد أكثر السبل كفاءة وملاءمة لتحقيق هذا الغرض، كما يرون في إحكام مناهجها وقلة الأعداد التي يضمها كل فصل ميزة أخرى، كما أن قصر العطلة بين كل فصل دراسي وآخر يساعد على تكثيف مدة الدراسة والتدريب العملي بما يؤهلهم لإنهاء دراستهم في وقت أقل.

الارتباط بالمؤسسات الصناعية

الوقت المقرر للدراسة في هذه المعاهد محدد، فمدة الدراسة لنيل الدرجة التي يمنحها المعهد ثماني دورات مقسمة إلى ست دورات مكتملة في المعهد نفسه، ودورتين عمليتين في مؤسسة صناعية أو هيئة إدارية والغرض من هذا التقسيم هو تحقيق التكامل بين الجانبين التطبيقي والنظري، وهو الإطار الدراسي المميز للطالب.
وتقع مرحلة الدراسة الأساسية التي تنتهي بالمستوى الإعدادي في ثلاث دورات أو أربع، وهي المرحلة التي تسبق الحصول على الدبلوم، وعلى الطالب أن يحضر ما بين 25 إلى 30 ساعة أسبوعيا، ويتلقى الطالب في هذه المرحلة المهارات الأساسية المطلوبة في مجال التطبيق والممارسة العملية، كما يتلقى تدريباً عملياً معملياً يؤهله للتخصص في النصف الثاني من دراسته.
وفي النصف الثاني يجد الطالب أمامه فرصة واسعة للاختيار حسب اهتمامه، وبما يلائم ميوله والتخصص الذي يطمح في أن يشغله مستقبلاً وينال درجة الدبلوم فيه، ويقوم المكتب الفني بالمعهد بمساعدة الطلاب في إيجاد شركات ومؤسسات صناعية في مناطقهم تتيح لهم فترة التدريب العملي، وتساعدهم على استكمال المعرفة النظرية التي اكتسبوها.
يستغرق الفصل الدراسي الواحد في المعاهد الفنية ستة أشهر، تشغل المحاضرات أربعة أو خمسة أشهر في كل فصل دراسي، أما الفترة الواقعة ما بين كل فصل دراسي وآخر فتهدف إلى التقييم والاستفادة مما تم تعلمه ودراسته، كما تهدف إلى حفز الهمم نحو الفصل الدراسي الجديد.
وتشهد هذه الفترة عقد ندوات علمية، ومناقشة أوراق بحثية تضع في الاعتبار الموضوعات التي أحرز الطلاب تقدماً فيها، وتقدم رؤية أعمق لموضوعات التخصص، ويتم التحضير لها بشكل جيد سواء من الطلاب أو الأساتذة، ويقوم كل معهد بإعلان قائمة تتضمن عناوين موضوعات الندوات قبل بداية الفصل الدراسي الجديد، كما اعتادت المعاهد على القيام بجولات وزيارات ميدانية تستغرق ما بين يوم إلى بضعة أسابيع تستهدف موضوعات مختلفة، وتشمل أمكنة متفرقة.

الطلاب القدامي يساعدون الجدد

إضافة إلى المحاضرات، والندوات والتمارين التي يقدمها الأساتذة، والمحاضرون في المعاهد يوجد نشاط آخر يقوم به الطلاب القدامى المتفوقون دراسياً يستهدف مساعدة الطلاب الأحدث والأصغر سناً، حيث يقدمون لهم المساعدة على فهم الدروس، والموضوعات التي سبق للأساتذة أن قدموها، ويجد كثير من الطلاب في هذا النشاط فرصة لهضم المحاضرة واستيعابها أو المادة التي لم يشعر أنه حقق تقدماً فيها.

وبعد...نقل الخبرة ضرورة.

تعد التجربة الألمانية نموذجاً رائداً وجديراً بالدراسة ونقل الخبرة وعوامل النجاح إلى عالمنا العربي والإسلامي.
فالنماذج التطبيقية الناجحة بإمكانها إن تقدم تجسيداً حياً من شأنه أن يعدل النظرة السطحية للتعليم الفني ويضعه في مكانه اللائق به على خريطة الاهتمام الشعبي والرسمي في العالم الإسلامي الذي يزخر بثروات هائلة ومتنوعة حباه الله إياها.
هذه الثروات في أمس الحاجة إلى الكوادر الفنية الوطنية الأمينة لكي تكتشفها وتستخرجها وتستثمرها، للمضي قدما في طريق التنمية المنشودة.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !