يروى «مارسيو كورى» المخرج البرازيلى لأب لبنانى من خلال فيلمه «المحطة الأخيرة» قصة شباب لبنان الذين هاجروا إلى البرازيل قبل 130 سنة، ولم يعودوا إليها ثانية حتى وصل عددهم اليوم إلى 8 ملايين شخص. ويكشف الفيلم كيف عاش شباب لبنان فى وهم، وهاجروا من أجل تحقيق الثروات السريعة والعودة بالمال الكثير على أهلهم، وبعد أن هاجروا نسوا كل شىء بما فى ذلك هويتهم وعادتهم وتقاليدهم وفى بعض الأحيان يصل الأمر إلى أن يتخلوا عن ديانتهم أو على الأقل نسيانها.
كما يرصد الفيلم من خلال شخصية «طارق» الذى هاجر مع شقيقه الأصغر «كريم» فى سن صغيرة إلى البرازيل عام 1950 ليجمع، كما وعد أمه «كيس فلوس» ويعود إلى الضيعة، الا أنه لا ينسى الوعد الذى قطعه على نفسه وألهته الحياة فى البرازيل حتى عام 2001.
ظهرت عليه علامات الشيخوخة وبدأ يشعر بالذنب لتقصيره فى وعوده التى قطعها على نفسه، وبدأ رحلته فى البحث عن الهوية اللبنانية من خلال البحث عن أصدقاء رحلته قبل 50 عاما عندما هاجروا إلى البرازيل على مركب واحد ليتحسر المخرج من خلال محطات رحلة البطل «طارق» على ضياع الهوية اللبنانية لدى المهاجرين سواء على مستوى تقاليد وعادات بلاده التى تخلوا عنها، أو على مستوى الدين حيث تخلى بعضهم عن ديانته بعد أحداث 11 سبتمبر التى اتهم المسلمون بعدها بأنهم ارهابيون، ليستطيع التعايش مع المجتمع البرازيلى دون أن ينظر اليه أحدهم نظرة دونية.
رحلة استعادة الهوية تشمل أيضا قيام بطل الفيلم بنبش قبر زوجته ليغسلها ويعيد دفنها على الطريقة الاسلامية، حيث كانت عادة أهلها أن يتم دفن الميت فى تابوت خشبى، وهو المشهد الذى أثار جدلا، خلال الندوة التى أعقبت عرض الفيلم، إلى جانب مشهد آخر يصلى فيه «طارق» السنى، مع صديقه الشيعى «على»، بطريقة غريبة حيث قرآ الفاتحة وهما راكعان، وختما الصلاة بشكل لا يعرفه المسلمون، وهو الأمر الذى علق عليه مخرج الفيلم بأنه بالفعل كان يخشى أن تثير تلك المشاهد الجدل لأنها ليست من شريعة المسلمين.
وأكد أنه سأل أكثر من فقيه وشيخ ورفضوا تقديم هذه المشاهد خاصة مشهد الغسل حيث يفترض أن المرأة هى من تغسل المرأة وليس الرجل، إلى أن التقى شيخ فلسطينى وأجاز له هذا المشهد خاصة أن الزوج كان يفعل عملا إجراميا بإخراجه الجثة بعد دفنها، ولم يكن واردا أن يدعو أى سيدة لتغسل زوجته، لأنه يخشى أن يكتشف أحد فعلته.
من جانبه، قال بطل الفيلم منير مصرى إن الهجرة اللبنانية جرح ينزف منذ 130 عاما، ففى البرازيل وحدها هناك 8 ملايين مهاجر لبنانى، وحول العالم هناك 15 مليون لبنانى، جميعهم اضطروا للخروج من لبنان إما خوفا من الحرب، أو بسبب الوضع الاقتصادى، وجميعهم أيضا كان يعتقد أنه سيحقق ثروة طائلة ويعود إلى بلاده، لكن الواقع أن معظمهم لم يعد وأصبح وطنهم البرازيل وليس لبنان.
وأوضح منير أن نزيف الهجرة لا يزال مستمرا حيث إن الاحصائيات تؤكد أن هناك أكثر من مليون لبنانى هاجروا خلال الـ10 سنوات الأخيرة، وللأسف فإن اللبنانيين أصبحوا يتعاملون مع الهجرة وكأنها قصة رومانسية إلا أنها فى حقيقة الأمر قصة مأساوية.
التعليقات (0)