مواضيع اليوم

فى وداع مصطفى نبيل بقلم الروائى الكبير بهاء طاهر

الدكتور صديق

2011-07-22 08:04:21

0

فى وداع مصطفى نبيل

 الروائي الكبير بهاء طاهر

مكتبه المتواضع ظل على مر السنين منارة يشع منها نور الهلال الذى جعله بجهده بدرا كاملا. على يديه استردت المجلة الثقافية العريقة مجدها القديم فى عصر كانت الثقافة آخر شىء يعنيه، واستطاع رغم ضعف الميزانية التى فشل فى زيادتها أن يستقطب لمجلته الصامدة أفضل الأقلام المصرية والعربية.

وتجلت سماحته الأصيلة على صفحات المجلة فتجاورت فيها أقلام اليمين واليسار ودعاة التراث وأنصار الحداثة والإخوان المسلمون والشيوعيون. وفى مكتبه كنا نلتقى بكتاب وفنانين من كل الأعمار والاتجاهات، يفتح لهم قلبه النقى وصفحات مجلته، الغراء بحق، يدعو كل من يدخل إلى فنجان من القهوة وتنعقد فى مكتبه ندوات فكرية خصبة تقتطع بعضا من وقته، لكنها لا تجور على جهده فى تحرير المجلة وكتابة مقاله الشهرى الذى يفتتح أعدادها. وحين استرجع الآن دماثة خلقه ورحابة صدره فى التعامل مع الجميع يوجعنى قلبى لما ذكره فى «الشروق»، صديقه الكاتب الكبير الأستاذ فهمى هويدى عن جحود بعض أبنائه فى دار الهلال بعد تقاعده عن العمل، فما هكذا يكون تعامل الأبناء مع آباء فى مثل قامة مصطفى نبيل ونبله، العزاء الوحيد أنه ظل كبيرا وسيبقى اسمه محفوفا بالإجلال والتقدير، صحفيا وكاتبا وإنسانا، فى حين سيظل من أنكروه صغارا، وسينسى الناس أسماءهم عن جدارة.

لم أقترب من مصطفى نبيل عن كثب إلا بعد عودته من العمل فى مجلة العربى فى الكويت.

كنت أنا أيضا غائبا عن الوطن فى فترة غيابه، ومنذ عرفته أصبحت مثل كل كتاب جيلى من الروائيين مدينا له بأعظم الفضل. فعندما أصبح مسئولا عن مطبوعة «روايات الهلال» وتبنى تغيير اتجاهها لتصبح منبرا للأدب الحديث، أضحت هذه السلسلة مقعد كل الروائيين المصريين والعرب، وأصبح النشر فيها صك اعتماد لكل كاتب ينشر فيها بأنه دخل من الباب الملكى لمجمع الروائيين. وأذكر الآن بكل اعتزاز أنه قد نشر أول عمل لى فى روايات الهلال «قالت ضحى»، كنت وقتها أقيم فى جنيف منذ فترة طويلة. لم تكن أول رواية أنشرها ولكنها كانت بالتأكيد هى الرواية التى كرستنى روائيا مصريا، ولهذا كان من الطبيعى أن أسعى لشرف نشر كل الروايات التى كتبتها بعدها عند «مصطفى نبيل» مثلما اعتاد الأدباء أن يصفوا روايات الهلال.

ولم أكن الوحيد المقيم خارج مصر الذى نشر له هذا الكاتب الشريف، وإذا ما ذكرت سويسرا وحدها فقد نشر أيضا أعمال الكاتب الكبير جميل عطية إبراهيم والروائية ذائعة الصيت فى سويسرا د.فوزية أسعد. وكان ذلك شرفا كبيرا لنا جميعا، إذ كنا نعرف أن قائمة انتظار النشر فى السلسلة الطوية وهناك من الروائيين فى داخل مصر من يلحون على التعجيل بنشر أعمالهم، وكان مصطفى يجتهد رغم قسوة الإلحاح ليعطى كل ذى حق حقه فى الموعد الذى يراه مناسبا.

وعلى غرار إنجازه فى روايات الهلال، فقد حقق نقلة كبيرة فى شقيقتها كتاب الهلال.
سعى أيضا إلى أن يستكتب فيها أبرز المفكرين المصريين والعرب.

ويكفى أن أذكر أول إطلالة للعبقرى جمال حمدان فى عمل عمره الكبير «شخصية مصر» كانت عبر كتاب الهلال، وظنى بأن ذلك لم يتحقق إلا بفضل علاقته الشخصية به. كان يبحث عن العظماء فى كل مجال ويزين بأعمالهم كتاب الهلال، وأعرف مثلا أنه كان محبا عن حق لعميد محققى التراث، الشيخ محمود شاكر وظل يتابعه إلى أن نشر له كتابه الفريد «أسمار وأباطيل»، وبالمثل نشر لعميد الجيولوجيين المصريين د.رشدى سعيد، وللراحل والمفكر الكبير د.عبدالوهاب المسيرى، وللاقتصادى والمفكر المبدع د.جلال أمين. وأنا لا أستقصى أسماء كل الكبار الذين نشروا كتبا فى سلسلة كتاب الهلال، بل أذكر بعض ما يرد على ذهنى من الأسماء البارزة. وأعتز أن التحق بركب هؤلاء الكبار بكتاب صغير قريب إلى قلبى هو «أبناء رفاعة» الذى شرفنى مصطفى نبيل بنشره.

ما أكثر أياديه البيضاء على شخصى وعلى الثقافة المصرية، فهل لنا أن نرد له بعضا من الجميل الذى غمرنا به طول حياته؟ هل يفكر أحد من زملائه وأصدقائه فى جمع مقالاته القيمة فى مجلة الهلال ومجلة المصور وغيرهما؟ أنا لا أعرف غير كتاب منشور واحد هو كتاب «سير ذاتية عربية» الذى يوجز فيه سير عمارة اليمنى وابن سينا وابن خلدون وأسامة بن منقذ من أفذاذ العرب، ولكننى أعرف أن مقالاته تصلح وتكفى لنشر العديد من الكتب الأخرى. وقد منعه حياؤه وهو المسئول عن النشر من أن يفعل ما كان يشجع عليه الآخرين من جمع المقالات فى الكتب، فمن سيحذو حذوه فى الإيثار وإنكار الذات ويجمع نيابة عنه تراثه الذى ضن به أن يجمعه؟
هتوحشنا يا مصطفى.. وأنت فى رحمة الله


المصدر

http://www.shorouknews.com/Columns/column.aspx?id=509434




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !