أيمكن أن يكون كل ذلك مصادفة ؟!
أنا لا أعرف ، لكني لا أستطيع أن أحسن الظن .. ولا يمكن أن يكون كله داخلا في المجالين : النفسي والمجتمعي السلبيين ..
ولو انتقلنا إلى التشخيص الدقيق ، لوجدنا كمّا هائلا متنوعا من الأسئلة الاستفتائية الاختبارية الفيسبوكية ، على الطريقة " الأمريكية المباركة " التي شاعت مؤخرا ـ وتحتاج الإجابة عنها ـ كما يقولون ـ إلى " قوة قلب " ..
فما عليكم إلا أن تقووا قلوبكم ، وأن تحسنوا اختيار وانتقاء الجواب من الخيارات الممنوحة لكم ، بكل المحبة والأريحية والكرم الأصيل ..
(( وهذه نماذج أسئلة هنا ، منسوخة " بعَجَرها وبَجَرها وبدمها الطمثي " ، وبأخطائها الفاقعة إلى حد الضَرَس )) ..
ـ هل يتحول الحب إلى كراهية ؟؟
ـ هل خانك صديقك أو حبيبك ؟؟
ـ هل كذب عليك حبيبك أو صديقك ؟؟
ـ هل التضحية مطلوبة في الحب ؟؟
ـ هل أنت مع أو ضد الحب من النظرة الأولى ؟؟
ـ ( حب بلا خيانة ) ( صداقة بدون مصالح ) الشباب أيهما أكثر خيانة ؟؟
ـ بتعرف تساوي فورمات لكومبيوترك لحالك ؟؟
ـ في رأيكِ : أفضل المواقف تتمنينها في لحظة رومنسية مع حبيبك هي :
تحت المطر يحميني بمظلته .
في أحضانه أمام مدفأة في الشتاء .
في أحضانه يوم فرحكِ .
ـ إذا في شخص لزق فيك وأنت مو طايئو شو بتعمل ؟؟
ـ لو صار ئلك مجال تغير اسمك .. بتغيرو ؟؟
ـ أنت مع أو ضد أنه الواحد يحط أبوه بس بكير بدار العجزة ؟؟
ـ إذا كنت متضايق شو أول شي بتفكر تساويه ؟؟
ـ هل الخيانة سبب كاف للطلاق ؟؟
ـ هل ارتكبت أخطاء لم تسامح نفسك عليها حتى اليوم ؟؟
ـ هل أهدافك المستقبلية واضحة ؟؟
ـ في شي مرة عملت تبييض لأسنانك ؟؟
ـ أحلى لعبة ( شدة ، كوتشينة ) ... ؟؟
ـ شو رأيكم باسم دينـّا ؟؟ " المقصود : ديننا " .
ـ شو أطيب أكلة من هدول الأربعة ؟؟
ـ كم نسبة حبك لريال مدريد ؟؟
ـ أكبر سبب بخلي المرأة تخون زوجها ؟؟
ـ هل أنت مع الزواج المدني ؟ يعني أي شب من أي دين فيو يتجوز أي بنت من أي دين ؟
ـ من هو أهم رمز ثوري في العالم في القرن العشرين ؟
ـ إذا انخطبتي بشكل تقليدي وبعدين لقيتي فتى أحلامك شو بتعملي ؟؟
ـ أنتي من أي نوع من البنات ؟؟
ـ في ظل الظروف الاقتصادية الجديدة هل تغيرت سياسة إنفاقك على نفسك أو على البيت والأسرة ؟؟
ـ إذا اكتشفت أنو الماما عمبتخون البابا شو بتعمل ؟؟
ـ بصراحة : حسيت / ي حالك حقير شي مرة ؟؟
ـ للمحجبات : ليش أنت محجبة ؟؟
ـ شو رأيك أنو سوريا تكون دولة علمانية ؟؟
ـ للبنات : إذا حبيتي رجال واكتشفت أنو متزوج ؟؟
ـ كيف تعبر عن غضبك ؟؟
ـ لو كنت مصادق بنت وانفصلت عنها وشفتا مصادقا شخص غيرك بتغار ؟
ـ هل تؤيد منع مكبرات الصوت في المساجد والأجراس في الكنائس احتراما للحريات الشخصية ؟
ـ هل أنت مع إعادة مادة الفتوة واللباس العسكري ؟
ـ هل يعيب امرأة أن تكون مطلقة ؟؟
ـ هل أنت شخص تحب تامر حسني ؟
ـ هل تحترم الديانات الأخرى في مجتمعك ؟
وهناك عدد لا متناه من الأسئلة المتنوعة ، بدءا بـ " المحرمات " الأخلاقية والسياسية ، وليس انتهاء بمثيلاتها الاجتماعية والسلوكيات الفردية ..
هذه النماذج غيض من فيض آسن و " كطعم العلقم " ، ولا أستطيع الحكم عليها ، ولا على توجهاتها ، ومقاصدها " النبيلة " ، وغائيتها الآنية والمستقبلية ..
أهي مجرد تسلية لا غير ؟؟!!
أيمكن أن تبلغ بنا السذاجة والسطحية هذا الحد ؟؟!!
ومرة أخرى : أهي بريئة بالفعل ؟؟!!
إن قسما كبيرا منها يحمل من الخبث والخديعة ما يحمل ، خاصة في موضوع السؤال ونصه ، وفي شكل تلقي الجواب ، وفي أنواع الاختيارات المتداولة .. فيستسهل " الفيسبوكي " الإجابة وهو متكئ ، و"يطج كليكه " بثقة عارمة ..
لكنه أحيانا ، وقبلئذ ، قد يصفن ، ويفكر ، ويبدأ الـ " serch " في أعماق ذاته عن شيء من هذا القبيل ، ليدعم جوابه ـ نفسيا ـ بما يؤيد الحالة الموصوفة ..
وقد يكون رد الفعل على السؤال ، هو تماما ، المطلوب تحقيقه من وراء طرحه .. وقد يكون ثمة أمور أخرى :
فيبحث عن الكراهية التي أنسته الحب ودمرته ..
ويبحث عن الخيانة التي أصابت منه مقتلا بطعنة في الظهر ..
ويبحث عمن كذب عليه ، فيلتهب الجرح ويعيد استرجاع لحظته المريرة التي سببت له ألما ، بالكاد نسِيَه ..
وينقـِّب في ذاكرته عن مواقف صديقه ويقرنها بما سمعه من فلان وعلان ، فيتشوش وترتبك قاعدة المعلومات لديه ، وتتداخل وتشتبك الفيروسات في تلافيفه ، حتى يستوي وينزل " نيفا " مثل " القـَشة والكوارع المسلوقة " ، فلا ينجيه من ذلك كله إلا :
الفرمتة ..
وما أدراك ما الفرمتة !!
ولأن " الحب " ـ كحالة إنسانية عامة ـ يجب أن يكون الحالة الإنسانية " الافتراضية " بلغة الكومبيوتر ، فيجب أن تحل في الصدارة ، في سلم الأولويات القيمية ، التي تساعدنا جميعا على الاحتفاظ بالحد الأدنى من السلوك الإنساني : الخلاق والمبدع والمنفتح والمتسامح والمتجاوز لمطبات القرون السالفة وحواجزها ، كي نطمئن على مستقبل الأجيال وطاقاتها ..
ولو نظرنا في موضوعات تلك الأسئلة وأخواتها ، لوجدنا أنها ذات وجهين ، كالعملة ، ينعكسان " بردا وسلاما " على المتلقي :
وجه ظاهري : هادئ ، واثق ، بريء .. يوحي لك " بحريتك المطلقة " في الاختيار ..
ووجه مستور : استفزازي ، مُنطوَط ، خبيث ، يجبرك على أن " تختار " ما يُراد منك عبر صيغة السؤال ، ومحدودية خيارات الإجابة الموَجَّهَة إلى الهدف المقصود ..
وبنظرة سريعة على النماذج أعلاه ، يمكن تثبيت كلتا الصفتين ، كما يمكن إضافة صفات أخرى تترابط معهما ..
وفي كثير من الأسئلة ، نجد تعزيزا لمفاهيم فاسدة أو سيئة أو دخيلة ، أو لم نعتد على تداولها وعلانيتها على الأقل ..
كما تتم عملية تحويل الفضائل إلى رذائل ، أو بالعكس ، وتكريسها كقيم ناجزة ، لا تقبل نقاشا ولا تشكيكا ، كونها معروضة " افتراضيا " على أنها من أكثر " القيم " " بداهة " ، فمن باب أوْلى أنها لا تحتاج لأدلة ولا لبراهين لإثبات يقينيتها ..
وربما تكون هذه من أخطر الأخطار الناجمة عن هذه " الفيسبوكيات السعيدة " ، لاسيما حين يسجل لك الآخرون إجابتك عن سؤال معين ، ثم يواجهونك بها ، ويحشرونك في الزاوية إن قلت لهم : لم أكن أعني ذلك في جوابي ..
عندها يتهمونك بشتى التهم التي تجرُّها عليك ، وتسبِّبُها لك " كليك " طائشة ، ربما ..
وأخيرا : هل يحتاج كل ذلك ـ برأيكم ـ إلى " قوة قلب " حقيقية ؟؟
أم يحتاج إلى " قوة قلب " منطوقة باللهجة الفلسطينية الرائعة ؟!.
إننا بحاجة لتنفيذ الإجابة عن سؤال وحيد :
ـ كيف نسيطر على الكراهية ونحتويها ، ونحولها إلى حب حميم ؟؟
عشتم ، وعاشت الأمة الفيسبوكية ..
الأربعاء ـ 12/10/2011
التعليقات (0)