من اهم الاضرار الجانبية التي افرزتها الازمة الاخطر التي تدور رحاها على طول خطوط التماس الرئيسية بين القائمة العراقية ودولة القانون والتي بلغت ذروتها من خلال صدور مذكرة القاء القبض بحق السيد طارق الهاشمي هو استسهال وتناسل التصريحات والتصريحات المضادة بشكل امعن في تعكير مياه العملية السياسية القلقة اصلا واسهم في التوسع في استخدام الاسلوب الاعلامي الاقرب الى تقنيات المسلسلات العربية الرديئة منخفضة الكلفة من حيث انتحال المتحدث مسؤولية التنظير والتأليف وكتابة السيناريو والاخراج للحدث السياسي ومتهم-بالضرورة- كل من لا يلتزم بتلك الحبكة الدرامية المعدة سلفا -والمتبناة من قبله-بالخروج عن النص..
واقع بالغ السوء هو تلك الفوضى المربكة التي تسود الخطاب الاعلامي غير المنضبط لبعض الاصوات التي تتزاحم في الاثير متصادمة متضادة مخونة لبعضها البعض ومربكة للمشهد والمواطن العراقي الذي اصبح في حيرة من التوجه الحقيقي الذي يراد ان يزج به العراق والى اين يراد للامور ان تصل..كما ان تضارب تلك التصريحات في نقاط مفصلية مهمة ..واتباع اسلوب التصعيد التثويري التحريضي الهجومي المنكر والمهين للجهد والمنجز الامني والوطني العراقي وبشكل متقاطع تماما مع مراحل تشكل ملامح الدولة العراقية وتطور الحراك السياسي لمرحلة ما بعد التغيير تدل على اولية استجلاب النموذج الشمولي التقليدي في الحكم لدى بعض القوى المتشاركة في العملية السياسية وتقديمه على الاليات الديمقراطية التعددية المبنية على الخيار الفردي المعبر عنه عن طريق صناديق الاقتراع الحر والمباشر..
ان تقديرنا لدور وموقع القوى الوطنية المتصدية لادارة العملية السياسية نابع من اعتزازنا وتشاركنا مع الناخب العراقي البطل الذي اختار تلك القوى كممثل ومعبر عن اماله وتطلعاته وكعنصر فاعل لادامة وتطوير المسيرة الواعدة لعمليتنا السياسية الرائدة..ولكننا لا نملك الا التساؤل عن مصلحة هذا الناخب في الانتهاج المنظم من قبل الاعلام الحزبي المسيس لممارسات اسقاط الجهد الوطني التراكمي للعملية السياسية الجارية في العراق والتبشير باعادة انتاج متكررة لمرحلة التأسيس الرخوة.. وفصل الشعب عن سجل نضاله الوطني والتصفير المستمر لعداد التاريخ ابتداءً من تبوأ هذا المسؤول او ذاك للسلطة..وهذا ما يعيدنا قسرا الى المنوال الذي ثبت عليه الديدن الممل للانظمة العربية الانقلابية في التقاطع المستمر مع نضالات ومنجزات القوى السياسية وعدم البناء على المنجز النضالي لمجمل القوى السياسية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني ومساهمتها في تعبيد درب ومسيرة التحول نحو الغد المشرق المستقل..
كما ان احتكار الصفة الوطنية من قبل بعض القوى وانكارها على باقي الفرقاء في العملية السياسية قد يثير الريبة والشك في مدى ايمان هذه القوى باولية النظام التعددي الديمقراطي ومدى تخليها عن الاسلوب الانقلابي الذي طبع اسلوب انتقال السلطة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في العصر الحديث..وان مثل هذه الممارسات لا تخدم الجهود المبذولة نحو اخراج العراق من ازمته والمرور من خانق الانسحاب الامريكي نحو تشكيل مسار سياسي ذي تمثيل وطني واسع يحقق العدالة ومبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية..
لقد عمد العراق بالدم والنار كعنقاء تداولت البعث والنشور في حيوات وكبوات متعددة ..وكانت القيامة باهظة الثمن على مستقبل ومقدرات الشعب الذي صمد امام الريح الشريرة التي استهدفت مبرر كينونته وتماسك وجوده في عمق ركائز بناءه ..وترتبت للعراقيين حقوق وديون كثيرة في رقبة كل من امتدت يده اليه بالشر والعدوان..وكل من استهتر بدماء ومقدرات ومستقبل العراقيين ..وامعن في وضع المعرقلات والمحددات لمسيرته في طريق الحرية وتعزيز خياراته الشعبية ..ولن يمكن لاحد ان يقسر شعبنا على تجاهل هذه الالام.. او الاكتفاء بالوقوف على حافة استذكارها.. بل هناك واجب ودين اخلاقي مقدس..في تخليد عظمة وجسامة التضحيات والمعاناة التي تكبدها الملايين من ابناء الشعب العراقي على مدى عقود التغول الصدامي وتمكنه من رقاب ومقدرات العراقيين..وما سفح من دماء خلال سنوات الاحتلال والتصدي للهجمة الفاشية الارهابية العجاف..وكشف الغطاء عن الوالغين في الدم العراقي هو السبيل من اجل استكمال متطلبات الانعتاق وتحقيق التحرر والاستقلال.
نعتمد على الهاجس الوطني الذي نتلمسه في بعض القوى المنضوية تحت راية العملية السياسية القائمة في تخليق الاليات التي تضبط العمل الاعلامي وتعيده الى الطريق الصحيح لتخليص البلد من المزيد من الاحتقان والتوتر..والتعامل مع المنعطفات السياسية حسب حقائق وقواعد الحراك السياسي المبني على اسس التعددية والدستور وقيم الديمقراطية ..ونبذ الآليات والممارسات الشمولية الموروثة من ثقافات القمع والاستبداد والاقصاء والتهميش وتغييب الآخر..وهو ما يتجلى بوضوح –مع الاسف-في ثنايا الخطاب السياسي لبعض فرقاء العملية السياسية..خصوصا تلك المدفوعة بسعار اعلامي زاعق ومنفّر ومعاد للعراق والعراقيين..
التعليقات (0)