فيد حديث التاريخ والحضارة والفروسية والشعر والآثار
مقدمة كتاب فيد حديث التاريخ والحضارة والفروسية والشعر والآثار للأستاذ / جزاع عبد الله حامد الرضيمان
إن الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذه الدراسة ليست حديثاً تاريخياً عن بلدة عريقة تاريخياً فحسب، بل حديثاً يشمل التاريخ والعقيدة والأدب واللغة والشعر والسياسة والعلم والاقتصاد والاجتماع والعمران .. فهو تاريخ حضارة وثقافة بكل معانيها المعاصرة...
- أما من حيث التاريخ فإن فيد بلدة يسكنها التاريخ في كل شبر من أراضيها، فكل أثرها فيها يحكي قصة ، وكل بئر ماء أو ينبوع ، أو آثار القصور والقلاع ، والحصون ، أو آثار المنازل والأسواق .. كلها تحكي قصص البطولة والشجاعة والكرم والأخلاق ، والأمانة ، والشعر والملاحم الحربية.
- إنها تحكي قصة زيد الخيل الذي سماه الرسول ص ( زيد الخير )، وهو من رجال فيد المشهورين ، المتميزين بصفات جسمية قليلة في الرجال، حتى أنه يوصف بـ ( مقبل الظعينة ) ، إذا ركب فرسه كانت رجلاه تخط في الأرض.. ,قال عنه رسول الله ص حين وفد إليه مع رجال من أهل طيئ: ( ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل فإنه لم يُبلغ كله ما فيه ) .
- وفَيْد تحكي قصة الطائيين الذين قطنوا فيها وفي بلاد الجبلين أجأ وسلمى ، وغزواتهم وصراعهم مع بني أسد وبني شيبان ، وأيامهم المشهور في الجاهلية قبل الإسلام..
- وهي تحكي قصة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، أولئك الأبطال الفاتحون للعراق وفارس والشام من أبناء زيد الخيل ، وعدي ابن حاتم الطائي.
- إنها تحكي قصة الذين مروا بها من الفاتحين العظام، أمثال خالد بن الوليد ، وسعد بن أبي وقاص إلى الشام والقادسية وقتال المرتدين..
- وهي تحكي قصة الذين هاجروا منها ومن بلاد الجبلين إلى المدينة عمروها بعد فتح العراق.
- فيد تحكي قصة ازدهارها في العهد العباسي، ووقوعها في منتصف الطريق في (درب زبيدة ) ، أو طريق الحج الكوفي... حيث أصبحت ولاية ، لها حدودها وقوانينها، ومقر الوالي فيها.. وحيث أصبحت مقراً للحجاج ومستودع أماناتهم وهم في طريق الحج.. ومنها يتزودون، وفيها ويريحون أنفسهم من عناء الطريق..
- وهي تحكي قصة مسجدها العامر بالعلم والفقه والعلماء ، ومن استقر فيها من العلماء ونسب إليها، أو من هاجر منها إلى الكوفة.. من أمثال علماء الحديث: محمد بن ضريس الفيد، وأبي إستحاق عيسى بن إبراهيم الفيدي، ومحمد بن جعفر الفيدي.. وغيرهم من العلماء الذين تم ذكرهم خلال هذه الرسالة.
- وهي تحكي قصة الشعراء الفرسان في الجاهلية والإسلام ، من أمثال حاتم الطائي، وزيد الخيل ، وأبنائه الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية ، وضربوا مثلاً رائعاً في البطولة والفروسية في جميع المواقع التي خاضوها..
- هذه هي فيد التي لا يكاد يعرفها أبناء الجزيرة العربية حق المعرفة.. ولا يعرفون تاريخها والحضارة التي نشأت فيها على مر التاريخ..
- ولا يعرفون تاريخها والحضارة التي نشأت فيها على مر التاريخ..
- ولم يُكتب عن فيد كتابة مستقلة حسب استقصائي عنها سوى رسالة دكتوراه، قدمها الدكتور فهد بن صالح الحواس، بجامعة ساوثهمتون ببريطانيا عام 2003م، وهي بعنوان ، وهي بعنوان: الآثار المعمارية في مدينة فيد بمنطقة حائل في المملكة العربية السعودية ( وهي ما زالت باللغة الإنكليزية ) ، وهي دراسة أثرية ميدانية تركز على دراسة فيد وما حولها ، وما اكتشف فيها من قصور وبرك وكتابات ورسوم صخرية، ومعثورات ( الملتقطات الأثرية ) ، وما تم من مسح وتنقيب في المنطقة ، بالإضافة إلى مسح شمل الجبال والحرات والأودية والنقوش والآثار والبرك، وأثبت الباحث في الرسالة أن ما تم الكشف عنه من آثار من خلال المسح والتنقيب أن فيد إحدى المدن الإسلامية المبكرة، وكذلك فإن دراسات المؤرخين والجغرافيين والرحالة ، بالإضافة إلى الشواهد التاريخية المتمثلة في النقوش والرسوم الصخرية على واجهات الجبال المحيطة بفيد .. تبين أن فيد مدينة قديمة جداً، بل تعد من أهم المدن في الجزيرة العربية، وأن ما ذكرته كتب المعاجم الجغرافية كبلد من بلاد الجزيرة العربية ، مثل: ( المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية) لحمد الجاسر ، و ( صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار ) لابن بليهد .. وكذلك في الكتب التي تحدثت عن طريق الحج العراقي ومناسك الحج ككتاب الحربي: كتاب المناسك وأماكن طرق الحج.. إلخ ليس إلا إشارات قصيرة عن فيد وأهميتها التاريخية.
وهناك دراستان مهمتان لفيد للدكتور عبد العزيز بن راشد السنيدي، وهما:
1. ولاية فيد – منذ ظهور الإسلام حتى القرن السادس الهجري – دراسة في تاريخها السياسي .. ونشرت الدراسة في مجلة الدرعية ( السنة الرابعة ، العدد الثالث عشر ، المحرم 1422هـ / أبريل 2001م ) . واهتمت الدراسة كما هو واضح من العنوان بنظام الولاية في فيد، بعد إعطاء نظرة تاريخية عن فيد ، ودخول أهلها في الإسلام ، وموقفهم من الردة ، وختم الدراسة بهجمات القرامطة على فيد وقطع طريق الحج.. وكذلك هجمات الأعراب على الحجاج..
2. مظاهر الحضارة في مدينة فيد خلال العصر العباسي – نشرت الدراسة في مجلة الدارة ( العدد الثالث ، الثامنة والعشرون ، 1423هـ ) .
وتتركز الدراسة على النواحي العمرانية في فيد خلال العصر العباسي .. والحياة الاجتماعية والعلمية والاقتصادية.
والدراستان قيمتان من حيث المادة العلمية التي تتضمنهما ، وقد استفدت منهما كثيراً في هذه الدراسة ، فجزى الله كاتبهما كل خير ...
ويتألف دراستنا هذه عن مدينة فيد من تمهيد ، وتسعة فصول:
- يتضمن التمهيد – البحث في جذور اسم فيد في التاريخ ولي الشعر الجاهلي ، ولغة القرآن ، وكذلك أقوال المؤرخين في قدم فيد وموقفها وأهميتها في طريق الحج.
- والفصل الأول يبحث في فيد قبل الإسلام ، وكيف هاجر الطائيون إليها وإلى ما حولها ، وأيام الطائيين مع القبائل الأخرى ، وعلاقة الطائيين بالمناذرة في الحيرة، والغساسنة في الشام، وملوك كندة في نجد.
- والفصل الثاني – فيد في العصر الإسلامي الأول – عصر النبوة والخلافة الراشدة – ويتضمن الفصل : السرايا الموجهة إلى فيد وطيئ عامة قبل إسلامها ، ثم دخولها في الإسلام ، والوفود التي أسلمت ، وموقف الطائيين من حروب الردة ، وكيف أصبح الطائيون من فرسان الفتح الإسلامي العظيم في العراق والشام ، وفي الفصل ذكر موقف الطائيين من الفتن في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما واستقصاء للصحابة الطائيين من فيد الجبلين أجا وسلمى.
- والفصل الثالث يتحدث عن فيد في العصرين الأموي والعباسي ، وأزدياد أهميتها لوقوعها على طريق الحج ، وما تعرضت له من هجمات من قبل القرامطة والأعراب.
- والفصل الرابع يتطرق إلى الحياة السياسية في فيد ، وما تتضمنه من الحديث عن النظام القبلي قبل الإسلام ، والتنظيم السياسي بعد الإسلام ، وولاة فيد وسكانها على مر التاريخ.
- ويتحدث الفصل الخامس عن وصف فيد عمرانياً في العصر العباسي ، وما كانت تحويه من الأسوار والحصون والقصور والمنازل والأسواق والآبار والعيون والقنوات المائية.
- أما الحياة الاقتصادية في فيد من زراعة وصناعة وتجارة ، فنجدها في الفصل السادس من الدراسة.
- والفصل السابع يتحدث عن الحياة الاجتماعية والأخلاقية في فيد وأهل الجبلين، وما تتضمنه من قيم أخلاقية مثل الشجاعة والإجارة والوفاء والكرم ، مع ذكر مكانة المرأة في المجتمع الطائي عامة، وما بلغة من مكانة سامية.
والفصل الثامن يتضمن الحياة العلمية والثقافية في فيد، وذلك بذكر مكانة طيئ اللغوية والأدبية ، ثم بيان للعلماء الذين نزلوا في فيد ونسبوا إليها ، وكذلك المؤرخين ورواة التاريخ ، والعلماء الذين أقاموا في فيد من غير أهلها.. والعلماء ورواة الحديث وطلاق العلم الذين رحلوا من فيد وأهل الجبلين إلى الكوفة في العراق ، ثم بيان شعراء طيئ وفرسانهم في الجاهلية والإسلام.. وكذلك شاعراتهم ..
والفصل التاسع والأخير يتحدث عن فيد الحديثة والأثرية ، الموقع والآثار وحدودها ، والقرى والتضاريس المحيطة بها ، فضلاً عن النشاط العلمي والثقافة والرياضي والاقتصادي التي تمتاز به.
وكذلك تضم الدراسة ملاحق متعددة تتضمن التاريخ والأنساب واللغة والأدب ، والتراجم لبعض أعلامها.
هذا إيجاز لما تحتويه هذه الدراسة داعين المولى تعالى أن تكون مقدمة لدراسات أخرى تكشف غوامض هذه المدينة العريقة.
وبعد عزيزي القارئ:
فإنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أقدم هذا الكتاب ، والذي يمثل بين يديك، حيث أني اجتهدت بجمع كل ما ذكر وكتب عن بلدة ( فيد ) في منطقة حائل ، لكوني واحداً من أهالي تلك البلدة أباً عن جد ، وممن ترعرع بأكنافها ونهل من مناهل خيراتها العلمية والعملية.
لذلك أشعر بواجب أن أحاول تقديم عمل يكون كرد جميع لتلك البلدة ، ويكون بمتناول كل من أراد أن يعرف عن ماضي تاريخها وتراثها.
فأرجو أن أكون قد وفقت في اجتهادي هذا ، وآمل معذرتي عن ذكر كل ما يتعلق بفيد ماضياً وحاضراً.. وأترك لأبناء البلدة المثقفين إتمام ما بدأته .
وكلي أمل أن يكون ما جمعته في هذا الكتاب مكان تقدير ، فإن أصبت فمن الله وحده سبحانه وتعالى ، وإن أخطأ فمن نفسي.
ولا أنسى الجميل الذي قدمه لي الدكتور فهمي النجار من نصح في منهج هذا الكتاب، وتاريخ فيد الحضاري والأدبي.. ومراجعة الكتاب مضموناً ولغة .. فجزاه الله خيراً..
والله ولي التوفيق ،،،
على آمل أن نلتقي مجدداً .. زيد المهناء
التعليقات (0)