بدأ حياته بتنظيف الشوارع والحدادة والكهرباء
2008-02-25
الدوحة - أسماء رفيع - عبد الباقي صلاي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كانت قناة الجزيرة قد سبق لها أن اختيرت كأشهر خامس ماركة تجارية في العالم وكأول ماركة إعلامية بفضل اعتمادها على مبدأ الرأي والرأي الآخر، ونالت بذلك رضا واستحسان العالم كأول قناة عربية استطاعت أن تخوض في مواضيع كانت إلى وقت قريب من المحظورات، فكذلك نجمها الدكتور فيصل القاسم صاحب برنامج الاتجاه المعاكس فقد حاز هو الآخر استحسان الجماهير العريضة عبر أصقاع الدنيا، لاسيما الجماهير العربية التي تنتمي إلى دائرة المقهورين سياسيا، والمكبوتين فكريا و نفسيا، بحيث سبق له أن اختير من قبل مجلات عالمية كأحد الشخصيات العالمية المؤثرة في الساحة الإعلامية دون منازع، الدكتور فيصل القاسم متزوج من سيدة سورية من نفس منطقته ولديه بنت وولدان، صبا وأصيل وآدم. وهوايته أن يمضي جل وقته على الإنترنت ويستمتع بالتسوق والموسيقى خاصة أنه ينتمي إلى عائلة فنية. طلبنا منه أن يحكي لنا عن أولى خطواته على درب الإعلام والنجاح. لكننا طلبنا منه قبل أن يسرد قصته وماذا يتذكر من حياته الأولى في مسقط رأسه بالسويداء فقال:» أتذكر حياة البؤس والشقاء والعمل منذ الصغر في معظم الأشغال الشاقة. فقد مارست الكثير من المهن بدءاًً بتنظيف الشوارع وانتهاء بأعمال الحصاد والحدادة والكهرباء وغيرها. لكنني كنت في الوقت نفسه تواقاً للخروج من هذا النفق. وكانت أحلامي كلها منصبة على الظهور الإعلامي، فكنت أراسل الإذاعات كي أسمع اسمي يذكر على الأثير. وأتذكر أيضا ولعي الشديد بالإذاعة والتلفزيون خاصة بعد أن دخلت الكهرباء قريتنا وتمكنا بقدرة قادر من شراء جهاز تلفزيون أسود وأبيض. لقد حلمت كثيرا بامتلاك ذلك الجهاز العجيب قبل ذلك. وأتذكر أنني كنت أذهب إلى المدينة وأجلس تحت النوافذ لمشاهدة التلفزيون خلسة. وذات مرة شاهدني صاحب أحد المنازل أشاهد التلفزيون من تحت نافذة المنزل فخرج وطاردني ظنا منه أنني لص. وبعد أن أمسكني قلت له الحقيقة فمسك بيدي وأخذني إلى داخل المنزل كي أشاهد التلفزيون مع العائلة. ثم يتوقف برهة من الزمن بعد أن اعتدل في جلسته ليواصل حديثه، في الواقع أقصى حلمي كان أن يخرج صوتي من أي إذاعة كانت أو أن أصبح مذيعا للنشرة الجوية في التلفزيون المحلي. هذا كل ما كنت أتوق إليه. لكن الله كريم، فقد تمكنت من الالتحاق بعد إكمال الدكتوراة بأعرق إذاعة في العالم ألا وهي إذاعة البي بي سي العربية في لندن حيث عملت فيها لثمان سنوات. وكان ذلك أكبر مما حلمت به بكثير. أما الجانب التلفزيوني من حلمي الإعلامي فقد تحقق بعد أن أنشأت هيئة الإذاعة البريطانية تلفزيونا باللغة العربية. وقد اختاروني لإجراء امتحان وقد نجحت نجاحا باهرا في الامتحان إلى حد أنهم اختاروني كي أشارك في يوم الافتتاح. وكان ذلك طبعا بالنسبة لي كالحلم ولم أكن أصدق ذلك. ثم انتقلت إلى الجزيرة وكان ما كان. وبفضل الله اختاروني قبل ثلاث سنوات من أكثر خمسين شخصية عربية مؤثرة على مستوى العالم. ولا شك أن للوضع الاجتماعي تأثيرا كبيرا على شخصية أي إنسان، فكما ذكرت لكما فقد عشت وضعا اجتماعيا مأساوياً. وكانت عائلتنا في أسفل السلم الاجتماعي؛ مما خلق لدي شعورا بالانتقام من ذلك الوضع والثورة على الفقر والبؤس. وأعتقد أن هذا الشعور ما زال يلازمني حتى الآن بالرغم من أن أوضاعي تغيرت مائة وثمانين درجة. ويواصل فيصل حديثه عن نجاحه لاسيما بخصوص مكوناته الشخصية التي جعلته مختلفا عن غيره من الإعلاميين بقوله : أعتقد أنني من النوع العفوي المجنون الذي يثور دون الاهتمام بالنتائج. وأعتقد أن ذلك ينفع في العمل الإعلامي بشرط أن يكون المجال مفتوحا أمامك كي تمارس جنونك. ولا شك أيضا أن الطريقة التي عبرت فيها عن هموم الناس وآلامهم السياسية والاجتماعية لعبت دورا في التفافهم حول برنامج الاتجاه المعاكس. أما عن أجمل الحوارات التي أجراها في حياته فيتذكر فيصل القاسم» أستطيع أن أؤكد لكما أن حواري مع الرئيس كاسترو هو الأجمل بالنسبة لي لأنه رئيس والرؤساء قلائل، فهو من النوع المثقف جدا على عكس العديد من حكامنا الفارغين رأساً والممتلئين جيوباً. ومن الرائع جدا أن تقابل هؤلاء الذين بإمكانك أن تسألهم أصعب الأسئلة وتحصل منهم على إجابات عظيمة. وأتذكر أن كاسترو جاء إلى اللقاء مرتاحا وجلس على الكرسي واسترخى إلى الخلف لكن ما إن بدأت الأسئلة حتى غير جلسته واستقر على حافة الكرسي كمؤشر على قلقه واحترازه من الأسئلة النارية لكنه اعترف لي في نهاية اللقاء بأنه من أفضل اللقاءات التي أجراها في حياته لا بل أمر بإعادة بث البرنامج عدة مرات على التلفزيون المحلي الكوبي. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس تشافيز الذي يعتبر كاسترو أمريكا اللاتينية الجديد. لقد خرجت بنتيجة تقول إن الكرامة الوطنية يمكن تحقيقها حتى لو كنت في الحديقة الخلفية لأمريكا كما يفعل الأمريكيون اللاتينيون هذه الأيام. وليت لدى أنظمتنا الحاكمة ربع الكرامة المتوفرة لدى كاسترو وتشافيز، وأتذكر أيضا أن الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي شعر بكثير من الاشمئزاز وهو يستمع إلى أسئلتي المحرجة. أما رئيس وزراء باكستان نواز شريف فلم يكمل اللقاء وبدلاً من إعطائي ساعة أعطاني من وقته عشر دقائق فقط.. كما أتذكر أيضاَ أن صدام حسين بدأ ينظر إلى نظرات مخيفة وأنا أمطره ببعض الأسئلة المدببة؛ مما جعلني في تلك اللحظات أظن أن ساعة أجلي قد دنت. وفي محاولة للتخفيف من وقع أسئلتي عليه أتذكر أنه طلب مني أن أسأله عن الجمال والحسناوات كنوع من الدعابة. لكنني استمررت في أسئلتي المزعجة وانتهى اللقاء بسلام. ويتوقف هنا عن ذكرياته مع الفقر ومع حواراته مع الرؤساء لينتقل إلى الحديث عن شخصيته التي يقولون عنها: إنها متدبدبة لاشك أن لدي موقفا سلبيا ممن يسمون بالليبراليين العرب الجدد؛ لأنني أرى فيهم خطراً لا يقل عن الخطر الذي تشكله الأنظمة الحاكمة. لكنني أعطيهم الفرصة في برنامجي كي يدافعوا عن مواقفهم. وأنا أول من أفسح لهم المجال. وهذا لا يعني أني متناقض في موقفي من الليبراليين الجدد والديمقراطية. فأنا لست ضد الليبراليين لأنهم يطالبون بالديمقراطية بل على العكس لأنهم طغاة واستئصاليون من نوع جديد. فهم أصوليون على طريقتهم. وما الفرق أن يكون الأصولي ملتحيا وأن يكون مرتدياً بزة غربية حديثة؟ الليبراليون العرب الجدد مستبدون ويريدون فرض عقائدهم على الآخرين تماما كما يفعل المتطرفون. أما بخصوص الأجداد فليس كل ما ورثوه لنا إيجابي، لا شك أنهم جديرون بالاحترام على تضحياتهم وبطولاتهم لكنهم أيضا جديرون بالذم على بعض التقاليد البالية التي أورثونا إياها. أما عن رأيه في تحالف الحضارات الذي أضحى موالا في الفترة الأخيرة فيفصح عن ذلك، ليس هناك حوار عبر التاريخ، إنما الصراع هو الأصل. فلو كان هناك حوار لما كان التاريخ عبارة عن سلسلة من المذابح والحروب وأنهار الدماء. وأعتقد أن الغرب لا يريد التحاور معنا. فهل شاهدت أسداً يحاور أرنباً في الغابة، فالأقوياء عبر التاريخ هم الذين يفرضون إرادتهم وثقافتهم، فعندما كان المسلمون أقوياء وصلت جحافلهم إلى فرنسا وإندونيسيا وحدود الصين. وبالتالي علينا أن نعترف الآن أننا خارج معادلة القوة وبأن العولمة لن تكون إلا باتجاه واحد صوبنا في حين أن أمريكا اللاتينية كما أخبرني الرئيس تشافيز قد تعثرت بسبب الصلابة السياسية هناك وتصدي الشعوب والحكام لها. وختم حديثه معنا عن تجربته الإعلامية الثرية بتوجيه نصيحة لكل طموح يتوق للنجاح، لا تخشوا من أن تكون أحلامكم أكبر من وسائلكم. أحلموا دائما بالأشياء الكبيرة. وأتذكر في هذا الصدد حديثا دار بين شيخ وابنه، فقال الشيخ للولد ماذا تريد أن تصبح في المستقبل فأجاب الولد: أريد أن أصبح شيخا مثلك يا والدي، فقال له الأب: تبا لك. فأنا حلمت أن أكون كسيدنا على بن أبي طالب لكنني أصبحت شيخا، وبالتالي فانك يا بني إذا أردت أن تصبح مثلي فهذا يعني أن أحلامك متواضعة وستكون شيخا من الدرجة العاشرة. وكي لا تعتقدا أنني أناقض نفسي هنا، أريد أن أؤكد لكما إن أحلامي الصغيرة القديمة بأن أصبح مذيعا للنشرة الجوية كانت في الواقع أحلاماً ضخمة جدا بالمقارنة مع وضعي الاجتماعي البائس تماما كمن يحلم بالشهد وهو لا يجد السكر لتحلية كوب من الشاي.
التعليقات (0)