الثورات مصدر الهام كبير للفنانين والمبدعين، هل لديك شك في هذا؟ لا أظن، ومن هذا المنطلق ومن وحي ثورة يناير، قررت أن أتوكل علي الله وأجرب حظي في مجال الإبداع الروائي وأن أكتب قصة مستوحاة من الواقع وأن أعرضها علي كتاب السيناريو والمخرجين الذين لا أشك أنهم سيتهافتون علي تحويلها لفيلم سينمائي لسبب بسيط، أنها كما سترون تشمل الحب والعنف والإثارة والمطارادات والمغامرات، ولا بأس ببعض المشاهد الحارة والموظفة درامياً، كما أنها تحتوي علي أعداد كبيرة من المجاميع، أي أنها تسمح بالإنتاج الضخم والعالمي وبالتالي بالمكاسب الضخمة والعالمية لكل الوسطاء العاملين في الإنتاج، والأهم من ذلك كله هي النهاية المؤلمة والمأساوية التي تهز الوجدان وتدمي القلوب قبل الأعين، مع فارق بسيط عن باقي القصص المأساوية التي تقع فيها الفواجع في النهاية علي رؤوس الأبطال، إذ أن المأساة في قصتنا تقع علي رأس البلد كلها.
والقصة المقترحة تدور حول قصة حب تنشأ بين امرأة شابة ورجل شاب، وحتي الآن لا توجد مشكلة أي لا توجد عقدة، ولذلك فإن العقدة المقترحة أن تكون السيدة متزوجة، وحتي تزيد العقدة فإن الأحداث تدور في صعيد مصر وحتي تصل العقدة إلي ذروتها فيجب أن يكون الحبيبان من ديانتين مختلفتين، بأن تكون الشابة مثلاً مسيحية قبطية ولها ابنة والشاب مسلماً. وطبعاً لأن الكنيسة القبطية لا تعترف بالطلاق فإن الحل في أن تغير البطلة ملتها والبطلة هنا قررت أن تتحدي أهلها ومجتمعنا، وأن تغير ديانتها كلها إلي الإسلام "علشان تجيب من الآخر"، وطبعاً كما هو متوقع سوف تقوم الدنيا ولا تقعد علي رأس البطلة، ولذلك فسوف يضطر العاشقان إلي الهرب عند أحد أصدقاء الشاب في إحدي محافظات الوجه البحري، حيث يتزوجان زواجاً عرفياً إضفاء للمشروعية علي علاقتهما، ويقضيان هناك فترة آمنة ومستقرة تطول إلي عدة أشهر، حتي يكتشف أهل الزوجة مكانها فيقوموا بخطفها وتهديدها بالقتل عندما تحاول المقاومة، ثم يقوموا باحتجازها في إحدي كنائس الصعيد في محاولة لإقناعها بالعدول عن تغيير ديانتها وبعد فترة من المحاولات الفاشلة وبعد أن يقترب الحبيب من معرفة مكان حببته المخطوفة، يقررالأهل أن يحتجزوها في مبني ملحق بكنيسة في إحدي المناطق الشعبية بالقاهرة، بمساندة أحد قساوسة الكنيسة. وتستمر محاولات الضغط والإقناع حتي تتمكن الزوجة من التأثير علي إحدي الراهبات بالكنيسة وتحصل منها على تليفون محمول تتصل عن طريقه بحبيبها لتعلمه بمكانها والذي بدوره يهديه تفكيره للاتصال بمجموعة من مشايخ السلفيين في المنطقة، وطبعاً تستنفر مشاعرهم المتحفزة للدفاع عن دينهم و"أختهم" المخطوفة، فيقررون أن يهبوا لتغيير المنكر بقوتهم وجموعهم ويتناسون دور الدولة والقانون المنوط بهما في المقام الأول التعامل مع مثل هذه القضايا، و يتجمهرون بالآلاف أمام الكنيسة في محاولة لا قتحامها لتخليص المرأة المحتجزة، وطبعاً تستثار مشاعر المسيحيين الذين بدورهم يهبون للدفاع عن دينهم وكنيستهم ويكون ما يكون من عراك واقتتال وإطلاق نار، ينتهي بحرق كنيستين ووفاة وإصابة العشرات، وفي خلال هذا تهرب البطلة وتلجأ إلي صديق البطل ليومين حتي تكتشف حجم الكارثة التي دفعت قصتها البلد إليها فتقرر تسليم نفسها للسلطات.
ولا يتوهم أحد أن مهما كان تأثير الثورات علي إزكاء الملكات والإبداع أن أتمكن من تخيل كل هذه التفاصيل المثيرة من وحي خيالي، والحقيقة التي لابد للقارئ أن يدركها إن كل هذه التفاصيل قد ذكرت من واقع التحقيقات المنشورة في الأهرام بتاريخ 13 - 5 - 2011 والتي كانت تتعلق بأحداث فتنة إمبابة وأقوال السيدة عبير طلعت فخري و التي أدت إلي وفاة اثني عشر شخصاً وإصابة المئات وإحراق كنيستين، فضلاً عن تأجيج مشاعر الغضب والاحتقان بين المسلمين والمسيحيين،و إضافة جرح عميق غائر في هيبة واستقرار الدولة.
ويخطيء أيضاً من يتصور أن هذه المشكلة جديدة، أو أنها لن تتكرر في المستقبل وكل ما تغير هو أن أسلوب المعالجة السابق والقائم علي مبدأ "دع الفتنة نائمة" وطريقة دفن الرؤوس في الرمال والتعامل الأمني الرادع مع مثيري الفتن لم يعد يصلح للمرحلة القادمة، وأنه لا حل لهذه الأزمة في ظل دولة حديثة إلا بارساء مبدأين أساسيين، أولهما هو حرية العقيدة الكاملة وحق المواطنة للجميع، وثانيهما هو تفعيل دولة القانون والتي تتحمل وحدها مسئولية حماية حرية المواطنين ،وأن يكون معلوماً للجميع أن هذه هي مبادئ الدولة والتي مرت من خلالها بأكثر من مائتي عام منذ أن أنشأ محمد علي دولة مصر الحديثة، وأن الذي يريد أن يهدم أركان هذه الدولة بمراجعة هذه المبادئ المستقرة، عليه أن يفعل هذا الآن وعلانية، وعلي المجتمع بأكمله أن يقبل هذا الهدم أو يلفظه.
التعليقات (0)