بتلك النظارات الطبية اللامعة، وبربطة العنق الأنيقة، وبألفاظ عربية فصيحة ومتأنقة، وعبر شاشة متطورة يطلّ عليها ابن السويداء كل ثلاثاء، ينثر كلماته عبر مقدماته الشهيرة هناك وهنا، ثم يقدّم ضيوفه الكرام، بعدها يأخذ نَفَساً ويقول: نبدأ بعد الفاصل؛ إنه فيصل القاسم.
هو إعلامي سوري من مواليد بلدة السويداء، يقال إنه درزي حاصل على الجنسية البريطانية إلى جانب السورية، متزوج وله أبناء، معارض شرس للأنظمة العربية على الرغم من أنه يطلّ علينا من إحدى العواصم العربية، وعبر إحدى أقوى الشاشات العربية أيضاً حضوراً وتأثيراً في الشارع العربي، وله الكثير من المقالات عبر بعض الصحف العربية الشهيرة أيضاً، بالإضافة إلى تغريده المستمر عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، له الكثير من المتابعين أعدادهم بالملايين، والكثير من القراء أعدادهم ضخمة هم أيضاً، دون أن ننسى المناوئين والخصوم.
يتفق الكلّ على قيمة ذكائه الإعلامي الذي لا يمكن إنكاره، فهو شديد الملاحظة، سريع البديهة، ذو باع طويل في التحكم باللغتيْن العربية والإنكليزية، وحتى أفكاره يخرجها في قوالب نسقية صعبة الاختراق، وفي كثير من الأحيان هي تستعصي حتى على الفهم، كل هذا جعل منه نجم الإعلام العربي من دون منازع، فمن هو فيصل القاسم؟
نبدأ من ساعته الثمينة على يده، إلى لوحاته الإلكترونية وأجهزة الحاسوب التي تبدو غالية الثمن أيضاً على مكتبه، وصولاً إلى بزّاته التي هي من ماركات عالمية، بحيث تبدو عليه علامات الثراء، وهذا يطرح الكثير من الأسئلة والاستفهامات عن مدى صدقه فيما يكتبه دعماً لكل مسحوق عربي بجزمات الأنظمة العربية.
نلتفت إلى الشركة الغنية التي تدعم برنامجه منذ بدايته؛ لأنّ القاعدة الجيو-اقتصادية البسيطة تعلمنا بأنّ الداعم المالي مهما كان مقدار دعمه متدنياً إلا أنه سيفرض آراء وتوجهات على من يدعمهم ولو من بعيد، وهذا ما يطرح استفهاماً آخر حول مدى حرية السيّد فيصل حينما يستضيف البعض دون البعض الآخر، أو يختار موضوعاً دون غيره أيضاً.
في الماضي القريب نزل الدكتور فيصل على القناة السورية الرسمية، وأشاد بالنظام السوري الحالي ولو بأشكال مبطنة كعادة تغريده المستمر، وهنا يضيف سؤالاً آخر حول مدى مصداقية تعاطيه مع الأزمة السورية ومدى استعداده للانحياز لطرف دون آخر في أيّ ملف عربيّ آخر.
هناك حلقة لبرنامجه حاور فيها عبر الهاتف الزعيم العقيد معمر القذافي رحمه الله، وهو يناديه بـ: "سيّدي"، بعدها بأعوام يشهر السيّد فيصل كل سيوفه الفكرية من أجل تعرية نظام الجماهيرية ضد القذافي، وهنا على كلّ عقل أن يسأل مقدم برنامج الاتجاه المعاكس عن سرّ هذا الانقلاب في موقفه فيما يخص الملف الليبي.
دارت محادثة بين السيّد فيصل القاسم والسيّد يحيى أبو زكريا عبر رسائل موجودة على النت، وهي تتضمن في صلبها أفكاراً لفيصل القاسم حول الربيع العربي، وهي مهمة جدّاً لربما أترك القارئ لتفحصها والتعمق في براثن ما يدور في عقل هذا الإعلامي اللامع بالفعل.
كلّ هذا لا يغطّ ما يفعله فيصل القاسم في المشهد العربي، فهو يمثّل مثالاً لحرية الرأي والتعبير، ورمزاً للإبداع وصناعة التوجهات الفكرية، لربما لم نألف ولم نتقبّل بسهولة وجود فيصل القاسم على شاشاتنا، ومع ذلك فهو موجود عليها كل أسبوع.
يقال إنّ سيّدنا موسى قد نظر إلى السماء وقال: كل شيء آت من هنا، وهو يوجه إصبعه إليها، ثم وجه سيدنا سليمان إصبعه إلى رأسه وقال: لا بل كل شيء قد أتى من هنا، ثم وجه سيدنا عيسى إصبعه إلى قلبه وقال: بل أتى من هنا، ووجه كارل ماركس إصبعه إلى جيبه وقال: بل من هنا، وقد وجّه فرويد إصبعه إلى عضوه وقال: بل أتى من هنا، فهل سيأتي اليوم الذي يوجّه فيصل القاسم فيه إصبعه إلى الشاشة ويقول: كل شيء آت من هنا؟ لا أدري لكن أينشتاين قد برهن بأن كل شيء هو نسبي.
mezouarms@yahoo.co.uk
التعليقات (0)