مواضيع اليوم

فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق

salah abadou

2009-03-16 22:41:48

0

يعتبر فيلم "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق"، لمحمد عسلي من الأعمال القليلة المعاصرة في السينما المغربية والعربية التي تقوم على مساحات كبيرة من الصمت وتناقضاته مع الضوضاء، كما يشكل لحظة استثنائية من لحظات القوة الإبداعية في مسار السينما المغربية من خلال قدرته على المزاوجة بين الأداء السينمائي، وبين الرؤية الفكرية للمخرج، واعتبر النقاد أن محمد عسلي، أبدع في إخراج هذا الفيلم، وكتابة سيناريو قصته الواقعية وفي انتقاء ممثلاته وممثليه ومصوريه وتقنيه، الذين تضافرت جهودهم لإبداع هذه التحفة الفنية التي تنضاف إلى روائع السينما المغربية.

يبدأ الفيلم بمشهد إتفق كل من رآه على أنه لوحة جمالية، ففي منطقة ريفية جبلية مفروشة بلحاف أبيض من الثلج، يرن هاتف نقال، يهرع من بعيد قروي يطلب الوصول إلى الهاتف قبل أن يتوقف رنينه، وراءه امرأتان إحداهما ترفض.


القدوم إلى الكوخ لترد على الهاتف، إنه زوجها يطلبها من البيضاء حيث يعمل، هذا المشهد يلخص حالة اللاتواصل بين الزوجين بسبب هجرة الزوج إلى البيضاء، لاحقا نتعرف عليه في مجال عمله نادلا في مطعم شعبي مع زميلين له، تطلب "عائشة" من زوجها العودة، لكنه يكتفي بإرسال بعض المال إليها، تعاود الزوجة الإتصال بزوجها بعد أن ساءت حالتها الصحية، يصل الزوج إلى زوجته المريضة، يحملها في طاكسي طالبا الطبيب، تموت الزوجة، فتتحقق نبوءتها في أن خروجها من القرية نحو المدينة يعني هلاكها. ليظل حدث الموت، الحدث القوي الذي إنتهى إليه الفيلم، إعتبارا لحمولته الرمزية كإدانة للمدنية.

على خط متواز هناك قصة العامل الثاني (عثمان) الذي يصر على الإحتفاظ بفرسه وإن اضطر إلى نقله من دوار "أولاد عيسى" إلى الدار البيضاء"، عبر مسالك لا تليق بكبرياء الفارس الحالم وبجواده الأبيض المدلل، لكن فروسيته تضيع وتتهاوى في أحد شوارع البيضاء حيث يسقط فجأة من فوق صهوة جواده، فيندفع الحصان في جموح طائش نحو المجهول مخترقا قوافل السيارات وغير عابئ بمنظومة السير بالمدينة "وقد تكون هذه اللحظة إحدى لحظات الفيلم الأقوى والأكثر تألقا وأشدها رمزية وشاعرية

أما العامل الثالث (إسماعيل) فيشغله حذاء، يقع في حبه كما يقع المرء في حب شريكة حياته، يشتريه بعد شهور من الإدخار، لكن حلمه بالتمتع بالحذاء لن يطول، ذلك أنه رغم حذره واختياره الطريق الذي يمشي عليه، يدوس البعض على حذائه، ويتسخ برذاذ الماء، وأخيرا يدخل المسمار في كعب الحذاء فيثقبه.

الغاية من هذه القصة الأخيرة، تصوير عامل حلم بما هو أعلى منه، وكيف توه هذا الحلم جزئيات منذ توه بزحام الحافلة وغبار الطرق ووحل الشوارع.

إن وفاة عائشة، وضياع حصان عثمان وإشكالية الحذاء، كلها تعبيرات وإيحاءات عن محاولة الإلتصاق بالوطن والتحليق معه في محاولة للبقاء، وهو ما عراه المخرج بشيء من النقمة على زندقة المدينة.

إن مقاربة تيمة الهجرة من داخل الفيلم مست بالدرجة الأولى الإحساس بالاغتراب كتجربة نفسية واجتماعية، يمر بها المغترب بعيدا عن جذوره الأصلية، فمحمد عسلي جعل من مغادرة الأصول نتاجا لشروط مادية قاسية نحو أفق مغايرة ترتبط بأشياء أخرى لم يفصح عنها الفيلم بوضوح، وهذا ما يؤسس أحد أبعاده الفنية، وهذا ما حدا بالمخرج في إحدى حواراته إلى التصريح بأن الفيلم يعالج موضوع الإجتثات "لأن شخصيات الفيلم ليست مهاجرة بقدر ما هي مجتثة، فكل شخصية أجتثت من مكانها رغما عنها"،وأهم ما يريد أن يبرزه المخرج هو تصوير ما يؤدي إليه الفقر من تشريد للعائلات وتمزيقها بين فضائين من خلال الهجرة، فالملائكة لا تحلق فوق مدينة تغتصب أحلام الشباب وفي وسط اجتماعي يتحسر فيه المغترب، لأن الحياة قست عليه مرتين..


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !